22 ديسمبر، 2024 11:58 م

الفيل .. في نهاية الذيل القصير : (حذاء فيلليني )

الفيل .. في نهاية الذيل القصير : (حذاء فيلليني )

في رواية ( حذاء فيلليني ) للروائي المصري وحيد الطويلة تتوزع المساحة السردية في ثلاثة مشاهد
*مشهد ماكان فيللني يحبه (9-18)
*مشهد كان فيلليني يحبه (19- 164)
*المشهد الأخير (165- 178)
يمكننا التعامل مع المشهد الأول كمناصة تقوم بتطبيع التلقي لدينا لدخول المشهد الأطول : المشهد الثاني .. أما المشهد الثالث فهو يحاول الأشتغال السينمي للنص الروائي ، الذي يبدو أكتملت صياغته السردية مع نهاية المشهد الثاني ..
هل نحن نقرأ نصين للحدث نفسه ؟ نص سردي كتبه المؤلف وحيد الطويلة
ونص (المشهد الأخير) كتبه المؤلف وحيد الطويلة بالتجاور السينمي الفيلليني ؟!
(*)
من محفل قراءتي للنص ينتقل سؤالي التالي إلى محفل كتابتي : (حذاء فيللنيي ) للروائي وحيد الطويلة :هل هي رواية صوتية ؟ أي يشغل الصوت مرتبة السيادة النصية فيها ؟ وسؤالي لادخل له بأطروحات باختين و عشيرته من الشكلانيين الروس . سؤالي علاقته بإشتغالي الصوتي الخاص ، الذي ثبتّه في روايات عديدة وأرسلت المخطوطة للنشر بصيغة كتاب للطبع .. يتضح الصوت في مناصة الإهداء .. يهدي المؤلف الروائي وحيد الطويلة روايته :
(إلى الذين صرخوا ولم يسمعهم أحد
إلى الذين لم يستطيعوا أن يصرخوا )
الفئتان عاطلتان عن التوصيل : التي صرخت والتي ما أستطاعت … لكن التفارق بينهما في البث فقط ، فالفئة الأولى صرخت ، لكن المرسل إليه لم يستلم بالفعل أو بالقوة .. الأشد وجعا هي الفئة الثانية التي انتزعوا منها حتى حرية الصراخ ولو في القبو ..
نلاحظ ذكورية الإهداء ساهمت بحذف الأنوثة من كلتا الفئتين !! لكن المكون الأساس للسرد : أكثر تقديرا للجندر من المؤلف ..هذا المكون السردي من المنصفين الصادقين وهو يوجهه خطابه الروائي إليهن (النساء هن من سيسمعنني ولو بأفئدة مكسورة، أما الرجال فقلوبهم مهشّمة وماتبقى منها تحول إلى حجر ../10) إذن لماذا المؤلف حذف النساء الصارخات من إهدائه ؟! هل لأن (الرجال هم الذين يرقصون في المناسبات الأممية أولا ً – أما النساء فمسموح لهن أن يرقصن أولاً في المناسبات الوطنية ثم المناسبات الشخصية وأن يطلقن الزغاريد قبل الرجال ../ 14) ..
(*)
*من هذا الصوت المدبّب وهم في أول الممر / 10
*رحنا نغني بصوت واحد هادر (وحدة مايغلبها غلاب ) /12
* ثم نعود إلى حالنا بأصوات عالية مرحبة نداري بها وجلنا / 14
*كنت أريد أن أصعد إلى غرفتي صاحيا أردد بصوت مسموع (وحدة مايغلبها غلاب) /15
*بدأوا عملية الإحماء الأولى بالصياح ../15
*لم يرتفع صوته في الأغاني الوطنية / 17
*قل آه
– آه
– قلها بصوت ٍ أعلى
– آه
– قلها كأنك تصرخ
– آه
– أصرخ
– آه
تأكدت ُ لأول وهلة أنني لا أستطيع أن أرفع طبقة صوتي ، أن أعبّر به عن الفرح أو الحزن أو الصراخ في كلتا الحالتين يبدو أنني قلتها بطبقة واحدة بنفس الطبقة ونفس التون ../19
* – أصرخ بكل مابك من قوة
– آه
من الواضح أنني مازلت ُ أؤدي نفس الأداء القديم ../ 21
* هذا الصوت مر على أذني من قبل
علو الصوت خرق روحي قبل أذني ، أيكون هو أيكون هو ؟ لالالا أعتقد
قلت ثانية : سبهم
راح يصرخ..
