22 ديسمبر، 2024 8:22 م

الفنان والإعلامي نصر حنون رشيد

الفنان والإعلامي نصر حنون رشيد

البابليون على مدى تاريخهم الحضاري الفكري والعملي حرصوا على إبراز مكامن القوة في مدى جدهم وإخلاصهم وتوجههم نحو الحفاظ على تراث هذه المدينة المعطاء، ولأن الحلة أعطت كان لزاما على أبنائها البذل في مختلف فنون الحياة، والمحتفى بسيرته اليوم نموذج فريد لمن قدم الغالي في سبيل رفعة المسرح والإعلام والحياة على حد سواء، ومن واجب بابليون وواجبي أتجاه هؤلاء الكبار البحث والتوثيق والكتابة.
الاسم الكامل: نصر حنون رشيد العبيدي
التولد والمدينة: الحلة 1957م
السيرة العلمية: خريج كلية الفنون الجميلة / قسم الإخراج/2008
السيرة العملية: عضو نقابة الفنانين العراقيين عام 1978م
البدايات:
عام 1971م شارك في أول عمل مسرحي تم عرضه على قاعة التربية، وهو في المرحلة المتوسطة، وتوالت الأعمال في مركز شباب الحلة مع مجموعة من زملائه، في الأعوام التي تلت 1972 ميلادية، شارك في تأسيس فرقة بابل للمسرح عام 1975م، كذلك ساهم بأول عمل مسرحي قدم في المقهى (مسرح الشارع) في العام نفسه.
التنافس الكبير الذي كان يسود فناني بابل آنذاك دعاه أيضا الى المساهمة في تأسيس مسرح الشرطة إضافة الى مسارح أخرى، لم يكن ممثلا فقط بل ساهم كمصمم ومنفذ ديكور أيضا في كثير من الاعمال.
بدأ العمل في مجال الإعلام منذ العام 1976م فقد عين في الإذاعة والتلفزيون (محطة جبلة)، وينقل عنه أنه كان يقضي معظم وقته ليلا (موظف خافر)، في التصميم والديكور للأعمال المسرحية.
طيلة حياته ومنذ الدراسة المتوسطة حرص نصر حنون على أن يكون مسرحيا مبدعا متسلسلا في صعوده غير مكترث للعقبات والإحباطات التي تصادفه فهو كثر العمل قليل الكلام يضع نفسه بكل تفاصيل المسرحية من نص وتمثيل وتصميم وديكور وحتى إداريات العمل ككل، فالكل هنا يشيد به وبتعبه وحرصه واجتهاده من زملائه وأساتذته ومتابعيه، ويعطي جل وقته ووقت عائلته لنجاح الجميع ولو على حساب نفسه.
الفنان الدكتور عباس التاجر يقول: (الطيب القلب الخلوق المتواضع جدا جدا والسخي والمحب للأخرين لا يتوانى عن العمل في اي وقت وفي اي مكان يحب الحياة والفن، ويريد ان يقدم اشياء كثيره لكن لا يسعفه الوقت، يتغلب على الحزن والفقر بابتسامته اللطيفة المحبوبة لا يهمه من امور الدنيا فقط الصحة والستر ويقول هذا يكفي والحمد لله في بعض الاحيان يتأخر عن موعده بسبب كثرة ارتباطاته لكن المقابل لا يزعل منه ابدا بسبب ابتساماته اللطيفة).
غالبا ما تشاهد الراحل نصر حنون في أسواق الخشب وبائعي مادة الكارتون الورقي ومعه شاكوشه ومساميره، فجل أصحاب تلك المحال في محلة المهدية يعرفونه لأنه دائم التردد عليهم لاقتناء مواد الديكور المسرحي فهو لم يشتهر كمنفذ ديكور لكنه محب للعمل ولأن يكون بأجمل صوره فهو يضع نفسه دائما في الصدارة، وكان الجميع يشاهد فرحه وابتسامته عندما يفوز العمل بأفضل عمل من حيث الديكور وهو ما حصل معه على خشبة المسرح الوطني (كان يرسم ويخط وينفذ الديكور بكل تفاصيله) وهو ما جعله يحصد الجوائز تلو الجوائز.
