22 ديسمبر، 2024 5:35 م

القراءة العلمية للمشكلة العراقية: مدخل الحل

القراءة العلمية للمشكلة العراقية: مدخل الحل

دوافع القراءة العلمية للمشكلة العراقية
قبل الدخول إلى بوابة الحلول الصعبة لأزمات العراق المستعصية؛ لابد من تشخيص طبيعة هذه الأزمات وعمقها وامتداداتها؛ فالعلاج الحقيقي الفاعل لا يُعطى للمريض إلّا بعد اكتشاف طبيعة المرض أو الأمراض، ومراحلها ومستويات استفحالها وتجذرها في جسد المريض. وقد يكتفي الطبيب بالمسكنات أو العلاج بالعقاقير أحياناً، ولكنه قد يقرر إجراء العمليات الجراحية الخطيرة أحياناً أخرى، وصولاً إلى عمليات الاستئصال المؤلمة أحياناً ثالثة، من أجل إنقاذ حياة المريض.
ابتداءً؛ ينبغي أن نؤمن بأن من الخطأ حصر أسباب الفساد والفشل والأزمات في العراق بطبيعة نظام ما بعد العام 2003، والحكومات التي أفرزته، بدءاً بإدارة الاحتلال بقيادة غارنر، وانتهاءً بحكومة السيد محمد شياع السوداني. ومن الخطأ أيضاً الاعتقاد بأن العلمانيين إذا حكموا العراق وتنحى الإسلاميون عن الحكم، أو أمسك التكنوقراط بالوزارات وابتعد السياسيون والحزبيون، أو تخلى الشيعة عن المشاركة في الحكم وعاد السنة للامساك به دون شريك، أو إذا ظهر قائد قوي؛ فإن أزمات العراق ستنتهي، كلا بالتأكيد، لأن أزمات العراق ليست طارئة أو مفتعلة، أو ناتجة عن احتلال وحروب وسوء إدارة؛ إنما هي أزمات متوارثة متراكمة مزمنة، لها علاقة بتاريخ بعيد وماض قريب وحاضر قائم، ويستحيل التخلص منها بالقوة القاهرة أو المعالجات الترقيعية أو المصالحات السطحية وصفقات الترضية بين الفرقاء، أو بالشعارات الرنانة والمهرجانات الخطابية التي تصرخ بالوطن والوطنية.
المعضلة الأساس التي يعاني منها العراق، هي معضلة الوعي العلمي الدقيق بما كان وما هو كائن وماينبغي أن يكون، وبالتالي؛ وجود خلل عميق في فهم نوعية العراق الجديد الذي يجب أن يقوم، على قاعدة الاتفاق الواقعي الموضوعي بين المكونات القومية والطائفية، وأحزابها وتياراتها ومؤسساتها السياسية والاجتماعية والدينية. وكان ينبغي الاتفاق على هذا الأساس منذ مداولات الجمعية الوطنية وبواكير تداول إنشاء الدستور، وجزء منه الاتفاق على القيم الحاكمة على الدستور وقبلياته، أي القواعد الأساسية التي تقف عليها الدولة ومنظومتها السياسية والاجتماعية، لأن الخلل في تثبيت القبليات، ثم تقنينها في الدستور وفي منظومة الدولة؛ جعل كل قومية وطائفة وتيار وجماعة، بل وكل وحدة إدارية، تحس بالغبن، وبعدم حصولها على استحقاقاتها في السلطة والثروة؛ الأمر الذي جعل حالة تفجير الأوضاع في أية منطقة في العراق من أسهل الأمور. وهكذا ظلت الموروثات التاريخية الخلافية تتفجر بكل أشكالها واتجاهاتها، وأصبح بعض الفرقاء يعيش هاجس العودة الثقيلة الى الماضي، والآخر يعيش هاجس العبور السريع الى المستقبل.
وفضلاً عن المعالجات السطحية والترقيعية لكثير من الأزمات الكبيرة التي تفجرت أو تكونت بعد العام 2003؛ فإن أزمات وإشكاليات أُخر تم تجاوزها اعتباطاً، خوفاً من إثارتها أحياناً، أو عدم الالتفات الى خطورتها أحياناً أخرى، ولهذا بقي وسيبقى كل شيء على ما هو عليه، طالما بقيت الإشكاليات غير مفككة موضوعياً وعلمياً، وبقيت الأزمات غير مدروسة دراسة اركولوجية معمقة، تهدف الى معرفة بنيتها، من أجل اقتلاع جذورها.
ولعل من البساطة أن يحصر بعضهم – كما ذكرنا – أسباب الأزمات وعدم الاستقرار في العراق، منذ العام 2003 وحتى الآن، الى آثار الاحتلال وسقوط سلطة البعث، أو الأداء الحكومي ومناسيب الفساد ونقص الخدمات، أو الإرهاب؛ فهذه العوامل بعضها مظاهر، وليست كلها أسباب.
جذور المشكلة العراقية ومظاهرها
الأسباب الحقيقية المتعاضدة لأزمات العراق ومشاكله المستعصية؛ تعود الى ثلاثة مجموعات من الأسباب:
1-الأسباب البنيوية:
وتتمثل بأربعة أسباب رئيسة، وأخرى من الأسباب الثانوية:
التركيبة الجغرافية الاعتباطية الخاطئة للعراق، على أساس معاهدة سايكس ـــ بيكو بين بريطانيا وفرنسا، وفي مقدمة أخطاء التركيبة أنها قامت على أساس توحيد ثلاث ولايات عثمانية، بكل تفاصيلها ومكوناتها ومشاكلها، هي بغداد والموصل والبصرة.
