17 نوفمبر، 2024 1:58 م
Search
Close this search box.

القاضي الواقف .. بين الجالسين

القاضي الواقف .. بين الجالسين

قم للمعلم وفه التبجيلا … كاد المعلم ان يكون رسولا ، وهناك قصيدة اكثر واقعية مطلعها (قم للمعلم واعطه منديلا … يبكي المعلم بكرة وأصيلا )

والذي يبكي من بين المعلمين هو المعلم النزيه الذي لا يتعاطى مع الممنوعات الرشوة ، الهدية ، والتدريس الخصوصي الشائع الذي حول المدارس الى ملاعب وبيوت الطلبة مدارس ، وملأ جيوب اهالي الطلبة بالفراغ

ننتقل الى القاضي الواقف (المحامي) كما يسمونه تبجيلا لنجد مجال عمله (مرافعاته) ليس كما نراها في الافلام العربية والاجنبية في قاعة فخمة والناس يصيحون يحيا العدل ، والمحامي يصرخ سادتي القضاة بل هي مرافعة روتينية كئيبة في غرفة مساحتها لا تتجاوز مساحة غرفة نوم عادية جدا ، وبفضل الكوفيد صار هناك ستائر من النايلون الشفاف تفصلهم عن السادة القضاة ، وهناك اشياء وضعت لتفصله عن تلك الستائر ( وأنا من المؤيدين طبعا لأي اجراء ضد الكوفيد حتى لو كان متشددا ) ولا أؤمن بمناعة القطيع او ثقافة القطيع .

القاضي الواقف يعلم ان القاضي الجالس وقته محدود بسبب الحجم الهائل من الدعاوى والتي نصفها ضد مؤسسات الدولة وخصوصا فيما يتعلق بقوانين العدالة الانتقالية غير الدستورية التي زادتها الاجراءات التنفيذية التعسفية ظلما وغموضا وتشويشا بحيث ان هناك نسبة لا بأس بها من السادة القضاة عانوا من غموضها ، والقاضيان الجالس والواقف يعلمان جيدا هذه الحقيقة ، ويعلمان ان تلك القوانين اهدافها سياسية ، وليست كقوانين حمورابي الذي نقش على مسلته قانونه وبدأه بعبارة (( لكي احمي الضعفاء من الاقوياء وضعت هذا القانون )) وبما أن القاضي الواقف الضعيف اصلا كونه صاحب حاجة امام القاضي ، فضلا عن كونه وكيلا عن الضعيف وممثل خصمه غالبا ما يكون حقوقيا ممثلا للأقوياء (الحكومة) تصبح المعادلة صعبة امام القاضي الجالس .

حقيقة الامر ان تسمية القاضي الواقف باتت لا تكفي لتوصيف (المحامي) وينبغي ان تكون (القاضي الواقف والماشي) فهو المسؤول عن سلامة التبليغات رغم انه دفع رسم اقامة الدعوى ، فمثلا يطلب القاضي الجالس اضبارة العقار موضوع الدعوى من التسجيل العقاري الفلاني ، ويؤكد عليها مرات عديدة وتحصل عدة مرافعات يرتدي فيها القاضي الواقف العباءة المقدسة وربطة العنق ،مرات ومرات ليجد ان الكتاب الذي وجهته المحكمة الى التسجيل العقاري الفلاني لم تتم الاجابة عليه وكأنه صادر من روضة اهلية مع احترامنا اجميع المؤسسات الأهلية والحكومية ، لكن يبقى القضاء هو الضابط والضامن لعملها جميعا ، وأدا لم يهيمن القضاء ويكون حالة مقدسة يضيع كل شيء ولكني رميت الى توضيح تنمر الموظفين الفاسدين على القضاء …، ويتكرر الكتاب دون مجيب الى ان يضطر القاضي الواقف للتحول الى ماشي لمراجعة تلك الدائرة متوسلا لأنه يعلم انه ان اغاض الموظف سيستخدم معه الردع النووي (الاضبارة ضايعة) وعليه ان يتبع القاعدة القانونية الآمرة هذه الايام (ادفع) .. نعم بات المحامي يلف ويدور في دوائر الدولة ومع المبلغين اكثر من تواجده في المحاكم.

