17 نوفمبر، 2024 4:53 م
Search
Close this search box.

(القضاء العراقي) بريء حتى يثبت إدانته

(القضاء العراقي) بريء حتى يثبت إدانته

في تسعينيات القرن الماضي ذهب أحد الاشخاص الى رجل الدين السيد حسين اسماعيل الصدر في الكاظمية ليأخذ رأيه و يستفتيه في أحد المسائل الفقهية ، و عند إنتهاء اللقاء سأله ماذا تعمل فأجابه هذا الشخص بأنه حاليا أحد طلبة معهد القضاء العالي في بغداد ليكون قاضياً بعد الدراسة لمدة سنتين ، فردّ عليه رجل الدين متبرماً (أعوذ بالله !) فرجع هذا الشخص و هو يقلّب ماطرقه رجل الدين على مسامعه من التعوذ بالله من مهنة القضاء ، ليتخذ بعدها قراره الحازم و الخاطيء و يتخلى عن إكمال الدراسة في معهد القضاء ، مقتنعاً بان كلام رجل الدين هو الصحيح ، فأضاع على نفسه فرصة طيبة كان بامكانه تقديم خدمات من خلالها الى المجتمع ، و بعد أحداث 2003 لاحظنا كيف حصل مع رجل الدين السيد حسين اسماعيل الصدر من الثراء الفاحش و كيف بدأ يسرق بكلتا يديه و امتلاكه العقارات و الارصدة و المقام الرفيع و الحمايات و الوفود و الضيافات و الموائد المُتخمة و السيارات المظللة ، و جميعها من قوت الشعب و من المال الحرام ، في وقت كان يعتبره البعض قدوة في كلامه و تصرفاته.
إن مهنة القضاء هي كباقي المهن التي تخدم المجتمعات و أنها تتفوق عليها لما لها من أثر كبير في إنصاف الناس ، وأن الاتهامات التي تُوجه الى مهنة القضاء و الى القضاة هي على شاكلة التهم التي تُوجه الى كل المهن الاخرى في المجتمع.
هنالك مشكلة يعيشها المجتمع العراقي ، و هي أنه لايفرق بين القضاء الذي يعمل في دور العدل و مؤسساته في الشؤون الاعتيادية من خلال أقسام المحاكم في قضايا البداءة و الشرعية و الاحوال المدنية و الجنح و الجنايات ، و إنجاز و ترويج المعاملات المتعلقة بحقوق الناس ، و بين القرار السياسي الذي تنتزعه بعض السلطات العراقية المستبدة من القضاء العراقي بالاكراه و التهديد ، لتغيير موازين اللعبة السياسية في العراق ، و التي أفقدت القضاء إستقلاليته في نظر الكثير و جلبت السمعة السيئة و الشائنة للقضاء العراقي ، الذي يكنّ له المجتمع العراقي كل الاحترام ، و الامثلة كثيرة في هذا الصدد سواءاً في عهد صدام حسين أو في عهد نوري المالكي الذي تفوّق في الظلم و الانحراف و الغطرسة على صدام حسين.
إن سياقات العمل في المحاكم العراقية ، لاتدع مجالاً لبخس حقوق الناس لما يتمتع به القاضي العراقي من مهنية عالية و لما تلتزم به قوانين التقاضي من توفير فرص حق الدفاع و الطعن و الاعتراض أمام هيآت الاستئناف و محاكم التمييز ، إضافة الى الجوانب الانسانية التي تشكل رافداً طيباً مليئاً بالرحمة ، حينما تجد أن القاضي يُحاكي الوجدان و الحس الانساني و المروءة بين سطور نصوص القوانين ، ليخفف من غلوائها و من الضغوط الواقعة بسبب صرامة القوانين في بعض الحالات.
إن القاضي يجد نفسه مضطرا لتطبيق القانون بحذافيره و يمكن إعتبار القاضي بأنه هو الجهة المُنفذة أو التنفيذية للقوانين ، و قد ترك المُشرّع و الفقيه القانوني (عن قصد) قدراً من المسافة (range) لكثير من القوانين لتكون فيها نسبة محددة ينفذ من خلالها المحامي للاستفادة في تخفيف شدة الاحكام مراعاة للجوانب الانسانية و التي يرضخ أمامها القاضي في إعادة النظر في تكييف الاحكام لقوانين بديلة عند تقديم المحامي لدفوعاته.
إن مهنة القضاء كغيرها من المهن ، قد إمتهنها بعض القضاة الذين نكثوا بالقسم و أساؤوا الى أنفسهم و الى مهنتهم و الى حقوق المجتمع ، و هذا وارد و حاصل لجميع المهن ، و لهذا علينا أن لانُعمم هذه النظرة على الجميع ، و علينا ان نعرف ان هنالك قضاة شرفاء مخلصين يرفضون المساومة و الابتزاز مهما بلغ الامر.
إن القضاة و نقابتهم المهنية قد وقفوا مكتوفي الايدي ، و لا زالوا ، في عدم تبيان الحقائق الخافية على الكثير من أفراد المجتمع ، و أن الواجب يُحتم عليهم إيضاح دورهم و عملهم ليكون جلياً للجميع ، و عليهم مسؤولية كبيرة في التصدي الى الذين أساؤوا الى مهنة القضاء سواءاً من أقرانهم القضاة الذين تسوّل لهم أنفسهم هضم حقوق الناس و التهاون فيها من أجل منافع شخصية ، أو من الجهات الحكومية التي حاولت و تحاول التشبث بالقضاء و إتخاذه مطيّة لتحقيق مآربها و جعله أداة نافعة لهم في تثبيت أركان حكمهم للتمسك بكراسيهم و مناصبهم ، كما لاحظناه في قرارات المحكمة الاتحادية المُجحفة بحق الدكتور أياد علاوي في الانتخابات البرلمانية تحت تأثير ايران و سمسارها حزب الدعوة العميل في موضوع رئاسة الوزراء التي سرقها المجرم نوري المالكي و جلب من خلالها الدمار ليعم جميع أجزاء العراق ، حينها و بكل تأكيد ستتغير نظرة المجتمع لهم و يستعيد القضاء هيبته ، و لا يكون ذلك إلاّ عند إكتمال إستقلالية القضاء المطلقة ، و في ذلك مصلحة للجميع ، و لهذا يقتضي من الجميع الوقوف الى جانب القضاة في هذا الجانب سيّما أن الاعلام لم يُسلط الضوء على هذا الامر و لم تتناوله ندوات عامة أو مؤتمرات أو جلسات ثقافية أو محاور إذاعية في القنوات الفضائية ، مما يُبين أن هنالك تقصيراً قد يكون متعمداً ، مما سبب الاجحاف و أنعكس سلباً بحق المجتمع عامة ، و لا يمنع من قيام مسيرات تقوم بتحشيدها أحزاب وطنية أو منظمات عاملة في المجتمع المدني ، تُندد بما تقوم به بعض السلطات الحكومية ضد إستقلالية القضاء بدلا من الانتقاص من أشخاصه الذين يعرف الجميع أنهم يرضخون تحت تعسف السلطات السياسية و هيمنتها الجبروتية ، و أنهم بحاجة أكثر من غيرهم للوقوف الى جانبهم و حماية أرواحهم و أرواح عوائلهم من بطش المتنفذين من عناصر الاحزاب الاسلامية الاجرامية.

أحدث المقالات