إرث المشروع البريطاني، المتمثل بتأسيس الدولة العراقية الجديدة بعد العام 1921، بوصفها دولةً ملكية، تحكمها أسرة سنية غير عراقية، مرتبطة بالمشروع البريطاني في المنطقة، وكذلك حكومات مرتهنة للمشروع البريطاني، ومنظومة ايديولوجية طائفية عنصرية، تقوم على أساس إمساك النخبة التي تنتمي الى 16% من سكان العراق (السنة العرب) بسلطات الدولة وعقيدتها وثقافتها ورمزياتها.
الايديولوجية الطائفية العنصرية للدولة العراقية، وهي ايديولوجيا مترسخة موروثة في مفاصلها، وفي نظامها الطائفي الحاكم منذ مئات السنين، والذي أورثه العثمانيون الى دولة العهد الملكي، ومنها الى الدولة الجمهورية، وصولاً الى دولة البعث، وقد بقيت راسخة في أغلب مفاصل الدولة العراقية، حتى بعد سقوط دولة البعث.
فقدان الدولة العراقية للناظم الجامع (المذهبي القومي) الذي يوحد هوية العراق الوطنية المتمثلة بالهوية المذهبية القومية للأغلبية السكانية (شيعة/ عرب)؛ فشعارات الوطن الواحد والدين الواحد لايكفيان ناظماً، لأن ناظم (الوطنية) لوحده، هو ناظم فضفاض ينظر اليه كل مكون بطريقته وتعريفه في داخله وليس في تصريحاته، وهذا الناظم هو عبارة عن الهوية المذهبية القومية للعراق، أسوة بكل دول العالم المتحضرة.
وبكلمة أخرى؛ فإنّ أزمات العراق المعاصرة لصيقة بتكوينه بعد معاهدة سايكس ـــ بيكو، التي أورثت العراق كل موبقات السلطنة العثمانية، ثم قيام الدولة العراقية في العام 1921 وما ترشح عنها من مركب سلطة طائفية عنصرية، تحمل الإرث العثماني في مضمونها، ولون الاحتلال والاستعمار في شكلها، ويحكمها ملوك مستوردون من الخارج، وبإفرازات ما عرف بأفكار الثورة العربية، ثم ظهور أفكار الجماعات العنصرية؛ وأبرزها حزب البعث.
2- موروث نظام البعث:
وهو موروث تدميري للعراق، على كل المستويات: السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعيشية والنفسية، وصولاً الى البنى التحتية المدمّرة التي ورثها العراق الجديد بعد العام 2003. وقد كانت أزمات العراق قد تبلورت بأبشع صورها؛ بتأسيس نظام حزب البعث العراقي في العام 1968، واستدعائه لكل مفاسد الموروث الطائفي العنصري؛ فنتج عن كل ذلك ثقافة مجتمعية مأزومة، وثقافة سلطوية قمعية، ونظم سياسية وقانونية مولِّدة للأزمات، ومراكمة لها، ومفككة لبنية المجتمع، ومدمرة لوحدة الدولة، ومثيرة للحروب والصراعات الداخلية بين مكونات الشعب العراقي.
وكان نظام البعث بارعاً في قمع أعراض هذه الثقافات المأزومة والمناخات النفسية المعقدة التي أنتجها الموروث التاريخي العراقي وأنتجها فكره وممارساته، ويغطي على بؤر النيران والأزمات، بكل أنواع القسوة والطغيان والجبروت؛ فكان يقضي على أعراضها بعلاجات تفاقم الأمراض وتجذّرها، لأنه كان يعتاش على هذه الأمراض ويتغذى بها، بل هي سبب استمراره في السلطة. وبذلك بقيت تلك الثقافات والأمراض المزمنة والصراعات المتجذرة ناراً تحت الرماد؛ حتى سقطت سلطة القمع في العام 2003؛ لتنطلق هذه الثقافات والصراعات بقوة إلى العلن.
3- إفرازات نظام العراق الجديد:
وهي إفرازات خطيرة لنظام مابعد العام 2003، لكن أغلبها يمثل امتداداً لأزمات بنيوية أو مظهراً جديداً لمشكلة قديمة، وأهمها ما يلي:
تفاعل الأزمات الموروثة؛ فبعد انهيار دولة البعث في العام 2003؛ بفعل مشروع الاحتلال الذي كان معنياً بمصالحه فقط، وليس معنياً بحل أزمات العراق؛ فإن تلك الثقافات والأزمات النفسية وتبعات الموروثات التاريخية والبيئة النفسية الحاضنة لكل أنواع الأزمات؛ تحررت فجاة، وانطلقت بقوة تدميرية هائلة؛ لتملأ الواقع العراقي بالتناقضات والتعارضات والصراعات، حتى أصبح الشغل الشاغل للحكومات المتوالية؛ حل التناقضات بين الفرقاء السياسيين، وتفكيك العقد بين مكونات الشعب العراقي، ومقاربة إشكاليات النظام السياسي، وتنظيم صلاحيات الحكومة المركزية وحكومات الإقليم والمحافظات، فضلاً عن المهمة اليومية الروتينية المتمثلة بمكافحة الإرهاب وأسبابه المتراكمة. وجميعها مشاغل متشعبة جدلية؛ تجد جذورها بالكامل في ممارسات الأنظمة العراقية السابقة وأعرافها وأفكارها وسلوكياتها، وترافقها أزمات متفجرة أخرى تتعلق بالخدمات والبنية التحتية، وهي أزمات موروثة أيضاً؛ لأن نظام البعث ظل طيلة 35 عاماً يقوم بحلول ترقيعية لهذه الأزمات؛ للحيلولة دون ظهورها إلى العلن.
مشروع الاحتلال الأمريكي، واستمراره في الفاعلية، على مستوى النفوذ السياسي الكبير، والتواجد العسكري، والعمل الأمني، والنشاط الثقافي والإعلامي والاجتماعي التخريبي.
التدخل السافر للدول الاخرى في الشأن الداخلي العراقي، عبر الإعلام والنفوذ السياسي والأموال ودعم الجماعات الإرهابية، و بما يمس أمن العراق واستقراره.
