18 ديسمبر، 2024 5:25 م

القصة الكاملة لمحاولة فاشلة في اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم

القصة الكاملة لمحاولة فاشلة في اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم

اقرار خطة الاغتيال:
ـ عقد اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث في العراق في 1 / 10 / 1959 وتم فيه الاقرار على خطة اغتيال الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة.. وتسمية المتطوعين الذين كانوا قد نفذوا تدريباتهم في منطقة الرضوانية (قصر الزيبق) وهي مزرعة عائده لبيت سليم الزيبق.. (مسؤول فرع بغداد لحزب البعث)… قبل التنفيذ بثلاث اسابيع.

وتم اختيار المجموعة التي تآلفت من:

1ـ عبد الوهاب الغريري
2ـ عبد الكريم الشيخلي
3ـ سمير عزيز النجم
4ـ حاتم حمدان العزاوي
5ـ سليم عيسى الزيبق
6ـ صدام حسين.
7ـ أحمد طه العزوز

مخطط العملية / أياد سعيد ثابت.

ـ كانت الخطة تقتضي ان ينفذ الاغتيال اربعة من حملة الغدارات.. التي تم قطع جزء من سبطاناتها لتصغير حجمها وتسهيل اخفائها.

ـ اثنان منهم احتياط ليكملوا العملية في حالة حدوث طارئ.

ـ السابع لقيادة السيارة… واعتراض سيارة الزعيم واجبارها على التوقف.

ـ اما تفاصيل التنفيذ فكانت ان تتواجد الخلية في عيادة الدكتور حازم البكري.. الواقعة في رأس القرية.

ـ وان يكون هناك عنصر رصد عدد اثنان احدهم في ساحة الميدان لمراقبة خروج الزعيم قاسم من وزارة الدفاع والثاني في الباب الشرقي لمراقبة قاسم في حالة عودته من البيت الى وزارة الدفاع.
ـ كان من المعتاد ان يسلك قاسم شارع الرشيد في الذهاب والاياب.

ـ وهنا يواخذ عليه.. وهو العسكري المحترف سلوك طريق واحد يوميا ولفترة طويله.. وعدم تغيير الطريق بين الحين والاخر وهذه من ابسط القواعد الأمنية.

ـ المهم الاخبار يتم عن طريق الهاتف بكلمه سريه (شكري) وتعني قادم من الباب الشرقي وكلمه (محمود) وتعني قادم من باب المعظم.

التنفيذ:

ـ في يوم 7 تشرين الاول 1959 وفي تمام الساعة السادسة مساءاً تجمعت الخلية.. واتخذت اماكنها حسب الخطة.. التي كانت تقضي ايضا قيام احد الاعضاء (سليم عيسى الزيبق) بقيادة سيارة عائده لبيت الزيبق وهي من نوع بلايموث 1955 تقوم بالخروج من شارع الفرعي لبيت لنج من شارع النهر باتجاه شارع الرشيد لاعتراض سيارة الزعيم قاسم.

ـ لكن حدث ان تكون السيارة قد توقفت بسبب عطل احدى السيارات امامها مما ادى الى عدم تنفيذ هذه الفقرة.

ـ وتحول سليم الى عناصر الهجوم والتنفيذ بعد سماعه صوت الاطلاقات هرع مسرعا اذ يقول:

ـ وجدت الزعيم ممدداً على ارضية السيارة اسفل الكرسي الخلفي.. وهو مضرجا بالدماء.. ومغمى عليه.

ـ والمرافق على الارض يئن والسائق صامت.. ولم اطلق رصاص الرحمة عليهم.. ولا ادري اسباب عزوفي عن ذلك سوى اني تصورت ان الزعيم قد مات.

ـ اول من اطلق الرصاصة الاولى لبدء العملية هو عبد الوهاب الغريري من الجانب الايمن للشارع اتبعها بقنبلة دخان لتغطية العملية.

ـ ثم باشر الاخرون بالرمي.. وان عبد الوهاب قتل برصاص سمير عبد العزيز النجم وعبد الكريم الشيخلي.. كما روى ذلك سليم الزيبق.

