تعد المنظومة القضائية من اهم اركان الدول المتمدنة الحديثة التي بنيت اساسها القائم على مبدأ الفصل بين السلطات لغرض تحقيق قدر كافِ من المرونة في تطبيق القانون
وتحقيق العدالة بين كل طبقات الشعب لا فرق بين سياسي كبير وصغير او مواطن ذا نفوذ من عدمه ولم تقم دعائمه على اساس الانتماءات الحزبية او العشائرية او الطائفية
و المناطقية او العائلية , وهذا التوجه الذي حاولت الكثير من الدول النامية السير عليه الا انها فشلت لسبب او لأخر وكان من ابرزها العراق فقد حاولت الاحزاب التي استولت
على السلطة بعد عام 2003 سلوك هذا المنهج وبدأت بالسعي لاستقلالية مجلس القضاء الاعلى وفق مبدا الفصل بين السلطات و تحقيقا لمبدأ القضاء مستقل لا سلطان عليه
لغير القانون فقد توهمت كما اوهمت هذه الاحزاب عامة الشعب ان هيبة القضاء واستقلاليته مصانة وهو الفيصل في كل النزاعات مهما علت درجة المتهم الوظيفية او منزلته
الاجتماعية في بلد ساد فيه الفساد والاجرام واللصوص اخذوا منه كل مأخذ ولم يتبقى للمواطن البسيط غير الحسرات والترحم على ايام خلت رغم سوادها وغطرسة قادتها ,
فالقضاء العراقي بعد عام 2003 لم يختلف كثيراُ عن سابقه الا ان هذه المرحلة الجديدة قد تعدد فيها اللصوص والمجرمين ولم يقتصر على عائلة واحدة او حزب واحد و من
البديهي ان يحمي هؤلاء انفسهم و ذويهم و من اجل تحقيق الغرض الا وهو الحماية والحصانة المطلقة من تطبيق القانون بحقهم وعدم الرغبة في تشكيك الشعب في نزاهتهم
الشكلية في اغلب الاحيان اصبحوا امام خيارين اولهما اللجوء الى ( البلطجة )
وهو المصطلح السائد حالياُ في عالم الثورات العربية , فهؤلاء ( البلطجية ) ينتمون الى احزاب سياسية ومدعومين من دول مجاورة ولهم تسمية شائعة واخذوا صفة قانونية
لحمايتهم ومنهم من تسيد مناصب مهمة وحساسة في اجهزة الدولة , يمارسون دورهم في ( الفتونة ) التهديد والوعيد للقضاة والمشتكين من خلال الرسائل او عن طريق
الاتصال المباشر لعلمهم المسبق بهشاشة القضاء وليونته مع امثالهم وقد تصل في احيان اخرى الى حد القتل كما تعرض له الكثير من القضاة الشرفاء والخيرين الذين رفضوا
الانصياع لأفعال ( البلطجية ) واصروا على محاكمتهم وابت انفسهم بيع العراق لمجرمي الاحزاب وعصاباتها قطاع الطرق لأرواحهم الطاهرة منا كل الترحيم والتقدير والاحترام
, اما الفئة الثانية وهي بيت القصيد الذين انصاعوا لابل تعروا وافضحوا عورتهم امام سطوة الاحزاب الحاكمة و ( بلطجيتها ) وفي احيان كثيرة اصبحوا جزأ مهماُ منها واضعين
تحت اقدامهم كل مبادى الفصل بين السلطات لترضية لصوص ومجرمي المنطقة الخضراء واذيالها في المحافظات وجعلوا من القانون ( تجة ) مطاطاُ يسحبوه متى ما ارادوا
ويعيدوه متى و كيفما ارادوا لتبرئة لص سرق حق الشعب و مجرم بلطجي استغل منصبه وخطف وعذب واعتقل وقتل بحجج واهية وذرائع كاذبة واهم ذريعة ( مكافحة الارهاب )
وهم اول من يمارسوه , او تجريم بريء رفض الانصياع لرغباتهم كما تعرض القضاة للإقصاء والعزل لتأكيدهم على مبدأ سيادة القانون ووجوب تحريره من هيمنه الاحزاب
الحاكمة , و مواطن فضح سوءاتهم بمقال ومنشور فقد اصبح هؤلاء فريسة تنهشهم ( سوسة القضاء ) بسهولة ويسر و تعزلهم وتطاردهم لعدم وجود قوة تحميهم من (
بلطجة ) الاحزاب الحاكمة وقضائها المُسيس الذي لطالما سعى جاهدا اضفاء الصفة الشرعية على افعال جرمها الله والقانون بنصوص لم ولن ترضي المُتفقهين في القانون
وقبلهم عامة الشعب لإفلات سراق المال العام ومن باعوا العراق وبددوا ثرواته وانهكوا بنيته التحتية من العقاب لغايات دنيوية تحت ذرائع مذهبية دينية اسلامية و منافع مادية
ومناصب ودرجات وظيفية , هذه خلاصة القول في قضاء كنا نعول عليه الكثير الا انه كان تحت مستوى التعويل وجعلنا نلجأ الى العويل على سوء التدبير .