كثرت التكهنات في الآونة الأخيرة وفقاً للمعطيات على الساحة العراقية خاصة في ظل اصابة ثلث العراق بسرطان الإرهاب و العالم عامة بعد زحف ذلك الداء الى انحائه وتأوئه جراء وخزات ألم هنا وهناك للحصول على جواب شافي لسؤال ( ماذا بعد داعش ؟ ) و ما الذي سيؤول على المستقبل القادم – في العراق خاصة – .
فالرأي الأمريكي برمته غير متفائل (في سره)؛ فعودة الحروب الأهلية المصاحبة لسلسلة من الانتقامات والتصفيات العرقية والمذهبية والطائفية , ستكون من السيناريوهات الأسوأ بعد داعش لعدم وجود نظرة استراتيجية واضحة للحكومة العراقية والأمريكية لمستقبل مستقر للعراق منذ 2003 وتخبطات الأخيرة منذ ذلك الحين الى الآن على اعتبار ان امريكا وأخواتها – غير المعلنين – المحرك الرئيسي لسير عربة معظم الدول الشرق اوسطية وغيرها ، فإقامة أقاليم على اساس طائفي وقومي وفي كل اقليم من هذه الأقاليم (قطاعات) لها صلاحية شبه مطلقة وإبقاء بغداد كعاصمة فيدرالية كما صرح مبعوث الرئيس الأمريكي في التحالف الدولي ضد داعش (بريت ماكغورك) هو الحل ولكن ليس حلا كافيا لإستقرار وطن هُشم نفسيا وقطعت اوصال روابطه الإجتماعية ونسيجه وعانى من الخيبات السياسية ما عانى ، ثلاثة ارباع شعبه مهجر خارجه والربع الآخر يستغيث داخله ، وقد نست الحكومة الأمريكية أو تناست أو غضت البصر عن التناحرات داخل المكون الواحد التي تزمجر الآن كزمجرة بركان بإنتظار انفجاره ، فطاولات الإجتماعات لسياسيي كل مكون تعقد على قدم وساق ، ليلا ونهارا لمعاينة من أين ستؤكل الكتف .
وأول ما سيتمخض من تلك الإجتماعات ربما هو تغيير الوجوه السياسية التي تسببت في دخول داعش الإرهابي الى المنطقة بأمر الحكومة الأمريكية – لا بقراراتهم – ولكن بـ(التنسيق) مع تلك الكتل السياسية ، وحقيقة هذه خطوة ذكية لإخماد ثورة رفض الشارع العراقي للسياسيات المتسببة بالوضع الراهن والتفكير بأن القادم افضل وقد بُدء بالتغيير …ربما ! .
لاشك بأن مسمى (داعش) سينقرض وسيتم القضاء عليه عاجلا أم آجلا في الموصل والرقة أهم معاقل التنظيم وستنشق منه فصائل عدة من القادة الهاربين من المدن المحررة واللجوء الى التنظيم الأم ( تنظيم القاعدة ) وسيفتح لهم الأخير ذراعيه ، كيف لا والقادمون بصحبتهم أموال طائلة فاقت ميزانيات دول ومنتشر في جميع دول العالم للبدء بالتواصل مع خلاياه النائمة لإعادة النشاط من جديد خاصة في ظل ما تعانيه القاعدة اليوم من ضعف في قاداتها ابتداءً من الإنشقاقات الداخلية في التنظيم وانتهاءً بزعيمه (الظواهري) الذي يعد الأضعف في الأوساط ما تسمى بـ (الجهادية ) والمعروف بالتخبط في قراراته و زج القادة في المخاطر ، حيث كانت النتيجة خلو ذلك التنظيم من أغلب أصحاب القرار ، آخرها مقتل فاروق القحطاني ونائبه بلال العتيبي بغارة جوية اواخر اكتوبر تشرين الأول 2016 ، حيث كانا من ابرز وارفع قادة القاعدة ، وتلك اشارات الى ما سيسعى اليه قادة التنظيم مستقبلا بإعادة هيكليته وتنظيمه و الظهور بمسمى جديد واستراتيجية جديدة لديمومته أطول مما دام داعش على الأرض وزعيمه البغدادي الذي لم يرتقِ زعامة بن لادن وصداه سيء الصيت ، لذلك يجب وضع قوانين صارمة ورادعة للتخلص من متطرفي اي تنظيم ارهابي وحاملي فكره الشاذ وحواضنه وملاحقتهم وتنفيذ اقصى العقوبات بحقهم على عكس القوانين التي نراها اليوم في اوربا والتي لا تجدي نفعا بحجة حقوق الإنسان !!! فحقوق الإنسان هي التي يجب ان تُنظَر بها قضايا الشهداء والمخطوفين والمخطوفات والمهجرين النازحين وكل متضرر من ذلك الفعل والفكر.