ـ وان صدام حسين قد اصابته رصاصه طائشة ايضا من رمي الخلية.. حيث كان متواجدا على الجانب الايسر من الشارع قريبا من عكد النصارى.

ـ تركت جثة عبد الوهاب الغريري ملقاة على الرصيف.. وحملته الشرطة لإجراء التحقيق.. حيث تبين انه عضو فعال في تنظيمات حزب البعث العربي الاشتراكي.. ومنه بدأت عمليات الاعتقالات العشوائية التي طالت الأعظمية والكرخ والفضل والكراده.

هروب المنفذين:

ـ هربت المجموعة بكاملها الى الوكر الحزبي في السليخ.. وكان بانتظارهم قرب سوق الغزل سيارة مرسيدس اقلتهم الى الوكر.

ـ الذي كان متواجدا فيه عادل عبد الله.. وكان هناك جريحان هما: (سمير عزيز النجم وصدام حسين).

ـ تمكن صدام حسين من الهروب الى تكريت.. ثم سوريا ومنها الى مصر والقصة معروفه.

قاسم جريح:

ـ تم نقل الزعيم قاسم الى مستشفى دار السلام في شارع 52 بواسطة سيارته العسكرية بعد تكفل احد الاشخاص بقيادتها.. وبوشر بعلاجه فوراً.. ولم تكن اصابته خطيره.. بل شخصها الاطباء انها متوسطة.. كذلك عولج المرافق الجنابي.

ماذا بعد العملية:

ـ في اليوم التالي كلف قيس عيسى الزيبق شقيق سليم بجلب السيارة التي لم يتعرف احد على واجبها.. وسبب تواجدها وعاد بها الى البيت في المسبح.
ـ كانت سيارة الزعيم شوفرليت ستيشن بلون خاكي.. وقد تم عرضها في باحة وزارة الدفاع حتى سقوط الحكم في شباط 1963.

نجيب الربيعي.. والسيطرة على الموقف:

حال تنفيذ اللخطة حضر نجيب الربيعي (رئيس مجلس السيادة) بالزي العسكري.. وضباط اخرين قوميين للسيطرة على الحكم.. الا ان الحاكم العسكري احمد صالح العبدي هددهم .. وسيطر على وزارة الدفاع .. أثبت اخلاصه للزعيم قاسم.

دور الحاكم العسكري العام:

ـ حال وصول النبأ لإسماع اللواء احمدصالح العبدي اتخذ الإجراءات اللازمة بصفته قائداً عسكرياً عاماً.

ـ سيطر اللواء الركن أحمد صالح العبدي.. رئيس أركان الجيش والحاكم العسكري العام على الموقف.. وأظهر تفانياً في إخلاصه للزعيم عبد الكريم قاسم.. فقد حال دون تحرك الضباط القوميين والبعثيين.. الذين تقاطروا على وزارة الدفاع.. ولما أُقترحً عليه بعض الضباط التعاون معهم لتسم السلطة أنذرهم إن قاموا بأية محاولة للسيطرة على الوضع.. وفرض سيطرته على الموقف.

ـ بادر بعد حوالي ساعتين الى إذاعة البيان رقم 118.. الى أبناء الشعب العراقي الكريم:

(بينما كان زعيم البلاد الأوحد اللواء الركن عبد الكريم قاسم مارا بسيارته في شارع الرشيد حوالي الساعة السادسة والنصف من مساء هذا اليوم أطلقت يد أثيمة عيارات نارية على سيارته فأصيب إصابة بسيطة جدا في كتفه.. وان حالته الصحية جيدة جدا لا تدعو الى القلق مطلقاً.. فنرجو من أبناء الشعب الكريم أن يطمئنوا بأن زعيمنا المنقذ بحالة صحية جيدة جداً.. وندعوهم أن يخلدوا الى الهدوء والسكينة.. ونبشر أبناء الشعب الكرام بأن زعيمنا الأوحد ما أن رأى جماهير الشعب تحيط بالمستشفى للاستفسار عن صحته حتى أطل وحياهم وبعث فيهم الطمأنينة).