النظام السياسي الديمقراطي الليبرالي التوازني المنفلت، بعد عقود من الدكتاتورية والانغلاق التام والمركزية الشديدة وحكم الحزب الواحد والطائفة الواحدة والرجل الواحد والثقافة الشمولية الواحدة، وانعكاسات هذه المفارقة سياسياً وقانونياً واجتماعياً ونفسياً على الدولة والمجتمع والفرد.
كثرة الأحزاب الشيعية المتساوية في القوة والشعبية، وضعف الخبرة التراكمية للشيعة في الحكم، وعدم امتلاك أحزابهم السياسية والمؤسسة الدينية والمؤسسات الاجتماعية (عشائر وغيرها) مشروعاً متكاملاً متفق عليه لإعادة بناء العراق، وتأسيس الدولة العراقية الجديدة.
السلوك السياسي لأحزاب المكونين السني والكردي، والذي يعيق غالباً عملية الاستقرار والنماء.
ظواهر الفساد الإداري والمالي والفشل التنموي، في أغلب مؤسسات الدولة، بسبب مساربها التي تنتجها التركيبة المحاصصاتية للمسؤوليات في الدولة، وسياقات الترضية والصفقات السياسية، وضعف المركزية والرقابة.
الضرب المستدام للاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي، عبر التفجيرات والاغتيالات والتخريب والعمل المسلح للجماعات الإرهابية التكفيرية والطائفية وبقايا النظام البعثي.
مفارقات نظرة المكونات الى العراق الجديد
لقد ورث عراق ما بعد العام 2003؛ بلداً ليس فيه مساحة صالحة للعيش الحقيقي.. بلداً مدمراً منكوباً، وشعباً شديد الإرهاق؛ بفعل الحروب المتوالية، وانهيار الاقتصاد والوضع المعيشي والبنى التحتية، والقمع الطائفي للأكثرية الشيعية، والصراعات العنصرية، ومصادرة الحريات والحقوق الفكرية والثقافية والسياسية والإعلامية، ومنع أي تعبير عن الرأي الآخر، والحرب النفسية، والقتل والاعتقال والتهجير والاضطهاد.
وهذا لا يعني أن نوع النظام الذي حكم العراق بعد العام 2003 غير مسؤول عما وصل إليه الواقع العراقي، بل أنه يتحمل وزر رفض حل عقد العراق وأزماته، حلاً علمياً واقعياً. ولا أقصد بالنظام هنا؛ الحكومات أو رئاساتها، بل أساس النظام التوافقي التوازني المحاصصاتي، وكذلك الفرقاء السياسيين الذين شاركوا في إدارته، لأن حكومات ما بعد 2003 تضم مجاميع من الأحزاب والجماعات والكتل والائتلافات، المختلفة دينياً ومذهبياً، والمتعارضة سياسياً وثقافياً، وكل منها يفرض شروطه وقوانينه على الدولة العراقية، كما يفرض مرشحيه ونسبته من المسؤوليات والمناصب، بدءاً برئيس الجمهورية وانتهاء بمدراء الدوائر. ثم تتحول الوزرات إلى مراكز يديرها – غالباً – الحزب الذي ينتمي إليه الوزير. وبالتالي؛ يتحول نظام الحكم إلى مهرجان من الثقافات والايديولوجيات والموروثات النفسية المتعارضة والانتماءات السياسية غير المنسجمة.
وقبال هذا الوضع؛ يكون من الطبيعي تسلل كل ألوان الفساد الإداري والمالي والأخلاقي والقانوني والثقافي والإعلامي إلى الجسد الحكومي والوطني الذي يتصارع أعضاؤه، ويُفشل بعضها الآخر، ومن الطبيعي أيضاً أن ينخفض منسوب الإنجاز لدى الحكومة إلى حدها الأدنى.
والأسوء من ذلك؛ أن كثيراً من الفرقاء السياسيين الذين يشاركون في نظام الحكم؛ يضع قدماً في الحكومة، وقدماً آخر في المعارضة السياسية، بل يستعير بعضهم قدمين ثالثة ورابعة، ليضع إحداهما في الجماعات المسلحة التي تقاتل الدولة علناً، ويضع الأخرى في واشنطن. هذا التعارض الغريب بين الفرقاء السياسيين؛ له مسوغاته الضاربة بعمقها في أزمات العراق التكوينية والبنيوية، أي أن كل فريق يعطي لنفسه الحق في رؤية العراق من زاويته، ويتغنى بالوطن الذي يعتقد بشكله ومضمونه، وهو شكل ومضمون يختلفان من فريق لآخر. وهو ما ينطبق أيضاً على المفاهيم ودلالاتها وتطبيقها؛ فكل الفرقاء ينادون بحب الوطن والتضحية من أجله، وبكرامة المواطن وبالعدالة والمساواة والحقوق والحريات والمشاركة، لكنهم يختلفون في ماهية الوطن الذي يضحون من أجله ونوعية هذه التضحية، ويختلفون في دلالات المواطنة والكرامة والعدالة والحقوق والمشاركة والمساواة وتطبيقاتها. وفي النتيجة؛ تكون ممارساتهم متعارضة بالكامل، وهم يحملون المفاهيم والشعارات ذاتها ويشتركون في إدارة الدولة والسلطة ذاتها.
