23 ديسمبر، 2024 3:08 ص

ان الدستور العراقي لعام 2005 احتوى اتجاهات رئيسية تضمنت ثلاثة مبادئ أساسية ( مبادئ العدل والمساواة، ومبادئ حماية الحقوق والحريات ، ومبادئ التداول السلمي للسلطة) وبذلك فان القانون الذي يشرع ويطبق ان يكون منسجماً ومتفقاً مع تلك المبادئ أما اذا صدر على خلافها مع انه صدر بموجب الأليات الدستورية فانه يمثل انحراف تشريعي وهذا الانحراف هو من اهم أسباب الحكم بعدم دستورية القوانين عند الطعن بها أمام القضاء الدستوري، وهذا القضاء الدستوري اعتبر من اهم الضمانات لحماية الدستورية من الخروق التي ترتكبها السلطات (التشريعية، التنفيذية، القضائية) ، ومن صور الانحراف الاتي:
عندما يصدر قانون يمنح امتيازات خاصة لفئة من كبار المتنفذين والمهيمنين على المشهد السياسي في العراق، ومثال ذلك قانون امتيازات أعضاء مجلس النواب أو قرار مجلس الوزراء الأخير بتخصيص أراضي في مواقع متميزة لبعض الأشخاص دون غيرهم بينما يعاني المواطن العادي من ضيق السكن وعدم تملكه لأي عقار يسكن فيه مع عائلته، فهذه تعد مخالفة لمبدأ المساواة الوارد في المادة (14) من الدستور التي جاء فيها الاتي (العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي)
عندما يصدر قانون أو يبقى قانون نافذ فيه تأبيد المنصب لشخص معين دون غيره في أي سلطة من السلطات الاتحادية الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، وهذا يخالف مبدأ التداول السلمي للسلطة الوارد في المادة (6) من الدستور التي جاء فيها الاتي ( يتم تداول السلطة سلمياً، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور)
صدور قوانين تقصر التعيين أو الحصول على منافع لجهة دون أخرى مما يعدم تكافؤ الفرص بين المواطنين وفيه مخالفة لمبدأ تكافؤ الفرص الوارد في المادة (16) من الدستور التي جاء فيها الاتي (تكافؤ الفرص حقٌ مكفولٌ لجميع العراقيين، وتكفل الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق ذلك)
هذه الأمثلة توضح لنا ماهية القانون المنحرف وتعبر عن حقيقة تشريعية بان القوانين ليس بالضرورة تكون معبرة عن طموح الشعب أو إنها جاءت لمصلحة المواطن وعلى وفق المبادئ الدستورية ، كما توضح لنا حقيقة أخرى ان الجهات التي المكلفة بحماية الدستور والحقوق والحريات الواردة فيه وصيانة مبادئه ليس بالضرورة إنها قادرة على أداء تلك المهمة وذلك عندما تتطابق إرادة من سعى لإصدار التشريع المنحرف مع إرادة أعضاء الجهة المكلفة بحماية الدستور وحقوق المواطن، وهذا يقودنا إلى إعادة النظر في طلباتنا تجاه التمسك بالقانون وتطبيقه، لان القانون المنحرف ان تم تطبيقه فان الضرر الذي يحدثه لا يمكن تداركه، لذلك لابد من الالتفات إلى أهمية اختيار الجهات المكلفة بالتشريع وآليات تشريعه وكذلك الاهتمام باختيار الجهات المكلفة بتطبيقه، وان يكون للجمهور دور في ذلك حتى لا يصل الى سدة تلك المواقع من تتطابق إرادتهم تجاه تشريع القانون المنحرف وتطبيقه.

قاضٍ متقاعد