غالب العميدي الذي شغل منصب نقيب الفنانين في بابل يوما ما والصديق والزميل الحميم للفنان الراحل يقول: (لماذا ياحبيبي؟ ابهذه السرعة ترحل ودون مقدمات؟ على الاقل لو منحتني فرصة جلسة اخيرة نستذكر فيها تاريخنا المشترك.. نستذكر أعمالنا المسرحية.. اتذْكُر يا نصر كيف كنا نتفانى من اجل ان يخرج العرض المسرحي الى الناس؟ انا اراك الآن أمامي وانت تتنقل من مساعدة منفذ الديكور الى مساعدة منفذ الاضاءة.. وحتى المؤثرات الموسيقية.. وفوق كل ذلك انت ستمثل شخصية في العرض.. ما هذا؟ ها أنت الآن أمامي تضحك ملأ شدقيك لطرفة من صديق أو شطحة لسان لآخر..).
المسرحي المحترف:
في بداية التسعينيات انتقل الراحل نصر حنون العمل مع أسماء كبيرة وأكاديمية من بينها د. محمد حسين حبيب وأحمد خليل وغالب العميدي و د. علي المهنا و د. عادل حامد, و لتعلقه بمجموعة الأعمال المسرحية كان رحمه الله يسطرها لك عن ظهر غيب فهو شديد التعلق بأعماله المسرحية الكثيرة و الكبيرة و يروي لك تفاصيل العمل المتعب منها و المضحك و الطريف , فهو يجيد كل الأدوار من بائع المواد المستهلكة الى المعلم الى المهرج الى الانسان المترف و المعدم, و بدأ آنذاك بالتنقل بين المحافظات و على خشبات مسارح متعددة وهو بشهادة الجميع يصرف على بعض الأعمال من جيبه الخاص و يمثل بالمجان لشدة حبه للعمل المسرحي.
الدكتور شاكر عبد العظيم جعفر يقول: (نصر حنون ذات هائمة بحب العمل، لم تمنعه اي ضائقة او عقبات عن الاستمرار في تقديم ما يسعد الناس، فمرة تراه فارسا مسرحيا واخرى عبر الميديا فنانا تلفزيونيا، او اعلاميا دؤوب، رحل وهو في عنفوان نشاطه، فكان رحيله مفاجئا وصادما لنا، له المغفرة وله جنات النعيم بأذن الله تعالى).

الإعلامي المتميز:
نصر حنون رشيد كانت بدايات تعيينه فنيا في محطة جبلة التابعة للإذاعة و التلفزيون ثم انتقل الى محطة الشوملي عند افتتحاها , لكن عمله الفني أو الهندسي مع مرسلات البث لم يمنعه أولا عن المسرح و التصميم و الديكور ولم ينقطع عن أصدقاءه و نقابته الفنانين , فهو أختار نظام الخفارات ليكون متواصلا طوال اليوم مع المسرح , وثانيا لم يمنعه أيضا عن التدخل في الشأن الإعلامي و محاولته أن يكون إعلاميا و مصورا بالذات , فأول ساعات سقوط الصنم في 2003م أستغل غياب السلطة و بدأ بتأهيل الأستوديو الإذاعي و التلفزيوني في محطة الشوملي و بمساعدة زميله المهندس جلال عبيد أستطاع البث بإمكانيات بسيطة جدا .
في العام 2005 أسس مكتب قناة العراقية مع زميليه جلال عبيد وأحمد جنجون ليكون أول مكتب إعلامي رسمي في بابل حيث أصبح المهندس جلال عبيد مديرا للمكتب والإعلامي أحمد جنجون مراسلا والمرحوم نصر حنون مصورا واستطاعوا تثبيت مكتب العراقية الى يومنا هذا، ثم بعد العام 2005 توالت الأسماء والإدارات على مكتب العراقية التي أصبحت بعد ذلك محطة متكاملة للبث تحمل أسم (محطة بابل) التي تعود إداريا الى مديرية المحطات الداخلية في شبكة الإعلام العراقي، والتي بقي فيها نصر حنون موظفا الى سنة تقاعده قبل سنتين من الآن.
يقول المهندس جلال عبيد: (في عام 2003 وبعد سقوط النظام أستلمنا مسؤولية محطة الشوملي وهو كان موظف في هذه المحطة وعندما بدأ الاعمار والتوسع في المحطة كان يساعدني في الأشراف على أنشاء أستوديو اذاعي واستوديو تلفزيوني وفعلا في الانشاء وبعدها حققنا سوية مكتب تلفزيون العراقية في الحلة وكان هو يقوم بدور المصور حيث اشترينا كاميرا صغيرة من الاسواق المحلية وبقينا على هذه الحال الى ان تم تجهيزنا بكاميرا كبيرة من الشبكة وفي هذه الأثناء بدأ العمل يتوسع حيث انضم ألينا كادر فني جديد ومنهم الأخ احمد جنجون والذي شارك في الكثير من نشاطات المكتب واستمر المرحوم نصر حنون في نشاطه وهو تشغيل s.n.g والتي تستخدم في البث المباشر الى ان احيل على التقاعد له الرحمة والمغفرة عند رب رحيم).