ـ وما أن أذيع هذا البيان حتى انطلقت الحشود الجماهير تهتف بحياة الزعيم والثورة والاقتصاص من المتآمرين.. وخوفاً من إثارة بعض الأحداث.. وحفاظا على الأمن في مثل هذا الظرف العصيب أصدر الحاكم العسكري العام في الساعة الثامنة والنصف بيانه رقم 119 (أي بعد دقائق عن بيانه الأول).. جاء فيه: قررنا منع التجول في مدينة بغداد من الساعة التاسعة مساء حتى الخامسة صباحا.. ينفذ هذا البيان اعتبارا من مساء هذا اليوم وحتى إشعار آخر.

ـ ثم تبعه ببيان ثالث بالرقم 120 جاء فيه:
ـ لقد جرت محاولة آثمة للاعتداء على حياة الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم باءت بالإخفاق والفشل.. أن صحة زعيمنا على خير ما يرام.. وقد تحدث بنفسه الى أبناء شعبه فطمأنهم وبعث في نفوسهم الفرح والسعادة.. وقد اتخذت السلطات المختصة كافة التدابير اللازمة لحفظ الأمن والاستقرار.. وإنها قائمة بالتحقيق الدقيق في الجريمة النكراء باهتمام بالغ.

أسرار وخفايا عن محاولة الاغتيال:

ـ بعد أربعة أيام من محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم كشف احمد صالح العبدي أسرار يوم المحاولة.. قائلاً: في صباح الحادث المشؤوم أتى الزعيم عبد الكريم وكان يتكلم عن مؤامرات الاغتيال الدنيئة اللئيمة الغادرة.. وبقينا في الغرفة مدة.. بعد ذلك ذهبنا معا الى بهو الاستقبال في وزارة الدفاع.. ولما كان موعد الغذاء تناولناه سوية.. وبعد الغذاء استمرينا في هذا البحث.. فقلتُ له: سيدي نبقى ساكتين والمؤامرات تدور حولنا فأرجوك ثم أرجوك دعنا نخصص سيارة ولتكن مدنية تسير خلف سيارة سيادتكم تحمل أشخاصا للمحافظة على حياتك الغالية.. واعتبرها كإحدى السيارات المارة في الشارع خلف سيارتك.. فأجابني: أحمد إنني أؤمن بالله وبالقدر.. وإنني أتيت لإزالة الظلم ورفع مستوى هذا الشعب وتخليصه من الاستعمار ولا أبغي شيئا غير ذلك.

ـ وعندما توسلتُ الى سيادته بضرورة تخصيص سيارة للمحافظة على حياته الغالية.. أجابني بكل اعتداد بالنفس وإيمان.. وقال: دعهم ينفذون مؤامرتهم اللئيمة.. وسوف أفكر في هذا الشيء بعد ذلك.. فأصابني الذهول “أنا” والذين كانوا حاضرين معنا.. وهم: مدير الأمن العام عبد المجيد عبد الجليل.. والرئيس الأول جاسم العزاوي.. والعقيد الركن جاسم العزاوي.. والعقيد الركن إسماعيل عارف.

ـ وفي حوالي الساعة الخامسة والنصف اتفقتُ مع الزعيم الحبيب على أن أعود إليه في الساعة الثامنة إلا ربعا لنذهب معاً الى حفلة ممثلية ألمانيا الديمقراطية.. وعدتُ الى دائرتي.. وفي حوالي الساعة السادسة والنصف علمت أن سيادته قد خرج من وزارة الدفاع.. فاعتقدت انه ذهب الى البيت للراحة قليلا قبل الذهاب الى الحفلة.

ـ بعد ذ لك بنحو العشر دقائق اتصل بي آمر الانضباط العسكري وأخبرني أن إطلاق نار جرى في شارع الرشيد على ذات سيادة الزعيم الحبيب.. فذهلتُ لهذا النبأ المفزع واتصلتُ بمديرية الأمن فأيدوا ذلك الخبر.. وأمرتُ آمر الانضباط العسكري بتحريك المدرعات الى محل الاعتداء فوراً.. وكانت النداءات مستمرة على دائرتي.. كما علمتُ بذهاب الحبيب الى مستشفى السلام وانه بصحة جيدة.

