23 ديسمبر، 2024 7:49 م

القضاء العراقي و النوم في العسل

القضاء العراقي و النوم في العسل

تعتبر المفوضية العليا المستقلة للانتخابات من أهم الهيئات الموجودة في العراق بالنظر للدور المهم الذي تضطلع به هذه الهيئة والمتعلق بإدارة العملية الديمقراطية والانتخابية في البلد , فعلى نتائج هذه العملية الانتخابية يتحدد شكل البرلمان والحكومة في البلد , بمعنى آخر أنّ العملية الديمقراطية برّمتها ومستقبل البلد السياسي يرتبط ارتباطا وثيقا بالاجراءات التي تتخذها هذه الهيئة , والتي يفترض أن تكون مستقلة وبعيدة تماما عن الصراعات والتجاذبات بين الكتل و الاحزاب السياسية المتصارعة , و قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 قد حدد مهام و دور كل من مجلس المفوضين والإدارة الانتخابية , وبالنظر للطبيعة اللا قانونية للقرارات الأخيرة التي اتخذتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات باستبعاد عددا من المرشحين للانتخابات النيابية العامة خلافا للصلاحيات الممنوحة لها بموجب القانون وعلاقة هذه القرارات بمستقبل العملية الديمقراطية والسياسية في البلد , فلا بدّ من تسليط الضوء على الفقرة خامسا من المادة 4 من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم 11 لسنة 2007 والتي تنص على (( البت في الشكاوى والطعون الانتخابية كافة وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام هيئة قضائية تمييزية مختّصة )) .

فالبت بالشكاوى والطعون الانتخابية لا تعني امتلاك مجلس المفوضين صلاحيات الاجتهاد في تفسير القوانين والأنظمة النافذة , فهذه المهمة من صلاحيات القضاء والمحكمة الاتحادية العليا حصريا , فهي الجهة الوحيدة المعنية في تفسير القوانين والأنظمة , ولهذا فليس من صلاحيات مجلس المفوضين تفسير الفقرة ثالثا من المادة 8 من قانون انتخابات مجلس النوّاب العراقي لسنة 2013 , بناءا على أهواء ورغبات البعض من أعضاء مجلس المفوضين المشبوهة , وحسن سيرة وسلوك المرّشح لا تخدشها سوى الأحكام الصادرة بحق هؤلاء المرّشحين والمتعلقة فقط بالجرائم المخلة بالشرف , وهذه الأحكام تشمل السرقة والاختلاس والتزوير وخيانة الأمانة والاحتيال والرشوة و هتك العرض , كما حددها قانون العقوبات العراقي , والتحقق من حسن سيرة وسلوك المرشحين لهذه الانتخابات يكون من خلال عدم ارتكابهم لواحدة من هذه الجرائم الخسيسة , وجرائم الإعلام والنشر لا تدخل قطعا ضمن الجرائم المخلة بالسيرة والسلوك .

والغريب في الأمر أنّ القضاء العراقي ممثلا بالمحكمة الاتحادية العليا المسؤولة دستوريا عن الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة التافذة , غارق في سبات عميق وكأنّ هذا الأمر لا يعنيه , فكيف لنا أن نطمأن بعد هذه القرارات الجائرة و اللاقانونية التي اتخذتها المفوضية العليا على سير العملية الديمقراطية والانتخابية في البلد ؟ وهل يمكن الركون لمثل هذه المفوضية المشبوهة في بناء عملية سياسية وديمقراطية سليمة وصحيّة ؟ ومن سيضمن لنا إجراء انتخابات شفافة ونزيهة ومستقلة في ظل هكذا قرارات مجحفة ؟ .

إنّ تجاوز المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لصلاحياتها القانونية الممنوحة لها بموجب القانون , يعد انتهاكا صارخا لمبادئ الديمقراطية , ومؤشرا خطيرا على عدم نزاهة الانتخابات النيابية القادمة , وهذا الوضع الخطير يفرض على القضاء العراقي ممثلا بالهيئة القضائية التميزية أن تردّ هذه القرارات الجائرة وتحمي العملية الديمقراطية والانتخابية من الانزلاق في مستنقع الفساد المستشري في البلد , وأنظار العراقيين في هذه اللحظات العصيبة التي يمر بها البلد تتجه نحو القضاء من أجل إيقاف هذه التجاوزات الفاضحة والخطيرة والتي تنذر بعواقب لا تحمد عقباها , فالديمقراطية الناشئة في العراق هي أمام الامتحان الصعب , فهل سيقول القضاء كلمة الإنصاف والعدل ؟ .