لازال العنوان الأبرز لمقالتي البسيطة “الفن الشبابي” نقلب صفحة الموسيقى وننتقل لصفحة جديدة اليوم، نوع من الفن مبدعيه شخصياتهم مرهفة و عميقة سادة هم في الوصف فكيف يا ترى لكلماتي أن تصف فنهم؟.
يقول: لا وجود للفن في بيئة ملوثة
قرأت هذه الجملة عدة مرات فنقلت خيالاتي إلى سنون طفولتي في “مملكة تنهينان” أو كما يسميها أبناءها “تمنغست” وبما أني تررعت بين جبال تلك الأرض وتحت سمائها ماد بي خيالي إلى سنين ماضية 2001، 2002، 2003،
حيث كانت تمنراست ملوثة بأمرين محفورين في ذاكرتي ولا يمكنني انتزاعهما أولا: “السيليسيون” أي تعاطي مادة الغراء كمخدر
وقد أودت بالكثير من أبناء المنطقة والثاني: الحرب بين الأحياء و تكون مخلفاتها دائما الكثير من الجرحى و المتورمين بسبب الضغينة بين أبناء حي و الحي الآخر كأنك تعيش جو عصابات.
هذا ما قادتني إليه جملة الفنان المبدع
ولكن شتان بين البينين تلك السنين وهذه الأمر مختلف تماماً لأننا في هذه الفترة نلاحظ تطوراً ملحوظاً للفكر الشبابي
والوعي المجتمعي حيث كثر المبدعين بشكل رائع جداً.
ما يجعلنا اليوم نشهد بأم أعيننا الجمال الخلاب الذي ينبعث من لوحات التشكيلي “نجمو” حقيقة هذا الفتى ينقلك بلوحاته لعالم آخر هنا حيث تستقبل الفسلفة من خلال عينينك.
إن من أكثر ما قد يوقعك في بحر من الحيرة “ككاتب” سؤال بسيط هل أكتب عن الفنان أم فنه؟ الإختلاف بينهما كبير ورطة تدفعك لحب الفن بأشكالٍ جد غريبة.
“نجمو” كشخص رجل مثقف لأبعد الحدود و صاحب رأي ثابت لا يجيد العبث يعطي كل ذي حق حقه العمل شيء، النقاش شيء و المزاح شيء آخر وكل أحكامه لا تبنى مطلقاً على العاطفة وكلمته يقولها مباشرة دون حاجته للفٍ أو دوران فللجدية في حضرته عنوان قاسي المظهر قليلاً يقابلك دوماً بالإبتسام.
ستقول هل يكون القساة فنانين فأرد عليك أن هذا “الأسمر” حين يمسك الريشة و يتقابل وجها لوجه مع الصفحة البيضاء للوحة يتحول تماماً إلى إنسان مرهف الحس دقيق التفاصيل مبدع بشكل جنوني
كلما نظرت إلى لوحاته تحس ذلك الإشعاع الغريب الذي يتسرب منها آخذا طريقه لروحك.
فتتشرب بعينيك شيء خيالي لا تستطيع وصفه لتجد نفسك بغير الواقع الذي كنت، يجعلك تقف أمام الحقيقة المرة للحياة ولكن أيضا بنفس الألوان الزاهية التي تخفي فيها نفسها فلا تعلم هل تبكي بسبب تلك الرسائل التي ينقلها لك عن الواقع؟ أم تبقى فاغر الفاه أمام تلك اللوحات التي تُشعرك أنك تنتمي لها وتقنعك أنه يتوجب عليك الإندماج معها و ألا تبقى بشريا في هذا الواقع الذي يعج بالنفاق.
لم أكن يوماً بذلك الذكاء الذي يجعلني أكتشف كل الأسرار التي تخفيها اللوحة فذلك يأخذ مني الكثير والكثير من الوقت ولربما إن فعلت أنجح في فهم رسالة واحدة.
بالنسبة للوحات إبن تمنراست أنت لا تحتاج للبحث في المعاني لأنك لابد و أن تجد لوحة تحمل جزءاً من روحك المفقودة
كأنه يعرف الجميع فيعكس حقيقتهم وأحاسيسهم في رسوماته دون الحاجة لأن يلتقي بهم.
خلف الرسائل العميقة لهذه اللوحات ستدرس أنواع ومدارس أخرى من الفلسفة وكل ما تحتاجه هو عين تنظر بها لهذا الإبداع الذي تتقيأه ريشة “نجمو” كل مرة بأشكال و أفكار جديدة دائماً.
كُلما قُلت أن لي صديقاً تشكيلي أول من يخطر على بالي هو لأنه ربطني بفنه الرائع.
في أول حضور لي لمعرض فنان تشكيلي كان بمعرضه الخاص فور وصولي بعد أن رحب بي مباشرة أول ما فعله سحبني من يدي في رواق رسوماته المعلقة متجاهلا إياها كاملة مركزاً على لوحة واحدة فقط وقال برأيك عن ماذا تعبر هذه؟ فقلت بدهشة “زنزانة” نعم قد مثلت تلك اللوحة الفكرة الجوهرية لمجموعتي القصصية زنزانة 1.1 ففي تلك الفترة قد وقعت عقدها مع دار النشر.
لا أكتب عن هذا الفنان كونه صديق فقط على العكس بل لأنه بعمله جعلني أكتب عنه بشغف لإعطائه حقه وهل يمكن أن تملك الكتابة معنى أسمى من الحب؟
حباً في أعماله الرائعة “فيلسوف الريشة” نقلني الكثير من المرات لعالم ولو زرته كوني كاتب أو محب للرسم أو حتى لأني أخربش في ورقة الرسم أحيانا إلا أن له ذوقه الخاص في ذلك العالم ويجيد كيفيات دفعك لتذوق تلك اللذة التي يصنعها بحبه الشديد للرسم.
لا أنسى أيضاً أنه قد رسم لي بورتري جميل جدا أبدع فيه بنحت تفاصيل وجهي بقلم الرصاص على ورقة.
و قد خانتني الظروف الكثير من المرات لزيارة ورشته، عالمه الخاص الذي يخفيه عن متناول الجميع إلا لأشخاص نادرون جدا حسب رأيه يستحقون أو يملكون الحق بمشاركته فلسفته و التمتع بالبحث داخل متاهاتها.
و إنه ضمن قائمة أهدافي حين أزور مدينة تمنراست في زيارتي القادمة أن أتجول في ذلك الصرح الفني الخاص “بنجمو” بإذن الله تعالى.
أتمنى حقاً بهذه الكلمات البسيطة أن أكون قد وفيت لهذا الفنان ولو القليل لهذا الجمال الذي يقدمه لنا ويشاركنا إياه في هذه الكلمات البسيطة جداً.
مع التنويه أني سأكتب عن المزيد من أبناء الصحراء الجزائرية المبدعين في شتى الفنون.