23 ديسمبر، 2024 5:49 ص

القبول في الجامعات الحكومية فيه الكثير من التساؤلات

القبول في الجامعات الحكومية فيه الكثير من التساؤلات

تنفيذا لشعار ( لكل خريج إعدادية مقعد في التعليم الجامعي ) الذي ألتزمته وزارة التعليم العالي منذ عقود ربما تعود بداياتها لعام 1986 ، فقد أعلنت الوزارة عن قبول 205486 طالبا وطالبة في الجامعات الحكومية العراقية ضمن قنوات القبول المركزي للسنة الدراسية 2022 /2023 ، وتضمنت النتائج ( المنشورة في الموقع الرسمي للوزارة ) قبول (197724) ضمن قناتي القبول العام والمباشر و (7616) ضمن قناة ذوي الشهداء و (146) ضمن قناة النخبة ، وبلغت أعداد الطلبة المقبولين ضمن قناة القبول المركزي في المجموعة الطبية (7749) طالبا فيما أشرت الحدود الدنيا لعموم كليات الطب (99,29) وفي جامعة بغداد كان اقل معدل مقبول في الطبية 100,99% ، وطب الأسنان (98,71) ، والصيدلة (98,29) ، ووصلت أعداد المقبولين في كليات الهندسة (23162) والعلوم (25690) والقانون (3571) والإدارة والاقتصاد (18041) والتقنيات الطبية والصحية (1941) والتمريض (3176) والطب البيطري (2145) والزراعة (3594) والآداب (7018) واللغات (2613) والتربية (39810) والمعاهد الطبية (13599) والمعاهد التكنولوجية (8468) ، وقد شمل جميع الطلبة الذين تقدموا إليه وبكل الفروع وغض النظر عن مجموع الدرجات حتى الذين كانت معدلاتهم 50% .
والقبول السنوي بهذه الأعداد يعد مفخرة للبلاد في مجال إعداد وتأهيل الموارد البشرية لتوفير اليد العاملة للبلاد بعد التخرج إن تم استثمارهم بالفعل ، ولكن القبول يشير إلى تساؤلات عديدة أبرزها : هل إن ما تم قبولهم يستند إلى خطط للقوى العاملة منبثقة من خطة التنمية المستدامة أي هل إن البلد بحاجة فعلا لتخريج هذه الأعداد بتخصصاتها فور التخرج ليؤدوا أعمالهم في قطاعات المجتمع ومنع تحويلهم إلى عاطلين وتتقادم معلوماتهم فيما بعد او أن يتحولوا لمعطلين يتظاهرون يطالبون بفرصة عمل في أي مكان ؟ ، وهل إن الجامعات الحكومية ممثلة بكلياتها ومعاهدها وأقسامها وفروعها مهيأة ومؤهلة بالفعل لاستقبال هذه الأعداد بما يضمن ممارسة الفعاليات التدريسية والتطبيقية والتدريبية كما ينبغي من حيث توفير الطاقات الاستيعابية والفضاءات والورش والمختبرات والمناهج والمفردات المحدثة وهل تتوفر التقانات اللازمة والملاكات التدريسية والتدريبية والساندة بموجب القياسات والمؤشرات المحلية والعالمية وهل الأموال موجودة من حيث توفير النفقات التشغيلية والاستثمارية التي تغطي كل الاحتياجات ؟ ، وإذا كانت الجامعات الحكومية تستقبل هذه الأعداد من خريجي الدراسة الإعدادية فما هي حصة الجامعات والكليات الأهلية من القبول وقد بلغ عددها أكثر من عدد الجامعات في القطاع الحكومي ومصدر دخلها الأساس هو الأجور من القبول ؟ .
وهذه الأسئلة لا تحتاج إلى جهد كبير للإجابة عنها بالتفصيل ، فقطاع التعليم العالي الحكومي يتبع شعار ( الجامعة للمجتمع ) أي انه لم يضع شرطا بان تعمل او توظف كل مخرجاته في أجهزة الدولة لان هناك قطاعات متنوعة في المجتمع يمكن ولوجها من قبل الخريجين ويقصد القطاع الخاص والمختلط والتعاوني والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والأعمال الفردية ، وهي قضية صحيحة ومنطقية ولكنها تحتاج لان يفهمها الطلبة المقبولين وعوائلهم كون معظمهم يستسهل التعيين الحكومي ، كما يجب تدعيمها من خلال التوجيه المهني أثناء الدراسة التي تتطلب تزويد الطلبة بمهارات وتقنيات لولوج العمل بهذه القطاعات باستحداث مفردات وتطبيقات ضمن المناهج التي يمكن أن تعنى بهذه الأمور ، أما عن المستلزمات التشغيلية