مع ذلك تبقى نقابتنا تؤكد على الهندام وربطة العنق ، رغم انها لا ينبغي لها ان تلزم بذلك الا في حالة جعلها المحامي لا يفكر كيف يعيل عياله بعد تقاعده ، فلا يهتم عندما يبتاع الروب وربطة العنق فقبل احدى الجولات الانتخابية صار تقاعد المحامي مليون بل وصارت عجلات اعضاء النقابة (جكسارات) من جيوب المحامين الذي عاد تقاعده الى راتب الحد الادنى في الدولة (ثلاث ورقات ونيفا) بعد انتهاء الانتخابات .

لا مصلحة شخصية لي في صعود او نزول راتب المحامي التقاعدي ، بل اني اشعر بالإهانة تجاه الأمر غير المعقول فالقبول بكلية القانون يتطلب اعلى المعدلات والحصول على البكالوريوس فيها يتطلب جهدا هائلا لا يوازيه جهد وظائف كثيرة يصل تقاعدها الى المليون ونصف المليون ، فضلا عن ان القاضي الواقف يبقى تقاعده بالحد الادنى حتى لو حصل على عشرة شهادات في القانون بامتياز وخدم الف عام

صحيح ان صندوق تقاعد المحامين غير مشمول بنسبة ال15% التي تضيفها الدولة ولكنه يتميز على صندوق الدولة بأن نصف المحامين بتقديري المتواضع يدفعون التوقيفات التقاعدية ولكنهم لن يستفيدوا منها كونهم موظفون متقاعدون اصلا ومنهم كاتب المقال .. وبالتالي يستلمون راتب الحد الادنى ولا يوازيهم في هذا التدني الا جهاز المخابرات المنحل بموجب البند صفر من المادة (ماكو) من تشريعات السيد احمد الساعدي النافذة لحد الآن ؟؟؟ وبما اننا افترضنا ان كل محامي يسند محامي أخر فهم سيضعون في الصندوق لأحدهم ما لا يقل عن 150 مليون دينار مع فوائدها المصرفية والاستثمارية خلال خدمتهما الطويلة تكفي لراتب تقاعدي بمليون دينار لفترة مناسبة وطبعا بلا حقوق تقاعدية (مكافأة خدمة او اجازات متراكمة او تأمين صحي ) كباقي الموظفين من (خلق الله) عدا المغضوب عليهم والضالين من الكيانات المنحلة .

ناهيك عن ان موارد النقابة كرسم الانتماء الباهض لخريج جديد اهلكته اقساط الكليات الاهلية ، والاشتراكات السنوية ورسوم الطابع الذي تطلبه المحاكم حتى عندما يسعل المحامي وغيرها الكثير كرسوم الشركات وكفالات الحجز الاحتياطي التي انصح بعدم بعثرتها على منح الزواج واجراء العمليات الجراحية وغيرها لأن العدل صعب التحقق في مثل هذه الظروف الشاذة التي استقل فيها احد النقباء السابقين (جكسارة) محصنة اما اعضاء النقابة فاستقلوا جكسارة غير محصنة تم شرائها رسميا من تلك الموارد .. وإحالة الموارد الى صندوق التقاعد لخدمة اصحاب الشيبة البيضاء كما يسميهم السيد النائب رعد الدهلكي لأن معيار توفر القيم لدى الدولة والمجتمع يكمن في آلية التعامل معهم ، ولا شك بأن ذلك افضل من تحويلها لأنشاء مسبح لا ندري متى تنفك عقدته ويكتمل .

21/4/2021

 

أحدث المقالات