22 ديسمبر، 2024 11:03 م

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 17

القرآن محاولة لقراءة مغايرة 17

إِنَّ الَّذينَ كَفَروا سَواءٌ عَلَيهِم أَأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنونَ (6)

إن كلا من المصطلحين القرآنيين «الذين آمنوا» و«الذين كفروا»، وحسب ما ستؤكده كل الآيات التي يرد فيها هاذان المصطلحان، مستخدمان في القرآن نسبة إلى الإسلام، بمعنى «الذين آمنوا بالإسلام والقرآن ومحمد» و«الذين كفروا بالإسلام والقرآن ومحمد»، وبالتالي فهما مصطلحان لـ«المسلمين» و«غير المسلمين».

ومع فرض أن الإسلام هو دين الله، وأن هناك من لم يؤمن به ممن أسماهم القرآن بـ«الذين كفروا»، فإنه مما لا يناسب حكمة الله ورحمته وعدله أن يستخدم لغة الإطلاق والتعميم، فكل الذين لم يقتنعوا بدعوة ودين محمد، لا فائدة من دعوتهم وإنذارهم، فهم محكومون مسبقا بعدم إمكان تحولهم إلى مؤمنين بالإسلام، وكلهم بلا استثناء محكومون عليهم بما سيأتي من صفات في الآية التالية. ثم يثار سؤال على هذه الآية التي تتكلم عن الإيمان وعدم الإيمان، والذي يسميه القرآن بالكفر، أي عن قضية الاقتناع وعدم الاقتناع، فما معنى أن تستخدم فعل الإنذار؟ فهل الإقناع بصحة حقيقة مفترضة غيبية يجري يا ترى عبر الإنذار والتهديد والتخويف؟ نعم سيقال إن القرآن، أو إن الله حسب القرآن، أمر نبيه أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. الحكيم، لاسيما الحكيم حكمة مطلقة، تكون كل جملة من جمله واضحة، ولا تقبل سوء الفهم، ولا تفتقر إلى تفسير آخر لها في مكان ما في طيات كتابه، أو إلى تأويل إلى غير المعنى الظاهر لها. فلو صدرت هذه الآية من عاقل حكيم، لكان النص ربما كالآتي: «إِنَّ مِنَ الَّذينَ [وليس كلهم] لَم يُؤمِنوا [بدل كَفَروا] مَن هُم سَواءٌ عَلَيهِم أَدَعَوتَهُم لِلإيمانِ [بدل أَنذَرتَهُم] أَم لَم تَدعُهُم لا يُؤمِنونَ». وحتى مصطلح «الذين كفروا» فهو مصطلح يختزن كل المعاني السلبية، وأصبح محتقنا بالكراهة والعداوة، ولا أقل من الانفصال النفسي، والقطيعة الفكرية، ومثله المصطلحات المشتقة من ذات الجذر مثل «الكافرون»، «الكفار»، «الكفرة»، حيث كان ينبغي، لو كان مؤلف القرآن استخدم لغة موضوعية متوازنة غير محتقنة بالكراهة، أن يقول بدل ذلك «الذين لم يؤمنوا»، أو «غير المؤمنين»، وبما أن «الذين كفروا» قد استخدمت بمعنى الذين كفروا أو لم يؤمنوا بمحمد بالذات، كان الأجدر في هذه الحالات، وهي الغالبة في القرآن أن يخصص فيقول «الذين لم يؤمنوا بك»، أو «الذين لم يؤمنوا بهذا النبي»، أو «الذين لم يؤمنوا بمحمد»، أو «الذين لم يؤمنوا بهذا الدين»، أو «الذين لم يؤمنوا بالقرآن»، أو «الذين لم يؤمنوا بهذا الكتاب»، لأن الكثير من الذين لم يؤمنوا بمحمد نبيا ورسولا، هم مؤمنون بالله وبالتوحيد، بل منهم من نزه الله بتبرئته مما لا يليق به مما نسبت إليه الأديان.