23 ديسمبر، 2024 9:33 ص

القانون العراقي يشجع على الفساد الإداري و المالي

القانون العراقي يشجع على الفساد الإداري و المالي

جاء في المادة 4 من قانون أنضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل: “يلتزم الموظف بالواجبات الآتية: ثالثا ً: إحترام رؤسائه والتزام الأدب واللياقة في مخاطبتهم وإطاعة أوامرهم المتعلقة بأداء واجباته في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة والتعليمات، فإذا كان في هذه الأوامر مخالفة فعلى الموظف أن يبين لرئيسه كتابة وجه تلك المخالفة ولا يلتزم بتنفيذ تلك الأوامر إلا إذا أكدها رئيسه كتابة وعندئذٍ يكون الرئيس هو المسؤول عنها”. هكذا و بكل بساطة فإن هذا القانون يعطي لرئيس الدائرة السلطة القانونية أن يأمر الموظف بمخالفة القوانين و الأنظمة و التعليمات و كأنه دولة داخل دولة. و إذن يا ترى ما فائدة القوانين و الأنظمة و التعليمات التي تشرعها الدولة إذا كان لرئيس الدائرة السلطة القانونية لمخالفتها، و لماذا على الموظف أن يلم بالقوانين و أن يبين لرئيسه كتابة أن أوامره مخالفة للقوانين إذا كان لرئيس الدائرة الحق القانوني إصدار الأوامر لمخالفة القوانين، و لماذا ليس على رئيس الدائرة أن يلم بالقوانين و ليس الموظف و لماذا لرئيس الدائرة الحق أن يأمر الموظف بمخالفة القوانين؟ فالأفضل بدلا ً من كل ذلك أن ّ الدولة لا تشرع القوانين و تخول رئيس الدائرة تمشية الأمور بمشيئته و كفى اللّـــه المؤمنين شر القتال. إنها الفوضوية و العبثية بعينيهما. و لهذا فإن الأموال العامة، السائبة، التي هي بيد رئيس الدائرة يمكن أن تختفي و لا أحد يعرف عنها شيئا.
و لو أن رئيس الدائرة أراد من الموظف أن يخالف القوانين و الأنظمة و التعليمات بأوامر شفوية و ليس كتابية لكيلا يتحمل المسؤولية و امتنع الموظف عن فعل ذلك فان رئيس الدائرة يستطيع أن ينقل هذا الموظف إلى دائرة أخرى، ليجعله عبرة لكل موظف يمتنع عن مجاراته في مخالفة القوانين و تمرير فساده الإداري و المالي، و ذلك بموجب المادة ۳٦ من قانون الخدمة المدنية رقم ۲٤ لسنة 1960: “لا ينقل الموظف من محل وظيفته الا بعد قضائه مدة لا تقل عن ثلاث سنوات إذا كان من الأماكن الاعتيادية ومدة لا تقل عن سنة ونصف في الأماكن الذي يستحق فيها تناول المخصصات المحلية، و لا يجوز نقله قبل ذلك إلا بمقتضى المصلحة العامة أو ضرورة صحية،.و يجب أن تستند مقتضيات المصلحة العامة إلى أسباب معينة تذكر في أمر النقل أما الضرورة الصحية فيجب أن تؤيد تقارير الهيئات الطبية الرسمية”. و طبعا ً فإن رئيس الدائرة يستطيع أن يؤلف سبب معين وهمي في أمر نقل الموظف يطيح بهذا الموظف مثل “عدم إطاعته للأوامر الصادرة إليه” أو “فساده الإداري و المالي” و حتى يستطيع أن لا يذكر سبب معين للنقل لأنه في دولة هكذا قوانين فوضوية و عبثية تشجع على الفساد لا أحد سيستمع لهذا الموظف و لا أحد سيحاسب رئيس الدائرة هذا.
أما الموظف الذي يحترم دينه و يمتنع عن تنفيذ أوامر رئيس دائرته الكتابية التي تأمره بمخالفة القوانين فإن مصيره سيكون مأساويا ً و ليس النقل لأن رئيس الدائرة الذي يأمر الموظف بمخالفة القوانين كتابة تقف خلفه قوة خارقة لا يمكن الوقوف بوجهها. و الموظف إللي ميعجبة يطك راسة بالحايط، و الشعب نايم ينتظر أمن و خدمات.
ملاحظة رقم 1: الإنتباه بأن قانون أنضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم 14 لسنة 1991 المعدل شُرِّع في زمن النظام السابق الدكتاتوري و ليس في زمن النظام الحالي الديمقراطي.
ملاحظة رقم 2: الحالة المذكورة أعلاه هي نموذج واحد فقط للفوضى و العبث و ليست كل الصورة و ما خفي كان أعظم.