ما هو دور شيوخ، ورجال الدين، من كافة الطوائف الاسلامية في حمل القرآن حفظا، وتطبيقا؟
في هذه السطور سنتحدث عن ذلك، خاصة ان هؤلاء يصدون غيرهم من التحدث عن القرآن بحجة انهم ليسوا من ذوي الاختصاص به مثلهم.
إذن سنناقش دورهم في حمل القرآن حفظا، وتطبيقا.
***
انتهى قول القرآن على لسان النبي محمد بعد وفاته مباشرة، واغنائه بالآيات، والسور، وكذلك استجابة للمستحدثات من الأمور الجديدة، ووصل لنا الى ما وصل اليه من 114 سورة، ولما كانت هناك أمور مستحدثة لم تكن قد قيل فيها شيء من القرآن، إذ ان الحياة ولادة لمثل تلك الأمور، ظل المسلمون بحاجة الى وجود النبي بين ظهرانيهم لسماع قول القرآن في تلك الأمور، ولكن النبي محمد بشر مثلنا يصيبه ما يصيبنا من حوادث الزمان، ومنها الموت. هذا أولا، وثانيا: قيام بعض الخلفاء الراشدين بمخالفة بعض ما قاله القرآن، وثالثا: حدوث ما هو جديد في القرآن عند تحويل الخلافة الى ملك عضوض في العصر الأموي، وما بعده من عصور اسلامية، وكل تلك الأمور لم يتدخل فيها شخصا غير المسؤول عن أمور الدين، أو ما ندعوه بشيخ أو رجل دين.
ففي الأمور المستحدثة يضيف المسلمون أمورا جديدة من خلال القياس كما يحدث في وقتنا الحاضر، وهناك أمور كثيرة طبق القياس عليها فأخذت طريقها في الفقه، أي انها وجدت حلا لها ليس قرآنيا، مثل قياس حكم النبيذ على حكم الخمر لاشتراكهما في العلة، أي السكر، فيأخذ النبيذ نفس حكم الخمر، وهو التحريم، فيما هناك مذهب فقهي لا يحرم النبيذ كالمذهب الحنفي. وقد تفنن شيوخ، ورجال الدين، في تنوع القياس فأوجدوا أنواعا كثيرة منه، مثل: قياس الأولى، والقياس المساوي، وقياس الدّلالة، وقياس الشبه، والقياس الجلي، والقياس الخفي، وقياس الطرد، و قياس العكس، وقد اختلفت المذاهب في هذا الأقيسة، وهي طامة كبيرة في الفقه الاسلامي.
وكذلك هناك طريقة استحدثها شيوخ، ورجال الدين، هي طريقة الاجماع . مثل: اجماعهم على وجوب تنصيب خليفة للمسلمين، مع العلم ان القرآن يقول بالشورى. وإجماعهم على قتال مانعي الزكاة، وقتل الخارج عن الاسلام.
أما قيام بعض الخلفاء الراشدين في تعطيل أيات من القرآن فهو حاصل عندما عطل الخليفة عمر بن الخطاب عقوبة السرقة في عام الرمادة، وعطل سهم المؤلفة قلوبهم.
واجتهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان في الغاء ست قراءات من قراءات القرآن السبعة التي حظيت بموافقة النبي وقتها، خاصة انها لا تغيّر في المعنى العام، ولا في الدلالات، ولا تحلل الحرام، وتحرم الحلال؟
وتحويل الخلافة الراشدة الى ملك عضوض في زمن الأمويين الى انتهاء الخلافة الاسلامية، وهذا الأمر جعل من المسؤولين على سدة الحكم أن يفعلوا كل شيء، ومنه التلاعب بالقرآن.
ففي زمن الخليفة عبد الملك بن مروان، وعامله الحجاج بن يوسف الثقفي، أضيفت سورة، وآيات، جديدتين، كما يرى الباحث، هي الآيات الأولى من سورة الاسراء التي تذكر (( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)). لأسباب سياسية عند احتلال ابن الزبير للكعبة محاولا صرف حجيج الشام من الحج، وذلك بحجهم الى المسجد الأقصى الذي بناه بن مروان. أما سورة القيل فقد وضعوها لتكفير ابن الزبير.
وأيضا وضعت الأحاديث التي تعطل القرآن منذ العصر الأموي، وحتى العصر العباسي. فأصبح كل المسلمين من أصحاب الحديث لا من أصحاب القرأن، حيث قالوا “الحديث ينسخ القرآن عند التعارض؟”، بحجة ان النبي لا ينطق عن الهوى. ومن أمثلة ذلك:
– أن النبي كان يمس نساءه في حيضهن، أما القرآن فيقول: “ولا تقربوهن حتى يطهرن”،
– حديث لا وصية لوارث، نسخ كل الآيات (الوصية) في القرآن.