ومثال ذلك؛ أن كثيراً من الفرقاء السنة يعتقدون أن عراقهم هو عراق ما قبل العام 2003، وأنهم يطمحون من أجل العودة إليه، أما عراق ما بعد العام 2003 فهو ليس العراق التقليدي الذي يعتقدون به وينتمون إليه، لأنهم أصبحوا مجرد حكام شركاء فيه وليسوا حكاماً مطلقين، بعد أن تحوّل إلى عراق كل المكونات العراقية. وفي المقابل يقاتل أغلب الفرقاء الشيعة من أجل التخلص من رواسب عراق ما قبل العام 2003، لأنهم وجدوا الوطن الذي ينصفهم نسبياً بعد العام 2003. وحيال ذلك ينظر كل مكون للوطن من زاويته فقط. وبذلك يكون الوطن غير الوطن، والتضحية غير التضحية، والعدالة غير العدالة. وهكذا فرقاء متضادون في دلالات المفاهيم وتطبيقاتها ومصاديقها، لا يستطيعون الاشتراك في بناء دولة وحكومة وسلطة منسجمة متوازنة؛ إلّا إذا أذعنوا للواقع الجديد واعترفوا بحقائقه واستحقاقاته.
إنّ المشكلة العراقية تنطوي على مجموعة أزمات مركبة كبرى، وإنّ ما حدث في العام 2003 هو صدمة تاريخية، ربما لا تعرف جوهرها حتى الدول الكبرى التي أسقطت نظام صدام حسين، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية؛ فتتصور أنها أسقطت دكتاتوراً اسمه صدام، كما أسقطت غيره في أمريكا اللاتينية وشرق آسيا. ولكن دول الاحتلال لا تعلم أنها أسقطت في العراق تاريخاً عمره قرون ممتدة.
ولذلك؛ فإن أزمة معقدة عمرها مئات السنين؛ لا يمكن حلّها بعشرين سنة أو أربعين سنة، بل لعل العراق بحاجة إلى أربعين عاماً أخرى، ليصل إلى أهدافه في الاستقرار والتكامل البنيوي؛ شرط أن يكون الطريق الذي يسلكه العراقيون هذه المرة طريقاً علمياً وواقعياً وسليماً في المنهج والفرضيات. ولا نطرح هذه الفترة الزمنية من باب التخمين العابر، بل من منطلق علمي ورؤية استشرافية. ولاشك أن مشروعاً بحثياً استشرافياً ستراتيجياً كهذا؛ هو عمل حكومي بحثي كبير، ينفذه عشرات المتخصصين العراقيين والعرب والأجانب، ممن يعون عمق الأزمات العراقية وأعراضها.
الرفض الداخلي والخارجي للحل
لقد زاد من صعوبة حلحلة مشاكل العراق المتجذرة، وعدم قدرة أية حكومة على تفكيك عقده؛ ثلاثة عوامل داخلية وخارجية أساسية، مترابطة ويكمل أحدها الآخر:
1- التدخل الخارجي الضاغط الرافض للتغيير الحاصل في القوام الموروث للدولة العراقية، والتركيبة التشاركية الجديدة في الحكم؛ لأن التغيير مثّل صدمة للتاريخ العراقي بشكل خاص، والعربي بشكل عام. ولذلك؛ بذلت بعض الأنظمة العربية والأجنبية الطائفية، خاصة السعودية بالدرجة الأُولى، ثم تركيا وبعض البلدان الخليجية بالدرجة الثانية، كل ما لديها من جهد وقوة ونفوذ لمنع التغيير في موروث الدولة العراقية؛ فأبقت الحكومات العراقية المتعاقبة منشغلة في مكافحة الإرهاب والعنف، وعدم التوجه إلى التغيير الحقيقي في الواقع العراقي، وفي عملية البناء الثقافي والمجتمعي والسياسي والاقتصادي، والإعمار وتقديم الخدمات.
2- رفض أغلب المكون السني للعراق الجديد ولأي تغيير في تركيبة الدولة الطائفية العنصرية الموروثة، وهو رفض لا يزال يتسبب في حرب تخريبية داخلية ضد الدولة والنظام السياسي والعملية السياسية، بل ضد إعمار العراق، للحيلولة دون ظهور الدولة الجديدة بمظهر الدولة الناجحة النامية المستقرة، وهي حرب تدميرية مفتوحة في جوانبها السياسية والعسكرية والجاسوسية والإدارية والاقتصادية والإعلامية والدعائية والاجتماعية والنفسية، وذلك بنوعين من أدوات الحرب والتنفيذ:
أدوات سياسية وجاسوسية واجتماعية واقتصادية وإدارية وإعلامية ودعائية ونفسية واقتصادية، فاعلة بقوة داخل العملية السياسية، وتتحرك من مفاصل سلطات الدولة، تقودها بعض الأحزاب المشاركة في الحكم.
أدوات إرهابية مسلحة، تقودها بقايا النظام السابق وحلفاؤه، من منظمات إرهابية طائفية محلية، ومنظمات وهابية إرهابية تكفيرية دولية، كالقاعدة وداعش.
3- المشروع الأمريكي ــ الإسرائيلي ــ السعودي في المنطقة، وهو المشروع الذي وهو المشروع الذي يعمل بكل وسائل الضغط والترغيب والترهيب، العسكرية والمخابراتية والسياسية والثقافية والإعلامية والدعائية والاقتصادية، ويستثمر كل عوامل الخلاف والصراع المذهبي والقومي والفكري والثقافي في المنطقة الإسلامية، من أجل تثبيت دعائم مشروع الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، ومشروع استقرار الكيان الإسرائيلي والتطبيع الشامل معه، ودمجه في واقع المنطقة، من خلال فتح قنوات امتداد سياسي واقتصادي وثقافي وإعلامي له في المنطقة، بل وإنشاء تحالفات سياسية عسكرية أمنية بينه وبين بعض الأنظمة العربية ضد المحور الإسلامي الشيعي الناهض؛ فكانت عين هذا المشروع على عراق ما بعد سقوط نظام البعث، من أجل جعله قاعدة تنفيذية رئيسة في المشروع، لكن أمريكا وإسرائيل والسعودية تفاجأوا بموقف القوى العراقية الشيعية المشاركة في الحكم، الرافض للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط، ولأي وجود عسكري وثقافي ونفوذ سياسي لأمريكا في العراق، وكذلك رفض أي نوع من أنواع التطبيع والعلاقة مع الكيان الإسرائيلي، بل وانخراط أغلب هذه القوى في المحور الإسلامي الشيعي الناهض والمقاوم.