ـ وأمرتُ بإرسال قطعات مدرعة الى المستشفى.. وبعد ذلك اتصل بي مرافق الزعيم الأمين وأخبرني أن الزعيم بصحة جيدة.. وانه يرغب بإصدار بيان عن الاعتداء.. وبادرتُ فوراً بإصدار ذلك البيان تطميناً للشعب على حياة الزعيم ومنقذنا ومؤسس جمهوريتنا الخالدة.

ـ وأضاف العبدي: اكتشفنا محاولة آثمة أخرى تستهدف اغتيال الزعيم.. وما زال التحقيق فيها مستمرا.. وقد أيد الزعيم عبد الكريم قاسم أقوال العبدي وعلمه بالمحاولة قبل وقوعها.. فقد قال الزعيم يوم 5 تشرين الأول (أي قبل يومين من الحادث): “إنني على علم بها وقد أخبرتُ المرافقين من ضباطي بها.. وكنتُ أعلم أيضا إنني في حمى الله وفي حمايته وإنهم لن ينالوا مأربهم وما يبتغون ما دمنا مع الله وفي حمايته.. وأضاف الزعيم قاسم: إنني لا أضمر الحقد لأي كائن من كان حتى هؤلاء الذين جرفهم الندم وباعوا أنفسهم للأجنبي.. فإنني لا أحقد ولن أحقد عليهم”.

الدور الإقليمي:

وعن الدور الإقليمي في محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم تحدث العبدي للصحفيين قائلاً: وصلتنا أخبار قبل عشرة أيام من وقوع الاعتداء بأن لواءً عسكرياً من جيش الجمهورية العربية المتحدة قد نقل الى قرب الحدود العراقية ووصلتنا معلومات كافية عن فعاليات معادية عبر الحدود كتدريب المتطوعين والمتآمرين والخونة.. وبعد الحادث الأثيم قبضت السلطات في لواء الموصل على متسلل سوري كان يحمل 75 قالبا من الديناميت وأجهزة أخرى للنسف والتخريب.. وان هذا الخائن موجود الآن أمام هيئة التحقيق بعد أن عرفت هويته طبعاً.. وأعتقد إنها توصلت الى نتائج وحقائق مرضية.. وكان تسلله الى حدودنا على ظهر “دابة” كان ذلك بعد المؤامرة الدنيئة القذرة بيومين.. وأضاف العبدي قائلاً: ليعلم المتربصون بأن شعب الجمهورية العراقية وجيشها المقدام بزعامة حبيبنا وحبيب الملايين ساهرون لشل كل يد آثمة تمتد الى تربة هذا الوطن الغالي.. وان التدابير المتقنة والمتخذة لصيانة حدودنا وجمهوريتنا الغالية لهي قادرة ومطمئنة من سحق أي قوة غادرة تسيء الى وطننا الحبيب.

العبدي.. وانقلاب شباط 1963:

ـ ما أن أعلن راديو بغداد صبيحة الجمعة الثامن من شباط 1963 بيانه الأول للانقلاب حتى التحق اللواء الركن أحمد صالح العبدي الى وزارة الدفاع.. ووضع نفسه بيد الزعيم عبد الكريم قاسم وشارك فكرا وخبرة في مقاومة هجوم الانقلابين على وزارة الدفاع.. وقبيل الإفطار نظر الزعيم عبد الكريم قاسم إلى اللواء الركن احمد صالح العبدي الحاكم العسكري العام.. وقال له: احمد اذهب الى عائلتك.. فأطاع الأمر وأدى التحية العسكرية للزعيم وخرج من الوزارة باتجاه نهر دجلة حاملا قطعة بيضاء !! لكن قوات الانقلابين اعتقلته.

ـ ظلً العبدي معتقلاً كل عهد البعد.. وفي كانون الأول من نفس السنة.. تم إطلاق سراحه.. لازم بيته.. وعدم القيام بأي عمل.

ـ أصيب بنوبة قلبي العام 1968 وعلى أثرها مات.