القاضي الأمريكي الرحيم فرانك كابريو ..وداعا !

القاضي الأمريكي الرحيم فرانك كابريو ..وداعا !

لا يوجد مخلوق على سطح الكوكب الأزرق المبتلى بالأنانية والجشع والبخل والشح والاحتكار والرأسمالية البشعة والظلم والاستبداد والطغيان ،لا يخلب لبه ،ولا يجذب سمعه ، ولا يبهر بصره، ولا يأسر فؤاده ،ولا يأخذ بمجامع قلبه،ولايستدر دمعه،ولا يعصف بذهنه كم المواقف الإنسانية الرحمانية الراحمة أيا كان فاعلها من بني البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأعراقهم ،وعلى اختلاف مشاربهم ومذاهبهم و نحلهم ومللهم ،ولطالما كان الراحمون عبر التاريخ حول العالم ممن يشار إليهم بالبنان ليتحولوا بمرور الوقت الى أيقونات بشرية ورموز إنسانية ، تضرب بهم الأمثال والحِكم والشواهد والمواعظ ليتغنى بها الناس كابرا عن كابرا وعلى مدار قرون ،أو عقود طويلة ..إنها حقيقة دامغة كالشمس في رابعة النهار لا تحجب بغربال ، وبديهة من البديهيات لايختلف إزائها إثنان ، و مسلمة من المسلمات لا يتناطح عليها كبشان !
وما زال وسيظل العرب يتغنون بـ حاتم الطائي الذي عاش ومات في الجاهلية، إلا أنه كان معروفا بالجود والكرم والفروسية والمواقف النبيلة حتى أن النبي الاكرم ﷺ كان قد أطلق سراح ابنته “سفانة “بمجرد أن علم بأنها ابنة – كريم العرب – حاتم الطائي ،فما كان منها ومن باب رد جميل وكرم ورحمة الحبيب المصطفى ﷺ إلا أن أعلنت إسلامها في حضرته ، ليس هذا فحسب ، بل وذهبت من فورها الى أخيها عدي بن حاتم الطائي ، وكان قد فر بعيدا ودعته الى اعتناق الإسلام قائلة له ” لقد جئتك من عند أكرم الناس، يفعل ما لم يفعله أبوك، فالحق به قبل أن تلحقك حبائله”، ولما قدم عدي بن حاتم ، على رسول الله ﷺ ، قام له الحبيب الطبيب ، رسول الحق وحبيب الخلق ﷺ من وسادة ليف كان يجلس عليها ودفعها الى عدي إكراما له ولأسرته المعروفة بالجود والنبل والفروسية والكرم ….كيف لا وهو القائل ﷺ ” الرَّاحمونَ يرحمُهُمُ الرَّحمنُ . ارحَموا من في الأرضِ يرحَمْكم من في السَّماءِ ، الرَّحمُ شُجْنةٌ منَ الرَّحمنِ فمن وصلَها وصلَهُ اللَّهُ ومن قطعَها قطعَهُ اللَّهُ” .
ولله در أحمد شوقي القائل في رائعته “ولد الهدى ” في وصف كرم ورحمة وحلم رسول الله ﷺ:
وَإِذا رَحِــمـتَ فَـأَنـتَ أُمٌّ أَو أَبٌ ..هَـذانِ فـي الـدُنيا هُما الرُحَماءُ
وَإِذا غَـضِـبـتَ فَإِنَّما هِيَ غَضبَةٌ …فـي الـحَـقِّ لا ضِغنٌ وَلا بَغضاءُ
وَإِذا رَضـيـتَ فَـذاكَ في مَرضاتِهِ ..وَرِضـى الـكَـثـيـرِ تَحَلُّمٌ وَرِياءُ
اليوم بكى العالم بأسره ومن أقصاه الى أقصاه على رحيل القاضي الامريكي الرحيم فرانك كابريو ، بصرف النظر عن دينه وقوميته ولونه ، هذا القاضي المعروف بمواقفه الرحيمة داخل محكمة بروفيدانس بولاية رود آيلاند الامريكية ، والذي وافاه الاجل المحتوم بعد صراع مع المرض عن عمر ناهز 88 عاماً ، حيث كان هذا القاضي يعفو عن معظم الماثلين أمامه بقضايا مخالفات مرورية وغرامات جزائية ، وأحيانا يعمد إلى خفض غراماتهم إلى أدنى ما يمكن وبما يسمح به القانون، ولاسيما حين يتنامى الى علمه فقر أو مديونية أو بطالة أو مرض أو معاناة أحدهم ، وأحيانا كان القاضي كابريو لا يكتفي بالعفو عن المتهم الماثل أمامه ، ولا باسقاط الغرامة والدعوى المقامة ضده ، بل ويدفع له مالا لتمشية أموره لبضعة أيام أيضا، إما من جيبه الخاص ، وإما من تبرعات المحسنين، وبما هو موثق في عشرات مقاطع الفيديو المسجلة في أروقة المحاكم ،حتى صار هذا القاضي الانساني مضربا للامثال في الرحمة والنبل والكرم .
وبدوري استثمر هذا الحدث واقترح على اللجنة النرويجية المانحة لجائزة نوبل للسلام وفي حال عقدت النية مسبقا على منح الجائزة الى مواطن أمريكي تحديدا لهذا العام ، فلتمنحها إلى القاضي الأمريكي الرحيم فرانك كابريو ، بدلا من منحها الى الرئيس الامريكي اللعوب ، بطل القلاقل والفتن والحروب ، دونالد – است الأسد – ترامب !!
واقترح على الأميركان أنفسهم عمل استفتاء شعبي ، واستطلاع رأي جماهيري تشارك فيه كل المحطات ووكالات الأنباء ومعاهد استطلاع الرأي هناك ،بهذا الصدد لنضع الرحمة العابرة للحدود والمتمثلة بالقاضي كابريو وشعاره هو” الرحمة فوق القانون ” في كفة ، مقابل وضع النقمة المشؤومة المتغطرسة بلا حدود ولا قيود و المتجسدة في ترامبياهو في الكفة الأخرى لنرى بأنفسنا من الذي سيفوز ليظفر بتلك الجائزة العالمية لهذا العام ..القوة الرحمانية الراحمة، أم القوة المتجبرة الغاشمة ، وصنوها اللئيمة الناعمة ؟!!

أحدث المقالات

أحدث المقالات