ولذلك؛ بعد أن أيقنت أمريكا في العام 2012، بفشل مشروعها في العراق الجديد ورهانها عليه، وفشل ضغوطاتها الكبيرة على القوى الإسلامية الشيعية والحكومة العراقية؛ أخذت تعمل بكل الوسائل على الحيلولة دون استقرار العراق ودولته وحكومته، ودون تحوّله إلى قوة إقليمية مناهضة للمشروع الأمريكي في الشرق الأوسط وللكيان الإسرائيلي، والإبقاء على الدولة العراقية ضعيفة هشة، وحكومتها متناحرة شبه مشلولة، حتى ترضخ للشروط الأمريكية، وهي:
الانخرط في المشروع الأمريكي الشرق أوسطي
التطبيع مع الكيان الإسرائيلي
محاربة المحور الإسلامي الشيعي
أما بقاء العراق وقواه السياسية، ولاسيما الشيعية، على الحياد؛ فلا معنى له في قاموس نظام الولايات المتحدة الأمريكية؛ فأمريكا تخيِّر الدولة العراقية بين أن تكون معها نظرياً وميدانياً، وإلّا فإنها معادية لأمريكا ومشروعها ولإسرائيل.
التعايش الوطني والقبول بالواقع
لقد كان التعويل بعد العام 2003 على الزمن والمخططات العلمية لحل أزمات العراق المستعصية، وكان طرحنا حينها يتمحور حول خطة ستراتيحية استشرافية، أمدها المناسب خمسون عاماً، تتوزع على عشر خطط خمسية وخمس خطط عشرية، أي أنها تنتهي في العام 2053. ولكن منذ اللحظة الأولى؛ برزت الأزمات وأخذت تتراكم بشكل مرعب، بسبب انشغال الحكومة بنفض ركام الخراب الرهيب والأنقاض الموروثة الهائلة التي خلّفها النظام البعثي، والذي زاده الإرهاب من جهة، وتناحر أحزاب المكونات المشاركة في السلطة؛ أزمات ومشاكل.
وفي الجهود البحثية التي طرحناها بعد العام 2003؛ تم التأكيد على ضرورة الالتصاق بالواقع، والانطلاق منه في إيجاد المعالجات؛ وإن كان هذا الواقع خطيراً ومرعباً، والحديث فيه يثير الحساسيات والأوجاع؛ لأن هذا هو مقتضى معالجات الأمراض المستعصية. وبالتالي؛ كان ولايزال من أولويات الحل هو تجاوز الشعارات الفضفاضة والمقولات السطحية في النظر إلى مشاكل العراق وأزماته؛ فرغم مرور 20 عاماً على تغيير نظام الحكم في العراق؛ إلّا أن شعارات الوحدة الوطنية واللحمة الوطنية وعشق العراق وحب الوطن؛ لم تنفع حتى الآن، ولن تنفع، في معالجة مشاكل العراق وحل أزماته؛ رغم أهمية هذه الشعارات وضرورتها، وإخلاص أغلب المنادين بها، لأن كل فريق ينظر إلى العراق من زاويته، وكل مكون يريد وطناً مفصلاً على مقاسه، كما ذكرنا سابقاً.
قد يرى بعض المعنيين أن الدراسات الحفرية لا ضرورة لها؛ لأنها مخيفة، وتكشف عن عمق المشاكل والعقد والأزمات، وتُشنج الأوضاع وتثير الحساسيات، فضلاً عن أنها ــ كما يتصورون حرصاً أو جهلاً ــ لون من التنظير والترف الفكري. ومثل هؤلاء الناس يفضلون حقن الواقع العراقي بالمسكنات والمهدئات، وعدم معالجته علاجاً حقيقياً، وعدم الإفصاح عن حقائق الأمراض المزمنة الصعبة التي يعاني منها؛ أما بدافع الإبقاء على بنية الدولة العراقية كما كانت عليه قبل العام 2003، أو بدافع الحرص على الوضع النفسي للشعب كي لا تثار مخاوفه. وكلا الدافعين غير واقعيين، ولا يحلان مشكلة ولا يعالجان أي مرض بنيوي.
وأرى من المفيد في مقاربات الحل؛ اعتماد قاعدتين أساسيتين:
القاعدة الأولى: قبول الجميع بالحقائق الثابتة التي كشف عنها سقوط السلطة التاريخية التقليدية العراقية في العام 2003، واستحقاقاتها وتبعاتها، لأن العبور عليها يعني الإصرار على إبقاء العراق مشتعلاً وسط نيران الأزمات، وهو مايجب أن يلتفت إليه الزعماء السياسيين والدينيين والاجتماعيين للمكونات الدينية والمذهبية والقومية في العراق، وأهم هذه الحقائق:
1- إن العودة إلى عراق ما قبل العام 2003، بأيديولوجيته وثقافته وسلوكياته الطائفية العنصرية بات مستحيلاً، وإن حزب البعث وأمثاله من الجماعات الشوفينية الطائفية، أصبح جزءاً من هذا الماضي المؤلم الذي لاعودة إليه إطلاقاً، وإن اجتثاث هذا الفكر العنصري الطائفي ورموزه هو العلاج الطبيعي الفاعل، حاله حال النازية والشوفينية والفاشية والفرانكوية.
2- إن العراق يتألف من ثلاثة مكونات رئيسة: الشيعة (65% من عدد سكان العراق)، السنة العرب (16% من عدد السكان) والسنة الكرد (15% من عدد السكان)، وهي النسب المحسوبة بأدوات علمية، وما يترشح عن عنها من استحقاقات طبيعية، يفرضها الواقع والقانون، على قاعدة العدالة، وليس قاعدة المساواة.
