18 ديسمبر، 2024 7:52 م

القصة المثيرة للراحلة برباره توما نعمان قص يصلح لسيناريو فيلم سينائي

القصة المثيرة للراحلة برباره توما نعمان قص يصلح لسيناريو فيلم سينائي

الزمان 1985
المكان الطريق بين عنكاوا وبيشمركه الانصار في أعالي جبال كردستان
هي والدة الراحل ناصر يوسف منصور ، وجورج وكان الاخير بيشمركه في صفوف الانصار .. مرت سنين على الام برباره لم تر ابنها الذي تتواصل معه بصعوبة وسرية بالغة من خلال الرسائل في فترات متباعدة جدا ..
شدها الحنين ومزقها الشوق لرؤية فلذ كبدها وقررت ان تكحل عينيها برؤيته مهما كلف الثمن وكبرت المغامرة . كيف لا وهي الام المتيقنة من ظروف العيش الصعبة بين الجبال الشاهقة والوديان السحيقة لاسيما ايام الشتاء القارص فضلا عن المخاطر المحدقة بالبيشمركة التي تهدد حياتهم في اية لحظة ..
كانت الراحله تتمتع بذكاء وفطنة تؤهلها من خوض هكذا مغامرة ، لكنها ربما لم تدرك عواقبها في حال القوا القبض عليها ..
قد تكون احدى أهم اسباب المغامرة بتلك الرحلة لأن دار ابنها الراحل ناصر يوسف متاخم لدائرة الامن في عنكاوا وكأن لسان حالها يقول أنا أأتمن عدم ملاحقة أمن عنكاوا لي لكونهم جار ولدي ، وكانت كلما تمر من هناك تسلم عليهم وهم يكنون لها الاحترام لأنها إمرأة مسنة وأم جارهم، وصار جميع الحراس ومنتسبي الامن يعرفها…
عوده لمربط الفرس حددت الأم برباره يوم الرحيل هي وابنتها الشابة فاتن .. هيأت للعزيز جورج مالذ وطاب من مأكل ومشرب اتذكر بعضها :- (قنينة ويسكي – كليجة من إيد نانا – كبة حلب من إيد الاخت فاتن . إضافة الى زجاجة مربى، واخرى طرشي) ، وحرصت ان لايكون حملها ثقيلا ، ثم شدت الرحال ..
افلحت نانا برباره بدهائها من عبور جميع سيطرات الجيش في الطريق الى الجبال الوعرة .برغم انها كانت كلما تصل سيطره يخفق قلبها .. وهي لا تعلم هل ان قلبها يخفق من شدة الخوف من السيطره ام لأنها باتت على مقربة من فلذة كبدها؟..
انها تصلي طوال الطريق وتردد مع نفسها متسائلة :- يا إلهي هل سألتقي بأبني واشمه واقبله واضمه الى قلبي وهي تذرف الدموع بغزارة .. تستأنف بداخلها قائلة :- انا سعيده لأنه سيأكل من يدي ما حرمته السنين العجاف منه ، وسيتقاسم الطعام ويحتسي الخمر مع رفاقه ونخب أمه وأخته هذه الليلة..
إنها السيطرة الاخيرة، لو أفلحت في العبور ستكون بعد دقائق على مشارف سيطرة البيشمركه الانصار ..
لكن لسوء حظها صادف وجود أحد عناصر أمن عنكاوا من العرب في تلك السيطره وهو يعرف جيدا أم ناصر..
قال لها مستغربا:- هااااا أم ناصر هاي شدتسوين اهنا ؟!!
وارتبكت الأم برباره مرتعبة ، شكك أفراد السيطره بنوايا ركاب تلك الحافله نتيجة ذلك الارتباك والخوف ، فقاموا بتفتيشهم بدقة فردا فردا، وجردوهم من كل ما كانوا يحلمون بإيصاله للبيشمركه ..
جماعة السيطره استكلبوا أكثر عندما عثروا على سماعة طبية في حقيبة أحد الركاب مع مجموعة من العقاقير والادوية .. تيقنوا بأنهم ينوون نقلها الى المقاتلين البيشمركه هناك ..
بعد زجر المسافرين واهانتهم ..أمروا السيارة بالعودة فورا من حيث أتت !.
لاشك فيه ان المسافرين في تلك اللحظة كانوا محظوظين لأن رجال السيطره اكتفوا بهذا القدر من الاساءة اليهم ، ولم يستدرجوهم الى المراجع الامنية الاكثر فضاضة وقساوة ..
لم تشفع تضرعات نانا برباره بمريم العذراء والقديسين ، ولا جيرة ابنها لدائرة الامن ، كما لم تشفع لها فطنتها بالوصول الى ابنها ، فعادت فزعة خائبة وهي تضرب كفا بكف تندب حظها، وتبكي طوال الطريق ..
راحت الأم بالصلوات، وعادت بالدموع والبكاء خائبة ومنكسرة.
إنها واحدة من صفحات شقاء الأمهات العراقيات وعذاباتهن التي لن ينساها التاريخ مهما مرت به السنون ..

عنكاوا