– قال النبي: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا عليّ شيئاً.
ويعد هذا الحديث معارضاً لقول القرآن: (( إنّك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصّمّ الدّعاء إذا ولّوا مدبرين)) (النمل/80) وقوله: ((وما يستوي الأحياء ولا الأموات إنّ الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور)) (فاطر/22).
– حدث النبي إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، وقال: إن الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه، والقرآن يقول: ((ولا تزر وازرة وزر أخرى)).
– وغير ذلك.
***
ماذا نستنتج من الأمور التي ذكرتها في أعلاه؟ نستنتج ان الخلفاء، والملوك، وشيوخ الدين، ورجاله، غير مؤمنين بنزول سور، وآيات، القرأن من السماء، وانما هي من أقوال النبي. وقد عبر عن ذلك يزيد بن معاوية شعرا خير تعبير إذ قال:
((ليت أشياخي ببدر شـــهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتكــم وعدلنا ميل بـــــــــدر فاعتدل
فأهلوا واستهلوا فرحـــــــا ثم قالوا يا يــــــــــزيد لا تسل
لست من خندف إن لم أنتقم مــــــن بنى أحمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فــــــلا خبر جــــــــاء ولا وحى نزل))
(ذكر الطبري في تاريخه 8/187 )
***
اضافة للكثير من الشعراء الذين يعرفون ما دور الخيال، وما ينتج.
فهذا الشاعر ألمعري يقول، وهو ينقد الاديان، ويشكك فى صدقها، ويعتبرها تأليف بشرى من القدماء، ويعتبرها سببا للعداوة:
((افيقوا أفيقوا يا غواة فإنما دياناتكم مكرٌ من القدماء
فلا تحسب مقال الرسل حقا ولكن قول زور سطّروه
وكان الناس في يمــنٍ رغيدٍ فجاءوا باالمحال فكدروه))
ويقول في أخرى:
((دين وكفــــــر وأنباء تقص وفــــــرقان وتوراة وإنجيل
في كل جيل أباطيل، يدان بها فهل تفرد يوما بالهدى جيل ؟)).
***
وهذا الدكتور طه حسين يقول في قصيدته (كنت اعبد الشيطان) ما يلي:
((كنت أظـن أنك المــضـلُ وأنــــك تهـدي من تـشاء
الضـار المقيت المـــــــــذلُ عن صـلف وعن كبـرياء
جـبــــار البـــأس تـكــــــــنُّ للنــــاس مـكــراً ودهــاء
تقـطع أيــــــــادي السـارقين وترجــــــم أجساد النساء
تـقيم بالســـيف عــــــــــــدلاً فـعدلك فــي سفك الدمـاء
فيا خـالق القاتـلين قـــل لـــي أيـــــــن هو اله الضعفاء
لوكنت خــالـق الكل مـــــــــا حـــرمت بعضهم الــبقاء
وما عساك مــن القــتل تجني غـــــــــــير الهدم والفناء
فهل كنت أعبـد جــــــــــزاراً يسحق أكبــاد الأبـرياء؟
أم كنـت أعبــد شيـطاناً أرسل إلينـــــــــا بخاتم الأنبياء
حسبتُ الجــــــــنه للمجاهدين سيسكن فيـــــها الأقوياء
تمـــرٌ وعـــنبٌ وتــــــــــــيـنٌ وأنهـار خمــــرٍ للأتـقياء
خير مـلاذ لجـائـــــعين عاش ـــوا في قـلب الصحراء
وأسِرَّةٌ من ياقـــــــــوت ثمين وحـــور تصدح بالغنـاء
نحن عاشـقات المــــــــؤمنين جــــــئنا ولـبـينا النـــداء
جزاكم الله بنـــــــــا فأنـظروا كيف أحسن الله الجــزاء
هل جنـتك كــفاحٌ وصـــــياحٌ وأيـــــــلاجٌ دون إنــثناء
تجدد الحـور الثيب بكــــــــراً وأنت مــن تقوم بالرْفاءِ
هـــــل كـنت أعــبدُ قـواداً يلـ هـو فـــي عقول الأغبياء
أم كنـت أعبـد شيـطاناً أرس ـل إلينا بخاتم الأنبياء)).
***
وقال الرصافي كذلك:
((فما كتب التاريخ في كل ما روَت
لقرَّائها إلا حديثٌ مــــــــــــلفَّقُ
نظرنا لأمــــر الحاضرين فرابَنا
فكيف بأمـــر الغابرين نصدِّق؟!
وما صدَقتنا فــــي الحقائق أعينٌ
فكيف إذن فيهن يصدق مُهرق؟!))
***
فماذا علينا أن نقول نحن؟