19 ديسمبر، 2024 12:20 ص

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 5

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 5

مالِكِ يَومِ الدّينِ (4)

وكأنما أراد المؤلف ألا يستغرق المخاطَب بالتعويل على رحمة الله ورحمانيته ورحيميته، فأراد أن يوازن بين الرجاء والخوف، الرجاء لرحمة الله، والخوف من حسابه وعتابه ولعله عقابه. والقرآن ركز على عامل الإنذار والتخويف أكثر بكثير من عامل التبشير، ولكن كما سنرى لم يكن الثواب والعقاب الذي طرحه القرآن موافقا للعدل الإلهي حسب الرؤية الفلسفية والعقيدة التنزيهية. هذه السورة تضع ثلاث قضايا أمام الإنسان المخاطَب بالقرآن:

إن الله متصف بكل الكمالات.
إنه رب العالمين.
إنه رحمان رحيم.
إنه مالِكٌ (أو مَلِكٌ) ليوم الدين، أي يوم الحساب والجزاء، أو ما يسمى بيوم القيامة.

إذن الله لم يخلقنا فحسب، بل هو ربنا، وهو الرحيم بنا، وهو المعيد لنا بعد الموت، والمحاسب لنا يوم القيامة، والمجازي كل واحد منا، ثوابا أو عقابا، بالجنة والنار. الجزاء في حياة أخرى بعد هذه الحياة من طبيعة مغايرة لحياتنا هذه؛ هذا الجزاء هو من الضرورات العقلية، لأن بدونه لا يكون الله عادلا، ومع فرض عدم عدالته، لا يكون كاملا، بل ناقصا، والنقص من صفات الوجودات الممكنة الحادثة المعلولة الناقصة، وليست من صفات واجب الوجود، أزلي الكؤون، مطلق الكمال. أما أن يكون الجزاء مقرونا بيوم اسمه يوم الدين أو يوم القيامة أو يوم الحساب أو ما شابه، فهذا من الممكنات وليس من الواجبات العقلية، ويتوقف التصديق بأي ممكن على التيقن من موثوقية المُخبِر، فلو ثبت لنا أن مؤلف القرآن أو الموحي به هو الله، لا نملك إلا تصديق ما يخبرنا به، ولكن لو ثبت غير ذلك، كأن ثبت لنا أن القرآن بشري التأليف، فلا يملك العقل إلا أن يقف أمام هذه الدعوى الممكنة، أي غير الواجبة عقلا، ولا الممتنعة، موقف عدم الحسم، خاصة وأن التصديق بذلك لا يترتب عليه نفع، وعدم التصديق لا يترتب عليه ضرر، ولو إن النظرة العقلية المتجردة لا ترى مبررات عقلية ليوم كهذا، وحتى مع فرض وجود يوم حساب، فالأرجح أن تكون لكل إنسان قيامته بعد موته، أو لنقل بعد موت جسده، وانتقاله إلى حياة من طبيعة أخرى لا نعرف كيفيتها وطبيعتها. وهذا يختلف عن أصل الجزاء. فلحد هنا لا نسجل إشكالا على القرآن، كما لا نستطيع أن نمنحه شهادة تزكية، إلا بعد استكمال أشواط البحث عبر السياحة في طول القرآن، من أوله إلى آخره.