العراقيين وحدهم من الجيل الملكي الى الجمهوري بمختلف مراحله العمرية يعرفون أن القضاء العراقي فاسد حتى العظم لما عرف عنه بلغة الشارع ( كلاوجية القضاء ) فهو أساسا بدون جدال مرتبط بالسلطة الحاكمة منذ أصبح العراق مملكة لها دستور وقانون , مثل القرارات التي كان يكتبها ويصدرها الوصي عبدالآله ويرسلها الى رئيس المحكمة العسكرية لتحكم بالموت على خيرة ضباط الجيش العراقي او قادة الأحزاب السياسية الوطنية بتهم مختلفة كالتأمر على نظام الحكم , وأبسطها وأمرها تهمة الشيوعية أو الماسونية وكذلك محكمة المهداوي السيئة الصيت بحق السياسين العراقيين القوميين والبعثيين وغيرهم من ضباط الجيش وساسة الدولة بتأثيرات مختلفة وشخصية بحتة مثلت الصراع السياسي أنذاك بين الأحزاب وتلتها محمكة أشد قسوة وتفاهة في زمن البعث وهي محكمة الثورة السيئة الصيت لترسل أفواج من الشباب الى الموت بأحكام مسبوقة طبخت في القصر الجمهوري أو بقرار من البكر أو صدام حسين نفسه وفي زماننا هذا لايوجد قضاء أطلاقا لأنه أرتبط بالدولة والدولار والسفارة الأمريكية في المنطقة الخضراء باصدار أحكام قاسية صدرت بحق أبرياء من خلال القضايا ( الكيدية )للمخبر التي أطالت بفعل الكره والحقد والطائفية الكثيرين وراحت ضحيتها خلق كثير ومنهم قدرات خلاقة من الموظفين وأساتذة الجامعة ولازال بعضهم في السجون بلا محاكمة وبأمر من السلطة الحكومية وهذا ماأعترف به وزير العدل نفسه بل ورئيس الوزراء نفسه أن هناك قضاة مرتشين وفاسدين .
أما حالة المحاميين رجال ونساء , فهي حالات تدعو للأسف والخزي فتراهم يتصارعون فيما بينهم على أستجداء القضايا ومنهم من يتحايل مع محامي آخر ليبتزوا معا صاحب القضية المسكين الغشيم أو منهم من يرشي الحاكم نفسه بالمال والخمر والميسر وهم كثر وهذا ماعشته بنفسي وشاهدته بعيني في عدة قضايا سياسية وأجتماعية تعرضت لها بدء من محكمة الثورة الى المحاكم العسكرية والمدنية فلم اشعر بأن هناك رغبة العدل والنزاهة والصدق بل ولم أجد قاضيا شريفا البتة عسكريا أم مدنيا , بل وحتى قاضية شريفة الا ماندر .
أن القضاء العراقي منظومة فاسدة ومسيرة سواء من حاكم دولة أو حزب حاكم والا ماأستنجد الناس بقوة العشيرة لتحل لهم نزاعاتهم أو رجل دين معمم يحل مشاكلهم , أو أبرياء في السجون لمدة سنيين دون حكم قضاء أو تهمة أو حتى من حررهم القضاء ولم يجروء قاض وطني أو أنساني بأطلاق سراحهم , ومن يتغنى بموال سلامة القضاء ونزاهته عليه أن يثبت لنا قضية واحدة سياسية أو أجتماعية أنتهت بالعدل أو يذكر لي قاض نزيه لم يتعرض للأضطهاد والرشوة من قبل حفنة من لصوص السلطان او أن كان شريفا فالموت نصيبه وهذا ماحدث في زماننا هذا الذي يعلو فيه صوت الدين المزيف والسياسة المنافقة على صوت العدل وأخرها مسألة القضاء في حسم قضية التهم التي وجهها وزير الدفاع لخصومه الفاسدين و التي حلل وأجاز صدقها أبناء الشعب العراقي بعفويتهم وأحساسهم المرهف الذي أملته عليهم تجربة نصف قرن من ( كلاوات ) القضاء المنهار خلقيا ومهما أمتلك البعض من سلطة فهم واهمون لأن العراقيين ( مفتحين بالجير ) اللي سود وجه كل مرتشي ولص .