داعش قصم ظهر التقبل للإسلام والمسلمين في جميع انحاء العالم وليس العراق فحسب بتشويه تعاليمه وتفسير نصوص القرآن بما يشتهي ، وإن كان هناك تقبل فما هو إلا (مجاملات) سياسية لأفراد لهم تأثيرهم في الرأي العام ، كيف لدين ان يأتي بالسيف و نبيه بقى يدعو الناس (13) سنة بالحكمة والموعظة الحسنة !! لسنا هنا بصدد رد الشبهات فالمواقع الألكترونية زاخرة بالتفاصيل ، لكن القول بأن داعش قد رسم الإسلام بمثابة لوحة دم حمراء قاتمة وقدمها تحت عنوان (هذا هو الإسلام .. وهكذا هم المسلمون ) رغم أن وحشية داعش في التمثيل بقتل المسلمين كما حصل في الأنبار والموصل وتكريت والفرمانات التي طالتهم بحجة الإرتداد عن الدين بالعمل في مؤسسات الدولة الأمنية – المركزية أو التابعة لإقليم كوردستان – أو المتعاونين مع عناصر تلك المؤسسات أو المناهضين لداعش أو اصحاب المناصب التي لها صلة بالحكومة – مركزية كانت أو تابعة لإقليم كوردستان – وغيرها من الحجج التي لم تقل وحشية وهمجية عن غيرها من الإبادات التي طالت الإيزيدية والمسيحية .
فالتغيير الفكري له الأولوية دونا عن اي تغيير آخر لإقامة دولة مواطنة أو حتى إقليم يسود فيهما الإتفاق على الوجهة الصحيحة والفكر النظيف الذي يتقبل الآخر دون الإشارة بأصابع الإتهامات والقاء الذنب .. من …والى .. .
لا يمكن بسهولة تجاوز الآثار التي خلفها داعش والتي ستمتد الى سنوات عدة وإن كان بالإمكان إعادة البنى التحتية التي دمرها داعش في غضون وقت قياسي لا يتعدى السنة كما في التسريبات ولكن الآثار النفسية والإجتماعية ستبقى عالقة في الأذهان وستؤثر في الأجيال القادمة مالم يتم محو تلك الآثار عاجلا وذلك لن يتم إلا بمعالجة الفكر بفكر معتدل يشرف عليه ذوي الإختصاص مبني على عقيدة راسخة في الإعتدال والوسطية ونبذ الأفكار الطائفية المبنية على النصوص الموضوعة والضعيفة التي اعتمدها داعش في ممارساته ، واقامة الدورات الجدية في التنمية البشرية وجعلها مادة اساسية ضمن المناهج الدراسية والتدريب عليها عمليا وليس مجرد القاء محاضرات أو ندوات فقط ، فقد تصدع الرأس من الندوات في قاعات مغلقة تتواجد فيها وجوه متكررة في كل ندوة تلعب المحسوبية فيها دورها والرياء يضيع فيه المعنى الحقيقي للموضوع، ومبدأيا ليبدأ كل منا بنفسه للسير قدما في جعل الغد أكثر اشراقاً ، تعايشا ، تقبلا وبناءا ، للحد من ولادة فينيق داعش جديد