أيكون هو؟ أيمكن أن يكون هو ؟
أغلب الظن أنه هو، لكن عليك أن تتأكد تماما / 34
* وأنا أقول لداخلي بصوت واضح أيضا : هذا الرجل عذّبني .هذا الرجل عذّبني .
*أصرخ لكن صرختي لاتجاوز حنجرتي، صوتي صار طبقة واحدة فعلا .. كما قال لي البرفيسور الذي صادفته في بولندا ، لايرتفع ولاينخفض ، أعتُقل تحت نبرة واحدة وأصبح أسيرا لها ../ 107
*أصطادوك من لعبة الهمس / 120
*وأنت تريد أن تصرخ في وجهي بما ألمّ بك /122
*أنا الذي أتيت بك لتسمع فقط / 124
*صوت قبلات احتدام الشفاه، سوى لهاث وفحيح يطن أذنيّ /131
*عسى أن يصادف أذنك صوت ُ يشبه صوت جلادك ، كنت تتسمع كل كلمة بأربع آذان / 149
*لو كان بي صوت لصرخت / 177
عاطلة قراءة مَن لم يعرف السجن والسجان والمساجين لهذه الرواية وهذا القارىء عاطل عن الأجابة على السؤال السردي التالي (هل جربت أن تصطك ركبتاك وأنت تقف أمام ضابط أمن الدولة في غرفة خانقة لاترى منها سوى جدران صماء، كأنها بلا شبابيك، هي فعلا بدون شبابيك في قبو لاتعرف كيف دخلته ولاكيف ستخرج منه ../ 49) هذي التجربة بالنسبة لنا نحن العراقيين (زلاطة) مريحة مقارنة من الدخول التالي للمعتقل فالسجين مطاع نزل ضيفا في السجن لمدة ثلاثة أسابيع فأقام السارد الدنيا ولم يقعدها حتى نهاية الرواية .ولأن الرواية ذات مناخ سوري : أعان الله شخوص (السوريون الأعداء) للروائي السوري فواز حداد *

(*)
السجين مطاع يعيدني إلى جوزيف .ك . في محاكمة كافكا كلاهما لايعلمان لماذا السجن / ص54وهذه الكافكوية سمة السلطات العربية كافة ..وبشهادة الشيطان (لم يعرفوا لك تهمة يحاسبونك عليها لذا راحت الأقدام تتقاذفك كأنك الخطايا تجسدت فيك ../ 114) لكن في الصفحات الأخيرة من المشهد الثاني للرواية سيخبرنا سارد مباغت اسمه الحركي(مأمون) أن اعتقال مطاع حدث سهوا !! ..هنا تحديدا تمنيت على المؤلف الروائي وحيد الطويلة : لو أكتفى بشهادة الشيطان فهي أجمل من شهادة مأمون الذي تكرر اسمه أثناء التحقيق ،فالسهو في الرواية العربية لايختلف عن المصادفات في الأفلام الهندية والمسلسلات التركية المدبلجة إلى اللهجة اللبنانية !!