لقد أفسدت الأنظمة الدكتاتورية منظومة القضاء العراقي لغياب صوت الشعب المغيب دائما من طغاة الأرض وغياب الصحافة الحرة ولندرة الرجال الشجعان من القضاة ودمر القضاة الفاسدين والمرتشين نهوض حضارة أبناء الرافدين في أول مهدها بعد أن حاول البعض من القضاة الأوائل النهوض بها لتتوهج مثلما كانت في زمن جدنا العظيم حمورابي .
ومن مواقف القضاة الشجاعة في الأسلام كثيرة ولكني سأورد أمثلة أعود فيها لذاكرة الناس بعدل القضاة وشجاعتهم : فمن مواقفهم الناصعة مع ذوي السلطان ما رُوي أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-أنه افتقد درعًا له كانت أثيرة عنده، ثم ما لبث أن وجدها في يد رجل يهودي يبيعها في سوق الكوفة، فلما رآها عرفها، وقال: هذه درعي سقطت عن جمل لي في ليلة كذا وفي مكان كذا. فقال الذميّ: بل هذه درعي، وفي يدي يا أمير المؤمنين، وبيني وبينك قاضي المسلمين فقال الأمام علي : أنصفت , فهلم اليه
فلما صارا عند( شريح القاضي ) في مجلس القضاء، قال شريح لعلي -رضي الله عنه-: لا ريب عندي في أنك صادق فيما تقوله يا أمير المؤمنين، ولكن لا بد لك من شاهدين. فقال عليّ: نعم لدي : شخص رافقني أسمه : قنبر وولدي الحسن يشهدان لي. فقال شريح: ولكن شهادة الابن لأبيه لا تجوز. فقال علي: يا سبحان الله! رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. فقال شريح: بلى يا أمير المؤمنين، غير أني لا أجيز شهادة الولد لوالده .
عند ذلك التفت عليّ إلى الذمي، وقال: خذها، فليس عندي شاهد غيرهما. فقال الذمي: ولكني أشهد بأن الدرع درعك يا أمير المؤمنين. ثم أردف قائلاً: يا لله! أمير المؤمنين يقاضيني أمام قاضيه، وقاضيه يقضي لي عليه، أشهد أن الدين الذي يأمر بهذا لحقّ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
ويذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء: أن الخليفة أبو جعفر المنصور كتب إلى (سوار بن عبد الله ) قاضي البصرة كتابًا فيه: انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد وفلان التاجر، فادفعها إلى القائد فكتب إليه سوار: (إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر، فلست أعطها لغيره إلا ببينة). فكتب إليه المنصور: (والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى القائد). فكتب إليه سوار: (والله الذي لا إله إلا هو، لا أخرجها من يد التاجر إلا بحق). فلما وصل كتابه إلى المنصور قال: (ملأتها والله عدلاً، فصار قضاتي تردني إلى الحق ) وفي أخرى أن القاضي (شريح ) كفل أبنه رجلا أقترف ذنبا فقبلت كفالته , لكن الرجل هرب فاضطر شريح القاضي ان يضع ولده ( الكفيل ) في السجن لحين عودة الرجل .
لاأطيل في التغزل بالماضي لروعة وشجاعة ونزاهة القضاة فيه أكثر رغم أن لي رغبة في الشتيمة البغدادية لدولة القضاء لما عانيته من قضاة فاسدين ومرتشين كما عانى غيري ولكني أبحث مع الفقراء العراقيين عن قاض نزيه يخشى الله ورسوله والضمير ويرعى العدل بشجاعة الفرسان النبلاء ليكون قدوة لجدي حمورابي العظيم . وسافقد هذه الرغبة وهذا الحلم لأحفادي القادمين ليبنوا عراقا عظيما يكون في للقضاء المقام الأول , فهل سيحقق حلمي وحلم الأجيال السيد حيدر العبادي قبل الرحيل الأبدي له ولي ولنا جميعا لأن العراق أكير منا قضاة وحكام وعامة فقراء .