رغم مرور عدة سنوات من الإطاحة بحكم القذافي، إلا أن ليبيا لم تجد بعد ضالتها لتحقيق الأمن الذي غاب عن الكثير من المدن الليبية لتحل محله لغة السلاح والميلشيات والهجمات التي تطال العسكريين والبعثات الدبلوماسية، بل لا تزال تتخبط في دوامة العنف والفوضى.
في ضوء هذه الوقائع والمعطيات، يكتشف المجتمع الدولي مرة أخرى أن الثورة المزعومة لم تحرر الإنسان الليبي وتحقق أمنه واستقراره، ويبدو أن لعنة المنهجية الأمريكية-الغربية التي استخدمت تيار الإسلام السياسي في ليبيا لتنزلق نحو الحرب الأهلية وتتحول إلى مكان جاذب لكل الجماعات المتطرفة بارتكاب المذابح الوحشية ضد هذا الشعب للحصول على أرضه وثرواته ، بدأت تتكشف وتتضح أمام الشعب الليبي وأصبح يعرف التناقض المفضوح التي تتصف بها سياسة أمريكا في المنطقة.
اليوم يتساءل المراقبون والمحللون في الشأن الليبي والدولي عما الذي يمكن توقعه في الإنتخابات الليبية ، حيث تكتسب هذه الإنتخابات أهمية كبرى إذ من الممكن أن تحدد مصير البلاد في الفترة القادمة، والطريق الوحيد لمعرفة كيف ستكون سياسة ليبيا ورئيسها الجديد، لذلك سيكون لهذه الانتخابات تداعياتها في رسم الخارطة الجديدة للمنطقة بأكملها.
لذلك تشهد ليبيا سلسلة مواعيد ولقاءات مرتقبة تحمل في طياتها إشارات عن تطورات مرتقبة في المشهد السياسي، فقد عاد الحديث عن انطلاق تحرك سيف الإسلام القذافى ليلعب دوراً رئيسياً في ليبيا بعد أن قرر الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في 24 ديسمبر، و هذا القرار صدر بالتزامن “مع الذكرى 52 لـ(ثورة الفاتح).
على الجانب الأخر، الكثير من القبائل التي قاتلت إلى جانب القذافى وتعرضت للعقاب، تجد في سيف الإسلام اليوم “القائد المنتظر” لإعادة حقها، فمدينة سرت، مسقط رأس سيف الإسلام، ترى فيه”المنقذ” من داعش والإسلاميين في الغرب، وفي الوقت نفسه يحمل سيف الإسلام مشروع ما يعرف بـ “ليبيا الغد”، وهو قائد “الإصلاحات” في النظام السابق والمشرف على الإفراج عن المعتقلين المتهمين بالتطرف .
في هذا السياق كان لدى سيف الإسلام القذافى قبل 2011 مشروعاً سياسياً حقوقياً تنموياً متكاملاً وقد قطع شوطاً كبيراً في تنفيذه، وهو مشروع يعرفه كل الليبيون “مشروع ليبيا المستقبل” والذي كانت ليبيا قاب قوسين من اعتماده قبيل ما سمي ثورة، وكان سينقل ليبيا إلى آفاق سياسية واقتصادية أخرى، تفتحها على المستقبل وعلى العالم الخارجي وتعزز دورها عالمياً، وإذا ما كتب له النجاح فسينهض بليبيا كثيراً.
التساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: ما هي العقبات التي تعترض ترشح سيف الاسلام للرئاسة الليبية في هذه المرحلة الحرجة؟ هناك بعض العقبات التي تعترض عودة سيف الإسلام إلى العمل السياسي والتي تحتاج إلى بعض الوقت لتجاوزها، فالكثير ممن حملوا السلاح ضدّ القذافي ينتابهم الخوف والقلق من كون سيف الإسلام يطمح للعودة بدافع “الثأر” لوالده، لأنه لن ينسى أنّ “الثورة” التي ساندها حلف شمال الأطلسي، قتلت أباه بطريقة بشعة، وأعدمت إخوته الثلاثة دون محاكمات ، بالإضافة إلى الوضع الأمني في البلاد، بسبب انتشار وسطوة الميلشيات المسلحة والمتطرفة بشكل قد يؤثّر على أمنه الشخصي ويعرّضه للخطر مع تغيّر الولاءات والانتماءات ، فضلاً عن رفض بعض التيارات السياسية لعودة سيف الإسلام إلى المشهد السياسي في ليبيا.
مجملاً….نحن اليوم في منعطف تاريخي على درجة من الأهمية يحتم على الجميع إن لا شيئاً أغلى من ليبيا ودماء أبنائها ووحدتها الوطنية وسيادتها، وأنا على يقين أن أبناء ليبيا سوف يقفون خلف كرامة وطنهم حتى يتحقق المرجو لليبيا، وهو محو كل إرهاب غاشم يستهدف ليبيا، وعرقلةً مخطط الناتو الذي دمر وأزهق وأباح كل أركان الدولة الليبية. وبالتالي ستكون ليبيا الشرارة الأولى التي ستحرق عروش عملاء أمريكا وإسرائيل وسترمي بهم إلى مزبلة التاريخ, فإذا استطاعت أمريكا وحلفاؤها أن تتحكم في مجريات الأوضاع وتحولها إلى صالحها فإنها لن تستطيع أن تهزم المقاومة لأنها لا تؤمن بعقيدة سوى الوطن.