5 ديسمبر، 2024 5:16 ص
Search
Close this search box.

القضاء والقدر . . وحرية الارادة

القضاء والقدر . . وحرية الارادة

سألني احد الشباب عن الذنب الذي اقترفه وادى به إلى أن يعيش في قدر ظالم . وهل هذا هو حكم الله عليه . . ثم لماذا يعاني من الأوضاع المأساوية في العراق . . هل هذا هو القضاء والقدر ، وعليه الاستسلام لحكم الله
فاجبته أن هناك فرق بين القضاء والقدر . فالقضاء هو حكم الله الخاص . ولابد من وقوعه ، لأنه يمثل إرادة الله في هذا الحكم . حيث يقول الله في كتابه العزيز ( وكان أمرا مقضيا ) . وهذا هو أمر الله الذي لايد لنا فيه ، مثل ولادة عيسى بن مريم دون اب
اما القدر فإنه من القوانين الطبيعية التي وضعها الله لتسيير امور الكون والطبيعة . فقال تعالى ( انا كل شئ خلقناه بقدر ). والقدر هنا هو القوانين الطبيعية والكونية من حركة الكواكب والشمس والقمر والليل والنهار وكذلك الحياة والموت وغيرها من الامور والأحكام التي تسير بقوانين الله . وعليه فان الانسان اذا كان مريضا وتوفى فان الله عز وجل يتوفاه بقانون يحدد قدر الموت والحياة . واذا قتل انسان اخيه الانسان فاننا لا نستطيع أن نقول أن هذا هو حكم الله . . لان الله سيصبح في هذه الحالة شريكا في الجريمة حاشاه ، جل وعلا . وفي ذلك افتراء على الذات الإلهية . . وكذلك إذا افترس السبع طريدة في البراري فهذا ايضا ليس حكم الله بل هو حكم القانون الطبيعي الذي وضعه الله . اما اذا ولد طفل معوق فان الله لم يجعله معوقا . لان في ذالك ظلما لله تعالى . ولكن هناك قوانين طبيعية تحتم وجود طفل معوق نتيجة معادلات كيمياوية تحدث خللا في المسار الطبيعي والجيني لنمو الطفل وهو في بطن امه . ونحن نعلم أن الإنسان إذا بلغ من الكبر يموت وهذا قانون الهي نعرفه جيدا . وكذلك الموت نتيجة حوادث الطرق او الأوبئة والامراض كلها تجري بموجب قوانين موضوعة سلفا كالمعادلات الرياضية والكيميائية ، وهي التي تحدد مسار الاشياء والطبيعة
وكذلك الحال في الحروب والنزاعات المسلحة وما يترتب عليها من معاناة وآلام للناس. اننا لا نستطيع أن نقول انها من فعل الله او انها من حكم الله ، ولكنها تكون نتيجة قوانين الحياة وطبيعة الاشياء . . فان طمع الانسان وانانيته او ظلمه يؤدي الى التمرد والثورة ،. ثم القتال والحرب
ان من الظلم القول بأن ما يجري في العراق من احداث مؤلمة هي من أمر الله . او اننا شعب يعاقبه الله ، بل إن من الطبيعي جدا ان نرى فوضى عارمة في المجتمع قد تؤدي الى صراعات مسلحة اذا كانت هناك حكومة ظالمة او مسؤولين متخلفين وفاسدين . وهناك من يحرض الناس بعضهم ضد البعض لاغراض انانية ، فهذا ليس من حكم الله ، وانما من فعل الانسان
وبالمقابل فاننا يمكن أن نستخدم هذه القوانين الطبيعية أو الاجتماعية لتحقيق نتائج لصالحنا . . فاننا اذا ما أنشأنا تكتلا حرا او رأيا جمعيا معارضا مضادا لهذا الظلم والتحريض والفساد . فستكون نتيجة ذلك تشكيل كتلة كبيرة تستطيع مقاومة الظلم وإزاحة الفاسدين . . نحن نستطيع أن نفعل اشياء كثيرة لصالح الإنسانية والعدل وفق هذه القوانين الطبيعية والاجتماعية . وهذا ما حدث في اوروبا مثلا ، فبعد الظلم الكبير الذي وقع على الناس نتيجة هيمنة الكنيسة والاباطرة على مقدرات الشعب ، جاءت الثورات للتخلص منهم . وتحقيق حكم الشعب وهذا ايضا من القدر
اذن اذا كان بمقدورنا فعل شيء مفيد بموجب حرية الاختيار ، او حرية الإرادة فأن الامور تسير بشكل مرضي . . ولذلك فان بامكاننا تسخير القدر لصالحنا بدلا من انتظار الفرج او حكم الله . حيث ان هذه اتكالية تتعارض مع إرادة الله وقوانينه او أقداره . . وقد سأل اعرابي النبي الكريم هل أترك البهيمة لمشيئة الله . فرد عليه بل اعقل وتوكل . اي اربطها ثم توكل على الله
اننا لا يمكن أن نقف مكتوفي الايدي في انتظار معجزة من الله ليخلصنا مما نحن فيه . . ان الشعوب تصنع مستقبلها بالعلم والعقل . . والعقل يحتم علينا السير وفق مسالك عقلانية وعلمية للوصول الى المعجزات . انك اذا لم تدرس لن تنجح ، . فلا تنتظر المعجزات . وكل قول خلاف ذلك هو دجل ونفاق وافتراء على الله وعلى الناس . . وقد قال الله تعالى ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ). هذا ما علمنا الله ، وليس الاتكالية السلبية في انتظار الفرج الذي لن يأتي ابدا دون فعل . فلا تظلموا الله وتظلموا انفسكم بأسم القضاء والقدر.

أحدث المقالات