20 ديسمبر، 2024 4:07 ص

القاتل المجهول وحسرات اليتيمة..!

القاتل المجهول وحسرات اليتيمة..!

في وحشة المساء ونحو باب الدار الكئيبة، هرولت قدماها الدقيقتان، يسيرهما الهم والذكريات ،بعدما سمعت أصوات الحزن والمأساة قادمة من فوهة البندقية، معلنة بداية همجية لعرس أحد الشباب.. ومع كل خطوة آه عميقة تشق جدران الصبر،حتى وصلت تلك الطفلة الصغيرة وفتحت الباب قليلا وتألمت وتأملت..
هل أنها مناسبة لموت أب جديد بعد أبي ؟!
مع كل اطلاقة تسيل منها دمعتان بريئتان؛ دمعة لفقد اﻷب، وأخرى لفقد أب جديد سيزهق التخلف روحه! فما أحن قلبها الصغير النقي من قلوبهم السوداء !
وبصوت خافت نادت: هل تعلمون أن رصاصاتكم تخترق قلبي العليل قبل أن تخترق صدور اﻷبرياء ؟! هل تقبلون أن تيتم بناتكم برصاصات غيركم؟ أم أنكم تخشون عليهن من شيئين كما تخشون على أنفسكم؛ تخشون على أعمارهن التي لا تطيق ألم فراق اﻷب، وتخشون أيضا من حسراتهن اللواتي يقطعن أفئدتهن ﻷن قاتل اﻷب غير معلوم حتى يتم القصاص منه !
هكذا أنا مررت بماتخشون منه ؛ فقبل شهر وفي يوم صادف فيه فوز لمنتخب بلدي الجريح في مباراة كروية، عبر قاتل أبي المجهول عن فرحه بالرمي العشوائي، كان نصيب والدي من رميه رصاصة اخترقت صدره الضمي بعد أن عاد من العمل ظهيرة صيفنا الملتهب،فسقط والدي ضحية عادة جاهلية، لا.. بل حتى الجاهلية كانوا يفرحون بسلام إلا نحن ! ومن ذلك الحين، أصبح جسمي الرقيق ممرا لتقاطع شهقات الفراق مع حسرات مجهولية قاتل أبي المظلوم.
من هو قاتل أبي ؟! من المستبعد أنه يعرف بأنه قاتل لنفس بريئة، وهنا سالت دموعها مرة أخرى ، وهذه الدموع ليست لفقد أبيها ولا لفقد اﻷب الجديد، وانما كانت حزنا على قاتل أبيها! ﻷنه ظلم نفسه وأبعدها عن رحمة ربه وقطع طريق الغفران، كذلك فإنه لايعرف من القتيل فكيف يتراضى مع ذويه ويدفع لهم الدية لتكون سببا ربما للمغفرة أوتخفيف العقوبة اﻹلهية ! يا لها من مظلومية كبيرة جناها بنفسه على نفسه!
بكت مرة أخرى، ولكن بدمع أحمر مصدره الحرقة على شباب نزفت دماؤهم بعد أن أصابهم العدو بغتة في سوح القتال مع الارهاب، وهم في حالة يرثى لها من قلة الذخيرة الحربية! فنادت بصوت عال لماذا تتناثر هذه الاطلاقات فوق مدننا الآمنة لتحصد أرواح اﻷبرياء وهناك من هو بأحوج مايكون لها في مدن القتال !
وهنا لم تتمالك الطفلة نفسها، وسقطت فوق الارض ثم اتكأت على الحائط الذي لا زال أثر حمرة دم أبيها المظلوم طاليا مساحة صغيرة منه، وشمت ذلك اﻷثر، وقالت منكسرة يائسة : رحلت يا أبي ضحية لهمجية فئة من المجتمع تعبر عن فرحها بالقتل !.

أحدث المقالات

أحدث المقالات