27 يوليو، 2025 10:34 ص

الفوضى الذكية: الخطة المرعبة لتدمير الدول من الداخل

الفوضى الذكية: الخطة المرعبة لتدمير الدول من الداخل

حسابات مجهولة على الفيس بوك تبدأ بإطلاق التحشيد الإعلامي لاحتجاجات في يوم محدد من السنة. لا توجد قيادة واضحة لهذه الدعوة وإنما يكتفي المجهولون بإطلاق اسم جذّاب على حملتهم.
الغطاء العام لهذه الاحتجاجات هو المطالبة بإصلاحات وخدمات، فتتحرّك مشاعر اليائسين الذين أرهقهم الفشل وتراكم الأخطاء الحكومية، فينزلون إلى الشارع حاملين شعارات الأمل، غير مدركين أن المسرح قد أُعدّ مسبقًا لحدث أكثر ظلامًا.
ففي الخفاء انزوت مجاميع منظّمة، دقيقة، تنتظر اللحظة المناسبة. لا لتشارك، بل لتستهدف المشاركين، فتختار أبرز الناشطين لتطلق عليهم رصاصها، فتسقط الضحية الأولى.
وتبدأ المرحلة الأخطر من اللعبة حين تتسلّم جهات غامضة على مواقع التواصل زمام السرد، فتُعيد رسم العناوين بصياغة متقنة: الدولة متهمة، الحشد الشعبي تحت النار، وإيران في مرمى الاتهام بالتصفية المتعمدة.
لا أحد يطالب بدليل، فالرواية تُبنى على انفعال اللحظة لا على أساس التحقّق والتقصّي.
هذه ليست عشوائية، إنها الفوضى الذكية. لعبة شيطانية لا تبحث عن الاحتجاج كوسيلة للإصلاح، بل عن الاحتجاج كفرصة لتنفيذ المخطط الذي يسقط الدولة من داخلها، بأدوات تبدو شعبية، ولكنها مصنّعة بدقة خلف الستار.
الغريب أن هذا السيناريو، بكل تفاصيله المرعبة، لم يكن حكراً على العراق وحده، بل جرى تطبيقه حرفيًا في إيران عام 2022، مع انطلاق احتجاجات خلع الحجاب عقب وفاة مهسا أميني.
سقط خلالها عشرات القتلى بظروف غامضة، وبطريقة تذكّرنا بتلك التي سقط فيها ناشطون عراقيون تحت راية “الإصلاح”.
والمفارقة أن حسابات على مواقع التواصل في إيران اتهمت حينها الحكومة الإيرانية بالاستعانة بـ”الحشد الشعبي العراقي” لقمع المتظاهرين الايرانيين!
فمن المستفيد يا ترى من زرع الفرقة والحقد بين الشعبين العراقي والايراني؟ ومن هو العدو المشترك للشعبين؟
ما جرى وقد يجري قريبا، يكشف نمطًا من ادارة الفوضى في المنطقة تقف خلفه غرفة عمليات واحدة بأذرع عديدة.
ولاشك أن من يبتكر مثل هذا السيناريو لا يخدم قضية، ولا يهمّه الوطن بمن فيه، بل يُريد هدم كل ما تبقّى من الاوطان وتدمير الثقة بين الشعوب ونشر الكراهية والحقد والعنف.
يفخّخ المطالب الشرعية، ليحوّلها إلى مقدمة فوضى، ثم يغذيها باتهامات مركّبة تنسف كل مؤسسة رسمية.
ولأن اللعبة ذكية، فإنها لا تستخدم الجيوش، بل التغريدات. ولا تُحرك الدبابات، بل الصور المعدّلة والمقاطع المجتزأة. ولأنها تبدأ بالضحية، تنتهي بجلد الدولة.
هذه الحرب لا تُواجه بالسلاح، بل بالوعي. فإن لم نُفرّق بين الرصاصة الشريفة وتلك المندسّة، وبين من يصرخ من ألمٍ ومن يصرخ بأجر، سنجد أنفسنا على هامش التاريخ، نكتب روايات عن اوطان ضاعت!
للمواطن كل الحق في أن يصرخ بوجه الفاسدين، وأن يطالب بالتصحيح دون وجل. لكن عليه أن يُبصر جيدًا طريقه، فالحناجر الصادقة قد تُستثمر، والأحلام قد تُختطف، حين تتسلّل إليها الشياطين التي احترفت المتاجرة حتى في معاناة الشعوب.
لقد وضعتنا مراكز الدراسات الغربية تحت المجهر، لا لتفهمنا، بل لتصمّم خطط الإرباك الممنهج، من أجل إضعافنا، ثم تفكيكنا، ثم استلاب أوطاننا قطعةً قطعة.
نحن على أعتاب حقبة استعمارية لا تشبه الحقب القديمة، فلاجيوش تدخل المعركة قبل ان تتمكن شياطين الانس من تهيئة طرق العبور بنشر الفوضى وتمزيق المجتمعات.
فلنكن حذرين، فالعدو هذه المرة لا يأتي من خلف الحدود، بل من بين الصفوف.

أحدث المقالات

أحدث المقالات