3- إن النخبة السنية العربية لم يعد باستطاعتها أبداً، احتكار السلطة وقرار الدولة، ولم يعد السنة العرب هو المكون المميز الأثير النبيل، وأبناؤه هم عراقيوا الدرجة الأولى من حاملي الجنسية العثمانية، وأن من حقهم حصراً أن يكونوا خلفاء وسلاطين وولاة وملوك ورؤساء جمهورية وقادة، كما لم يعد الشيعة هم المعارضة التقليدية للسلطة العراقية الطائفية منذ منتصف القرن الهجري الأول، ولم يعودوا عجماً وفرساً ومجوساً وهنوداً وغجراً وعملاء وجواسيس، كما كانت تصفهم أدبيات الدولة العراقية، منذ 1921 وحتى 2003، كما لم يعد الكرد متمردين وجيوب ومحطات للسخرية، كما كانت تصفهم الدولة العنصرية السابقة، ولم يعد الشيعة الفيليين والكرد والتركمان والشبك، مواطنين من الدرجة الثالثة، بل بات جميع أبناء الشعب العراقي مواطنون أصلاء، متساوون في الحقوق والواجبات، ولاوجود لمواطن درجة أولى أو ثانية أو ثالثة، وباتت مكونات الشعب العراقي، بأكملها، مشاركِة مشاركةً واقعية في إدارة الدولة والحكومة والسلطة؛ مع الأخذ بالاعتبار استحقاق كل مكون بصورة عادلة في قرار الدولة والحكومة، وفي حجم تشكيله لهوية العراق، وفق نسبته العددية.
4- إن عقيدة الجيش العراقي، لم تعد عقيدة طائفية عنصرية، هدفها حماية السلطة، وضرب مكونات الشعب العراقي، وتنفيذ رغبات السلطة في الاعتداء على دول الجوار، بل باتت عقيدة وطنية، وأن مهمة الجيش باتت حماية الوطن وحدوده، والدولة وسيادتها، وليست سيادة الدكتاتور وأسرته وحزبه.
5- إن المناهج التعليمية، ولاسيما مناهج التاريخ والجغرافيا والتربية الدينية والوطنية، لم تعد تكتب وفق البنية الطائفية العنصرية للسلطة العراقية السابقة، بل وفق آلية التوازن بين التنوعات المذهبية والقومية للسكان، وهو ما ينطبق أيضاً على وسائل إعلام الدولة والحكومة، وعلى المؤسسات الدينية والإفتائية والوقفية التابعة للدولة والحكومة.
القاعدة الثانية: استبدال الشعارات والمفاهيم والسلوكيات التقليدية المتوارثة الفضفاضة، بالمفاهيم الواقعية التي تنسجم مع حقائق العراق، وفي مقدمتها تنوعه القومي والمذهبي والثقافي، وأول هذه الشعارات؛ شعار الوحدة الوطنية، وضرورة تقريبه من مفهوم التعايش المشترك، لأن شعار الوحدة الوطنية شعار ضبابي وعائم وملغوم، ويحمل تفسيرات متعارضة؛ فالنظام السابق كان يفسِّر الوحدة الوطنية بأنها الوحدة الجغرافية والسياسية القسرية القهرية للمواطنين العراقيين تحت هيمنة السلطة الأحادية الايديولوجيا الشديدة المركزية، وليس الوحدة النفسية والمجتمعية والسياسية في ظل الوطن، وهو شبيه بشعار وحدة الخلافة الذي قتلت الدولة العثمانية تحت لوائه ملايين البشر المنتمين إلى أعراق ومذاهب شتى، والخاضعين لسلطتها العنصرية الطائفية قسراً. وهو ما ظل يحصل في العراق دائماً، حيث قتلت دولة البعث أكثر من مليون ونصف المليون شيعي وكردي عراقي تحت شعار الوحدة الوطنية.
أما مفهوم التعايش الوطني؛ فهو شعار واقعي وينسجم مع حقائق العراق، حتى وإن ترشّح عنه التخفيف من مركزية الحكومة الاتحادية، وتشكيل أقاليم جديدة، أو انفصال إقليم كردستان، أو استحداث ضوابط إدارية في العلاقة بين المحافظات. والهدف من كل ذلك فسح المجال أمام أبناء الجغرافيا الواحدة أو الدين والمذهب والقومية الواحدة أن يقرروا مصيرهم في الوحدة من عدمها، وليس إجبارهم على العيش قهراً في ظل واقع سياسي وثقافي ونفسي لا يريدونه. وهذا هو سلوك الدول الديمقراطية التعددية؛ فهي دول تطبق مفهوم التعايش المشترك بين أبناء المذاهب والأديان والقوميات المتنافرة المتصارعة، والذين يعيشون حالة المواطنة الحقيقية في ظل دولة واحدة، لكنها تترك لهم حق تقرير المصير؛ فيما لو فشلت الدولة في جعلهم يتعايشون بسلام وانسجام.
حزمة الحلول
ابتداءً؛ من منطلق الحفر في الواقع؛ يمكن الجزم بأن أزمات العراق ليست مميتة وقاتلة وميؤوس منها، بل هي أزمات مزمنة صعبة، ويمكن إيجاد العلاجات والحلول لها، وإن كانت هذه العلاجات موجعة ومرّة وخطيرة وطويلة الأمد. ويمكن تسمية حزمة الحلول الجذرية التي نطرحها هنا، بالتحوّل العراقي الأساس، واستئصال أزماته، وتتمثل بما يلي:
1- منح إقليم كردستان (اربيل سليمانية دهوك) استقلاله كدولة جديدة كاملة السيادة، وهو أهم مدخل لحزمة الحلول، لأن فيه مصلحة العراق وكردستان معاً، وحينها سينخفض منسوب الصراع على هوية العراق المذهبية القومية الى أدنى مستوياتها، فضلاً عن الصراعات الأخرى على الثروات والمناصب والتشريعات وسياسات الدولة، والكلام في هذا المجال طويل.