(*)
حذاء فيلليني علامة فارقة تخص مطاع
*حذاؤك كبير كحذاء فيلليني / 15
*يشرب على مهله ببطء شديد يثير الريبة ، ولم يرتفع صوته بالأغاني الوطنية، وحذاؤه كان كبيرا كحذاء فيلليني / 17
*هذا هو سبب علاقتك الخاصة بفيلليني التي لايعرفها أحد وبجملته التي عرفت طعمها الآن : لاشيء أصدق من حلم. حلمت أن تقابله لتقتص منه وجاءك على تروللي برقبة معوجة جاهزا للذبح كما لم يحدث في أفلام فيلليني نفسها / 44
*أنت تعرف فيلليني وتقرأ قصص أجاثا كريستي بابن الكلب / 46
*تتذكر فقط اللعبة التي لعبها أحد أبطال فيلليني حين أحتجزوه …خلع حزام بنطاله وراح يخط بحلقته المعدنية على الحائط اليوم والتاريخ هم يريدونك أن تنسى التاريخ والأيام ./ 54
*هل أصدق فيللني ؟
هل أمشي وراءه وأنا الذي طاردته طيلة حياتي كلها حتى صار كل من يعرفني ولايعرفني يسميني : فيللني الشام أو مجنون فيلليني / 123
*لاتنس أن حذاءك الذي أشتهر بأنه حذاء فيلليني ربما هو من أوقعك، كانوا يشيرون به عليك : الذي يلبس حذاء فيلليني أو مجنون فيلليني / 161
*دعك من ألعاب فيلليني، سوف يصور النهاية عدة مرات، ثم يختار النهاية التي تناسبه هو ، وأنت عليك أن تختار النهاية التي تناسبك أنت / 171
(*)
*أمالي الحكومة : السياسي السجين تلزمه السلطة بسردية مبأرة بمزاجها وريبها فعليه أن يكتب سيرته حسب ما تريد هي وليس حسب ما عاشها كاتب السيرة (أكتب يابن القحبة، أكتب كل ماحدث لك في حياتك / 39).. آمالي سردية بمزاج الجلاد (سبعة أيام أتسلم الورق والأقلام لأحكي حكايتي كاملة كما كتبتها أمس ) (أكتب كنملة يابن القحبة ) ويكون الأمر مشفوعا بالعنف اليدوي (الصفعة إياها تلتها صفعة أخرى ضرورية عدلت وجهي في اتجاهه الطبيعي ../ 41).. وستقوم الحكومة بالحذف وليس الكاتب وكلنا نعرف أن حكوماتنا ماهرة بكل أنواع الحذف (حين كنت أكتب كانوا يحذفون لفظ الرحمة من اعترافاتي ويضعون عليها خطوطا حمراء../ 42) وإستجواب السجين تصنعه الركلات والقبضات في البدء ثم تزمجر التقنيات (لم أكمل جملتي ، لا أعرف من أين تأتي الركلات ولا كيف دخلت الكهرباء في جسمي ولا كيف خرجت ولا كيف أفاقوني ومتى ، ولا أين نحن الآن / 46) ..في سجون عبد الناصر كان السجين يؤنث تسمويا وعليه أن يصرخ عاليا : أنا مره ، وثبتها بطريقة قصصية نجيب محفوظ في قصته القصيرة الجريئة ( السكران يغني) وفي العراق مثلها الممثل العراقي الكبير يوسف العاني (عبود يغني) وتشهد كتب الأخوان المسلمين والشيوعيين وغيرهما على ذلك الامتهان الأكبر..
أحداث (حذاء فيلليني) لاتدور في مصر وإدارة السجن لاتطالب السجين مطاع بكتابة سرد عبر أماليها هي فقط بل ستغيراسمه أيضا : (اسمك مطيع منذ الآن يابن المحروقة، أعد كتابة كل ماكتبته وابدأ باسم مطيع، هو اسمك منذ الآن حتى تموت قريبا ../ 47)..وحتى بعد إطلاق سراحه سيكون الاسم الثاني الحكومي : اسمه الأول وبقناعته المنكسرة بكل شيء في الوجود ..(اسمي مطيع نعم لم استطع أن أغيره منذ ولدت ثانية وخرجت إلى العالم .أنا خرجت واحدا آخر لذا اسحققتُ اسما آخر، عندما عدت إلى العيادة قمت من تلقاء نفسي بتغيير اللافتة من مطاع إلى مطيع /50) أما الجلاد الضابط الكبير الذي اسمه الحركي (الكعب العالي ) فله رأيه السلطوي في تغيير اسم السجين (أنت الآن صرت مطيعا بدلا من هذا المشوه المدعو مطاعا / 102) ويذهب الضابط بعيدا في تخريفاته القمعية
