23 ديسمبر، 2024 6:56 م

الفوضى الإدارية في العراق (الجديد) ؛ محافظة بابل أنموذجاً

الفوضى الإدارية في العراق (الجديد) ؛ محافظة بابل أنموذجاً

بدأت هذه الفوضى في السنة الأخيرة من دورة مجلس المحافظة السابق ، وقد روّج لها المرشحون ومن بينهم المحافظ السابق الذي وعد بإنشاء نواح ٍ وأقضية جديدة خدمة ً لحملته الانتخابية ، ثم تطور الأمر وحدثت تداعيات خطيرة ، فأغلب أهل القرى اليوم يريدون تحويل قراهم إلى نواح ٍ ، ومثلهم أغلب أهل النواحي يريدون ترقية نواحيهم إلى أقضية ، أما أهل الأقضية فيطالبون فقد استعدوا للمطالبة بجعلها محافظات ، ولو جعلت محافظات لطالبوا بالإقاليم ، ومن يدرينا فلو حولت إلى أقاليم فربما طالبوا بالانفصال التام وإعلان الاستقلال !!
     الذي شجع على هذه الفوضى الإدارية فضلاً عما أسلفنا كدعاية انتخابية من بعض المرشحين المفلسين ؛ هو عدم وجود قوانين واضحة بهذا الشأن كما كان في العهود السابقة ، فلم يكن يحدث أمر من هذا القبيل (ترقية قرية إلى ناحية أو الناحية إلى قضاء) إلا بإرادة ملكية أو مرسوم جمهوري أي بموافقة أعلى سلطة في الدولة العراقية ولأسباب موضوعية تقتنع بها الحكومة بعد دراسة تقدمها جهات وزارية متخصصة قبل أن ترفع لاستحصال الموافقة عليها وصدور الإرادة الملكية أو المرسوم الجمهوري بشأنها ؛ أما اليوم فيكفي أن يصوت أعضاء مجلس المحافظة وأغلبهم من الأميين الذين لا يفقهون في القانون أو الإدارة أو التاريخ والثقافة عامة شيئاً ؛ أو الباحثين عن وجاهات ومناصب لأقاربهم ؛ نقول يكفي أن يصوت أعضاء هذا المجلس ليغير الواقع الإداري للمحافظة من دون معرفة أو تفكير أو حساب لما سيحدث بعد ذلك من عواقب .
     إن رفع المستوى الإداري لقرية يستوجب استحداث إدارة ناحية ومجلس بلدي منتخب يتولى اختيارها ، وهذا غير ممكن حالياً ، كما أن فيه إثقالاً على كاهل الخزينة ، إذ ستدفع رواتب ضخمة ومخصصات وغيرها من دون مبرر ، ويتطلب هذا الأمر أيضاً إنشاء مجموعة من الدوائر الضرورية هي أصلاً غير موجودة في النواحي القديمة التي تريد الارتقاء إلى أقضية كالتسجيل العقاري والضريبة والأحوال المدنية وغيرها ، وبالتالي ستولد نواحي فاشلة تضاف للنواحي الفاشلة السابقة .
     هناك قضية مهمة ستزيد من مشاكل البلد عامة والصراعات المحتدمة بين مكوناته في وقتنا الحاضر ، وهي تتعلق بالتجانس الاجتماعي الحالي في محافظة بابل ، فالنواحي الحالية وكذلك الأقضية هي خليط من عشائر ومذاهب مختلفة منصهرة في وحدة المواطنة والمصالح المشتركة ، ومتعايشة سلمياً من دون مشكلات ضمن وحداتها الإدارية ، وفي حالة تحويل القرى إلى نواحي فستصبح مجتمعات منفصلة ومنغلقة على نفسها ، وتطفو اختلافاتها العشائرية والمذهبية مع المجاور لها ، فيولد التعصب ، وتسود النعرات وتستفحل المشكلات التي ستزيد الطين بلة في هذا الوقت العصيب .
     وهكذا تتعدد الصعوبات والمشاكل في نتائج هذه الفوضى الإدارية ، والمطلوب إلغاء ما حدث منها ومنع الجديد الذي صار يتكاثر يوماً بعد آخر ، ويحتاج إلى قرار صادر من الجهات العليا في الدولة العراقية لإيقافه ومنعه قبل فوات الأوان .