من التقسيم , فكل موجود في الكون يخضع للقسمة , وعلامة التقسيم في الرياضيات فاعلة في الدنيا , وبدأت في مطلع القرن العشرين بتقسيم بلاد العرب أوطاني إلى دول , وكان ذلك غلطة مروعة من قبل الدول المستعمرة , لم تنتبه لها الدول المقسمة وتنطلق منها لبناء قوتها الوطنية , التي ستستحضر علامة الجمع ليكون حاصلها أكبر وأقوى.
وفي الربع الأول من القرن الحادي والعشرين , تحضر إتجاهات بخصوص تقسيم الدول الكبيرة إلى دويلات صغيرة , ليتحقق الإستثمار الوفير في تفاعلاتها العدوانية مع بعضها , كما حصل في دول العرب بالتضليل والتغفيل , وتمرير المشاريع التعويقية وتنمية المشاعر الدونية وتأكيد مناهج التبعية والإتكالية , وقطع المجتمعات عن تأريخها وإستحضار ما هو سلبي وعدواني في مسيرتها.
ويبدو أن التقسيم سيحصل في دول أوربا الشرقية التي كانت تابعة للإتحاد السوفياتي , ويأتي في مقدمتها أوكرانيا , التي لا يمكن تفسير كيف تنازلت عنها روسيا , وهي التي كانت قلب الإتحاد السوفياتي النابض بكل شيئ.
فما يجري في الواقع العالمي لا يمكنه أن يهدأ إلا بحرب مروعة مدمرة , أو بتقسيمات متعددة تدفع بالعدوانية من العالمية إلى المحلية والإقليمية , وهذا ما يبدو أن سكة الأحداث ستمضي عليه , لأن البشرية أمام خيارات قليلة وصعبة , وعليها أن تتمسك بأهون الشرين لتستمر المدنية , وتحافظ الثورة العمرانية والتقنية على مساراتها المتنامية.
فالحرب في أوكرانيا ستنتهي على أكثر تقدير بتقسيمها , وربما ستتقسم دول أوربية أخرى غيرها , فتهدأ النوازع العدوانية المتفجرة في أعماق البشرية , فالدنيا بلا حروب لا تستقيم , والحروب الكبرى تقضي عليها , ويجب أن تتمسك بحروب صغرى , ولكي تتوالد هذه الحروب البينية الضغيرة لا بد من تقسيم الدول إلى كينونات ذات دوافع تصارعية مع بعضها , يمكن توفيرها وفقا لمقتضيات المصالح والتطلعات اللازمة لتأمين البقاء البشري فوق التراب بكثرته الغير مسبوقة.
ترى هل دولنا العربية سينالها سكين التقسيم؟
يبدو أن بعضها سيتقسم إلى كينونات متصاغرة , وربما لن تتواصل أية دولة على ما هي عليه , لأن التصارع مطلوب , وإستنزاف الثروات هدف خالد , وحتى إن حصل التقسيم , فعلى المقسم أن يستوعب التجربة ويسخّر الجهود للبناء وإعلاء قيمة الإنسان , ليكون التقسيم فرصة للإقتدار والتطور والمعاصرة , بدلا من التدمير الذاتي والموضوعي الذي مضت عليه دول العرب في القرن العشرين.
فهل لنا التعلم مما تقسّم؟!!