(والذي كان يعشق عربيدا اسمه فيللني يريد أن يعيد صناعة العالم على مزاجه، أنت أصبحت الآن تعرف قيمة ماو وليس فيللني الأخرق ../ 102) ثم سيلتبس القصد على السجين وهو طليق كأنه الفيسكونت المشطور في رواية إيتالو كالفينو (من الذي يحكي الآن، مطاع أم مطيع ؟ لا أدري يجب أن أعرف من معي الآن لأدعوه إلى الشراب ، لو كان مطاعا فربما ينسى نفسه بعد زجاجة ويحكي لي الحقيقية ولماذا هجرني ؟لم أفعل له مايجعله يقاطعني ويغيب عني، ولو كان مطيعا فسأدعوه أيضا، صار صاحبي كأنه يسكن في ./ 102) ..وستنشطر التسمية بين أثنين الشيطان وفيللني ..الشيطان يعلن (أخاطبك باسمك الذي تعيش فيه ، لم أشأ أن أذكرك باسمك القديم .أنت متسق ومتناغم مع الجديد ../ 112) أما فيللني (أحلم بمطاع ، اجذبه بقوة من ماضيك، وإذا كان من الواجب أن تقتل أحدا فاقتل مطيعا، الشيء الذي يجب أن تعشقه وتحرص عليه أن ترى صورتك في المرآة، ترى مطاعا في مطيع ، عليك أن تتخلص من الأدران وتعطي لحياتك قبلة جديدة، ودعك من الحلم الغائم ./ 117) ولايختلف مدرّب الشياطين في رأيه مع الشياطين أعني الضابط الجلاد
(الآن أنت مطيع اسماً ومعنى / 124)

(*)
خطاب السارد سيصلنا من خلال جهوية الجلاد..أعني السارد وهو السجين الطليق المعالج النفسي حامل شهادة ماجستير من بولندا: (أنفي انكسر حين كنت أجلس القرفصاء على الأرض أمامك، تحطم من عدة ركلات متتالية / 51) ثم سيكون بضمير المخاطب كأن ثمة من يملي على السارد أمالي الإنتقام : (عذّبه إذا عذّبه حتى تتغير ملامحه أيضا،حتى ينظر في المرآة فيراك يرى وجهك مرة ووجوه الضحايا على التوالي ..)
ثم يؤثل جهة أخرى هي القارىء ( هل تعرف عزيزي القارىء حين يحضرونك للأستجواب ولايفعلون بك شيئا سوى أن يتركوك فجأة في غرفة الضابط ثم تصلك معزوفة الصراخ الأبدي وأنت مقرفص على ركبتيك من الأساس / 52)
ثم يعود للمنولوغ ( أنت لاتعرف أساسا لماذا أخذوك حتى اليوم لاتعرف ماهي تهمتك ../54)
ثم يدخل سارد آخر هو البنت جارة مطاع أو مطيع ../ 70
كما تدخل بعد ذلك زوجة الضابط / 77.
*المفصل -8- بصوت الجلاد
*المفصل -9- حوارية خمرية بين مطاع وفيلليني /107
وهناك المفصل -10- حيث يكون السرد هو الجلاد / ص123
*المفصل -11- حوارية بين : مطاع وفيللني
(*)
لعبة العجز الجنسي كمعادل موضوعي لعجز ثان : استهلكتها القصص القصيرة والروايات العربية منذ هزيمة حزيران وفي السقوط السياسي للسجين اليساري أثناء التعذيب ،وهاهو المؤلف يستعملها ضد السلطة وسلاح الذكورة لدى الجلاد يعيدني لسلاح مصطفى سعيد (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح . وبشهادة الناقد جورج طرابيشي وهو يتحدث عن مصطفى سعيد ..(أن الشهوة الجنسية عند مصطفى سعيد تزدوج بشهوة القتل ../ 152- شرق وغرب / رجولة – أنوثة ).
—————————————————————————–
*وحيد الطويلة / حذاء فيلليني / منشورات المتوسط / ايطاليا / 2016
*أنا فيلليني / اعداد : ش . شاندلر/ ترجمة عارف حديفة / دار المدى / ط1/ 2014
*فواز حداد/ السويون الأعداء / دار رياض الريس / بيروت / ط1/ 2014
*مقداد مسعود / المكان آيدلوجيا /( السوريون الاعداء) انظر المواقع / الحوار المتمدن / الناقد العراقي / مركز النور/ موقع معكم / مجلة معارج/ موقع بصرياثا ..