2- تعديل الدستور تعديلاً شاملاً، يشمل الجانبين الفني والمادي، ويضع خاتمة لكل الثغرات القانونية والشكلية فيه، والتي تسببت طيلة الفترة الماضية بتعميق الخلافات السياسية بين المكونات العراقية والفرقاء السياسيين، ومنها تثبيت القيم العليا الاجتماعية الدينية التي تعتقد بها الأغلبية الساحقة من الشعب العراقي، وإلغاء مادة تعطيل ثلاثة محافظات لتعديل الدستور، وتغيير النظام السياسي من البرلماني الى الرئاسي، وإلغاء مجالس المحافظات، وغيرها. وسبق أن قدمت مقترحات وافيه بهذا الشان.
3- تغيير النظام السياسي البرلماني الحالي إلى النظام الرئاسي أو الرئاسي – البرلماني؛ على غرار النظامين السياسيين الفرنسي والروسي والتركي؛ فيكون هناك رئيس جمهورية منتخب انتخاباً مباشراً من قبل الشعب، يتمتع بصلاحيات تنفيذية يحددها الدستور، ويكون القائد العام للقوات المسلحة في الوقت نفسه، كما يكون هناك برلمان منتخباً شعبياً. ويقوم رئيس الجمهورية المنتخب باختيار مرشح الكتلة النيابية الأكبر التي يحدد الدستور مواصفاتها بدقة؛ ليكون رئيساً للوزراء، بعد التصويت على كابينته في مجلس النواب، وتكون السلطة التنفيذية مقسّمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في إطار صلاحيات محددة دستورياً بشكل حاسم، تحول دون أي تضارب أو خلاف.
4- إعتماد النظام الفيدرالي المتماسك، الذي يتألف من دولة مركزية قوية وستة أقاليم صغيرة، على غرار النظام الروسي، ويتم في إطاره تقييد مفهوم الفيدرالية بتعاريف ومواد واضحة جداً، تحدد قيام الأقاليم على أسس مشتركة، كما تحدد للمركز والأقاليم نوعية الصلاحيات والحقوق والواجبات والعقوبات الجزائية، وأن لايمرر هذا النظام في الدستور على قاعدة الترضيات والازدواجية في الطرح، أو على حساب قوة الدولة وهيبتها، وقوة الحكومة المركزية وصلاحيتها. وتعطى هنا للحكومة المركزية صلاحيات معينة في إقامة الأقاليم ورسم حدودها الإدارية، وأن تتمتع جميع الأقاليم بحقوق وواجبات وصلاحيات وحكومات متشابهة شكلاً ومضموناً. ويتم اعتماد النظام البرلماني في الأقاليم وليس النظام الرئاسي. والأقاليم على النحو التالي:
إقليم العاصمة بغداد، وتلحق به أقضية سامراء والدجيل وبلد
إقليم كركوك الخاص، ويلحق به قضاء طوزخرماتو
اقليم الغرب: الموصل، الأنبار وصلاح الدين
إقليم الفرات الأوسط: كربلاء، بابل والنجف، وتلحق به النخيب الى الحدود الدولية
إقليم الشرق: ديالى، واسط، العمارة والقادسية
إقليم الجنوب: البصرة، الناصرية والمثنى
ويتم انتخاب مجلس نواب أو مجلس إقليمي لكل إقليم، وتلغى مجالس المحافظات، كما يتم انتخاب رئيس أو رئيس وزراء لكل إقليم من قبل برلمان الإقليم، بوصفه مرشح الكتلة الأكبر، ويتم أيضاً ترشيح المحافظين من رئيس الإقليم، والتصويت عليه داخل برلمان الإقليم.
5- تثبيت الناظم المذهبي القومي للدولة، والمتمثلة بمذهب الأكثرية السكانية وقوميتها، ليأخذ موقعه في أدبيات الدولة ورمزياتها وتشريعاتها ومؤسساتها وأعرافها، بوصفها دولة شيعية عربية. فبعد منح إقليم كردستان استقلاله؛ ستكون نسبة العرب في العراق 85% والشيعة 84% من عدد سكان العراق، أي أن نسبة الشيعة العرب ستبلغ 75% من عدد سكان العراق، الأمر الذي سيجعل تثبيت هوية العراق أمراً تلقائياً، حتى على مستوى القوانين والتشريعات والمناهج الدراسية، بما لايتعارض مع هوية الدولة وناظمها المذهبي القومي، الى جانب تقنين واقع دولة التعددية القومية والمذهبية والجغرافية، واحترام الاتجاهات الثقافية والمذهبية والفكرية الأخرى، على قاعدة قناعة جميع فئات الشعب بمبادئ العيش المشترك، ما يعني إعطاء جميع أبناء المكونات القومية والمذهبية والدينية والتيارات الفكرية، حقوقها وحرياتها، بشكل متكافيء، ينسجم مع حجمها السكاني واستحقاقاتها السياسية.
6- العمل بمقتضى ما تفرضه الأنظمة الديمقراطية من وجود حكومة منسجمة سياسياً، ووجود معارضة داخل البرلمان وخارجه. ويتم تشكيل الحكومة المنسجمة سياسياً، والتي تحظى بأغلبية برلمانية، من جماعات وأعضاء يمثلون التنوع العراقي؛ أي حكومة أغلبية، فيها تمثيل واقعي متوازن للعرب والفيليين والتركمان والشبك؛ بشيعتهم وسنتهم، وحتى الكرد الذين سيكون لهم وجود سكاني في محافظات العراق، خارج كردستان، فضلاً عن الأقليات الدينية القومية. وتذعن هذه المنظومة الحكومية إلى حقائق الديمغرافيا العراقية في نوع المشاركة وحجمها. وينطلق تشكيل هذه الحكومة من نقطة تشكيل تيارات منسجمة سياسياً، تتصدرها أحزاب تنتمي إلى الأكثرية السكانية، وينضوي تحتها جماعات وأفراد من كل الطوائف والقوميات، وتدخل الانتخابات كقوائم وطنية وليس قوائم مذهبية أو قومية. أما الائتلافات والأحزاب التي لا تحقق الأغلبية؛ فإنها تبقى في المعارضة؛ وإن زعم بعضها أنه يمثل مكوناً معيناً.