والاستثمارية في هذا القطاع فقد أشارت لها إحدى التقارير الصادرة من وزارة المالية ، فحسب بياناتها في ما يخص النفقات التشغيلية و كذلك الاستثمارية في التعليم العالي لأول ٧ أشهر من عام ٢٠٢٢ ، فقد بلغ مجموع الإنفاق تريليون و ٥٢٩ مليار دينار منها تريليون و ٥٠٩ مليار دينار للإنفاق التشغيلي متضمنا تريليون و ٥٠٣ مليار دينار رواتب الموظفين أي إن نسبة الرواتب من الإنفاق الكلي٩٨% و نسبة الرواتب من الإنفاق التشغيلي٩٩% وهي أرقام ونسب لا تحتاج إلى تعليق ، ونود الإشارة إلى إن اغلب المؤسسات الجامعية الحكومية تعتمد بشكل مهم على إيراداتها الذاتية في تغطية نفقاتها في الترميم والتطوير وتوفير المستلزمات السلعية والخدمية وغيرها ، وتلك الإيرادات تأتي من حصصها من الدراسات المسائية والاستشارات والفعاليات الإنتاجية الأخرى في المكاتب الاستشارية او صناديق التعليم فيها ، أما عن مصدر مدخلات التعليم الجامعي الأهلي من مدخلاتها من الطلبة فإن نسبة صغيرة منهم تكون من خريجي الأعوام السابقة ، والنسبة الأكبر للدارسين في التعليم الأهلي هم من المقبولين في التعليم الحكومي ممن لا يرغبون بالاستمرار بالتعليم الحكومي لعدم تطابق قبولهم مع رغباتهم او مع أماكن سكنهم او للاستفادة من تسهيلات التنافس على المعدلات في الكليات الأهلية التي تسجل تفاوتا كبيرا كونها تختلف تماما في الكثير من الحالات على متطلبات الحد الأدنى لمعدلات القبول في التعليم الحكومي ، والأمثلة على ذلك تشمل معظم التخصصات بما فيها المجموعة الطبية ( طب الأسنان ، الصيدلة ) والتخصصات المشمولة بالتعيين المركزي التي تحتل المرتبة الأولى والمتقدمة في التنافس على القبول .
والرقم المخصص للقبول للعام الدراسي الحالي بموجب نتائج القبول والبالغ 205486 طالبة وطالبة هو رقم نظري و غير حقيقي كما هو الحال في الأعوام الدراسية السابقة ، لان نسبة مهمة من المقبولين سيتحولون إلى التعليم الأهلي بعد ظهور نتائجه بعد أيام او إنهم سيتركون الدراسة ، وضوابط وزارة التعليم العالي لا تمانع بقيام الطلبة بترك قبولهم فيها والمغادرة للقطاع الأهلي وهي لا تفرض جزاءات إلا على من يسجل فعلا في قنوات التعليم الحكومي بعد القبول ولم يباشر بالدراسة بدون عذر ، ومن الناحية العملية يعد عدم إشغال الطاقات الاستيعابية بموجب خطة القبول هدرا في الإمكانيات ويعبر عن خلل في التخطيط آخذين بعين الاعتبار إن نسبة من سيتحولون من القبول المركزي للتعليم الأهلي هي نسبة مهمة وتثير العديد من التساؤلات حول مصير الفرق بين المخطط والمشغول ، ومن المناسب للجهات المعنية في التعليم المبادرة لإيجاد فلسفة موضوعية في القبول تحدد جدوى تحويل كل خريجي الدراسة الإعدادية للتعليم العالي ووضع خطط فعلية للقبول تتناسب مع الاحتياجات الفعلية للمجتمع واعتماد معايير متعددة في القبول لا تعتمد على المعدل فحسب وإنما الرغبة والتوجه المهني والمواصفات والقدرات وغيرها من العوامل التي كنا ولا نزال نضعها كطموح وأمنيات ، كما ان من المناسب إعادة النظر بالقبول المركزي لما يتسببه من هدر في كل المجالات من خلال اعتماد التقديم المباشر للقنوات الجامعية الأهلية والحكومية وبما يرشد اختيارات الطلبة ويتوافق مع الخطط والطاقات الاستيعابية ، ونترك موضوع التخصيصات المالية وأبواب إنفاقها ومقدارها لمن يعنيهم الأمر في التعليم وخارج التعليم ، بما يتوافق مع تبني فلسفة واضحة ليكون التعليم بمختلف فروعه ومصادر ملكيته نظاما يتبادل الأثر والتفاعل مع التنمية المستدامة ومتطلباتها البشرية ويواكب التطور الحاصل بكل التخصصات ، ولا يزال الموضوع يتحمل عددا كبيرا من التساؤلات .