وعلى هذه القاعدة؛ سيتم إلغاء منهجية تشكيل الحكومة على أساس المحاصصة السياسية؛ بذريعة الشراكة الوطنية، وإعتماد منهجية حكومة الأغلبية السياسية؛ التي تعطي للمكونات الدينية والمذهبية حقها في التمثيل أيضا، في إطار حكومة الكتلة الواحدة أو الائتلاف الواحد المنسجم سياسياً، والمتنوع دينياً ومذهبياً وقومياً وفكرياً. كما ستحول هذه القاعدة دون حدوث الظواهر التي تشل الحكومة وحركة الدولة، ومنها ازدواجية ولاء الوزير أو المسؤول بين الحكومة والأحزاب، وظاهرة ازدواجية الانتماء بين الموالاة والمعارضة.
7- تطهير الدولة وجميع مفاصلها وثقافتها وأدبياتها ورمزياتها ومناهجها الدراسية من أية رواسب طائفية وعنصرية، وغلق جميع الأبواب، عبر الدستور والقوانين والنظام السياسي وجميع نظم الدولة، أمام العودة الى أي ثقافة أو نظم أو منهجيات فيها لون من ألوان الطائفية والعنصرية والتمييز النظري أو العملي بين فئات الشعب العراقي.
ويكون هذا التطهير متزامناً مع إعتذار الدولة العراقية رسمياً، بصفتها المعنوية؛ وبالطرق القانونية والثقافية والسياسية والإعلامية المتعارفة دولياً، عما تسببته من مآسي وويلات وإضطهاد وتهميش، على مدى قرون؛ للطوائف والقوميات التي كانت تختلف معها في الماضي طائفياً وقومياً، ولاسيما الشيعة والكرد، وتعويضهم مادياً ومعنوياً وقانونياً، بالطرق المتعارفة دولياً.
8- وضع خطة عملية حازمة، لسد أية ثغرات ومسارب للفساد الإداري والمالي والشلل، في جميع مفاصل الدولة، سواء على مستوى القوانين والتشريعات أو النظم الإدارية وسياقات العمل أو التأثيرات السياسية، ويتم تنفيذ الخطة بحزم وهدوء، بعيداً عن الإعلام والاستثمار السياسي.
9- إعادة مركزة القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وبناء عقيدتها الوطنية، وفق ما تقتضيه التغييرات في الثقافة الطائفية والعنصرية وهوية الدولة، ومنع قيام أية قوات مسلحة في الأقاليم، عدا الشرطة المحلية، وحصر السلاح وأي عمل مسلح بأجهزة الدولة فقط، المتمثلة بالجيش والحشد الشعبي والشرطة والأجهزة الأمنية.
10- بناء خطة وطنية عملية للأمن الستراتيجي، لردم جميع بؤر إنتاج الإرهاب والتكفير، واستباق أية أزمات في الأمن السياسي والثقافي والإعلامي والإقتصادي. وتتعاون في رسم الخطة وتنفيذها جميع أجهزة الدولة العسكرية والمدنية، الى جانب المؤسستين الدينيتين الشيعية والسنية ومنظمات المجتمع المدني.
11- التأسيس لسياسة خارجية وطنية قوية فاعلة موحدة، تعطي للدولة العراقية هيبتها إقليمياً وعالمياً، وتمنحها علاقات متينة متوازنة بدول الجوار والمحيط الاقليمي والعربي والاسلامي، كما تعطي للعراق إمكانية خلق محور سياسي واقتصادي وأمني إقليمي، ولعب دور حيادي إيجابي في النزاعات الإقليمية والدولية، بالترافق مع التعامل بالمثل مع الدول الأخرى، سلباً وإيجاباً، ومن ذلك تقنين عمل السفارات الأجنبية والسفراء والدبلوماسيين الأجانب، وحصر تواصل العراقيين معهم عبر القنوات الرسمية المعنية، وعدم السماح لأي مسؤول عراقي بالتواصل مع الدول الأجنبية، إلّا عبر القنوات الرسمية ذات الصلة.
12- التخلص نهائياً من أي تواجد عسكري وأمني أجنبي، تحت أي ذريعة وعنوان، وإلغاء أية اتفاقيات تسمح لتواجد عسكري وأمني.
13- وضع خطة عشرينية تنموية ثورية من قبل مراكز بحوث وجامعات وخبراء عراقيين وأجانب، تتكون من أربع خطط خمسية، تشتمل جميع مجالات عمل الدولة، مع التركيز على المجالات ذات العلاقة بالاقتصاد والبنى التحتية ومعيشة الشعب، كالنفط ومصادر الطاقة الأخرى، والطاقة النووية، والبتروكيمياويات، والكهرباء والماء، والسكن، والعمل، والضمان الاجتماعي والصحي، والزراعة، والصناعة ونقل التكنولوجيا، ودعم صناعات القطاع الخاص الصغيرة والمتوسطة والثقيلة، والاستثمار المحلي والأجنبي، والتعليم والبحث العلمي، والثقافة المجتمعية، والإعلام والسينما، والسياحة والسياحة الدينية،. كما تتضمن الخطة العشرينية وضع آليات مجدولة عملية وحازمة، بعيدة عن الروتين والبيروقراطية، وأية مسارب للفساد الإداري والمالي.