أما عن تجربتي الشخصية معه ( عندما كنت مراسلا لقناة العراقية الفضائية من العام 2007- 2014م , كان الراحل نصر حنون يعمل فني إرسال على جهاز البث الفضائي و يقوم بمهمة أرسال تقارير المراسلين الى المقر العام عبر الفضاء , كان يستقبلني عند قدومي من الواجب و يشجعني و يجلس بعيدا عن المونتاج لكن حرصه أن نكون متميزين يجعل منه ناصحا بإبداء رأيه و يحثنا على الانجاز بسرعة و يستلم التقرير كاملا و بكل ثقة وجد و اجتهاد و اخلاص و تفاني يجلس ربما لخمس دقائق و ربما لساعات عندما يكون قسم الاستلام في المقر العام مشغولا و لا يهدأ له بال الا عند ارسال التقرير و تأييد استلامه من الطرف الآخر, ولم يكن يهتم بعمله فقط بل بكل شؤون المحطة , وهو شخصيا من صمم الاستوديو بيده و من وضع أول مسار فيه و أخير مسمار فيه, شهد الله كان نقيا مخلصا محبا للجميع و يحبه الجميع ولي معه الف موقف و موقف).
التوثيق الفني:
لا أعرف بصراحة ما الذي دعا الراحل الفنان والإعلامي نصر حنون الى سلسلة توثيق لسيرة زملائه الفنانين بالصوت والصورة حيث عمد الى سلسلة وثائقيات نشرها جلها على صفحته الشخصية صفحات الفنانين الأخرى في محاولة منه لعدم ضياع التاريخ الفني لهذه المدينة العريقة التي تعدت عشرات الأسماء الكبيرة على مر التاريخ،
الفنان الدكتور محمد حسين حبيب يذكر لنا: (يبدو ان هاجسا كبيرا دعاه في الايام الاخيرة من حياته دفعه لان يوثق حياة اصدقائه المسرحيين عبر لقاءات فيديوية طويله بمجهوده الخاص وبنفس تطوعي هادفا الى توثيق حياتهم الفنية، لكن القدر كان يهدف الى توثيق حياته هو.. وتوثيق محطات فنية عديدة مع هذا الكم من الأحبة والاصدقاء.. لان ايامه هذه كانت الاخيرة حسب خطاطة قدرية لم يكن أحد قد انتبه لها سواه وفي هاجسه النقي والصادق. تعرفت عليه في نهاية سبعينات القرن الماضي فنانا مسرحيا مقتدرا يمتلك نكران ذات متميزة عن الباقين، طيبا خلوقا متواضعا في سلوكه مع الجميع صغارا وكبارا، لم يرفض طلبا من أحد الا ويتطوع لتقديم المساعدة مجانيا).
الانسان والوالد:
تزوج نصر حنون نهاية العام 1967 وله (6) أبناء ثلاث بنات وثلاث بنين حسين وعلي ومحمد وسهى ورهام وسرى
والد سرى ترك في نفسها غصة وهي القريبة منه أبا وفنانا إذ نعته تقول: (لا اعرف كيف أعزى نفسي واهلي والجميع بهذا المصاب الاليم.. حتى وهو على فراش المرض كان يصر عليه ان التقط له الصور، في داخلي لا اريد لكني كنت مجبوره لا اعرف هل كان يحس بأن يودعنا لتبقى لنا صوره الاخيرة في الذاكرة).
صديقه الحميم وزميله الدكتور أياد السلامي نعاه أيضا بكلمات مؤلمة إذ كتب (أعلم يا ابو حسين الغالي انك لن تكلمني، أعلم أنك لن تأتيني لتصور لنا ذكرياتنا وتاريخنا الفني لم يكتمل مشروعك رغبت التوثيق لنا لأنك تعرف ان الذكريات باقيه، لكني أتمنّى من كُلِ قلبي أَن تعود اللحظاتُ ولَو لساعةٍ فقط، لدقائق، لتوان قليلة، لأقولَ لك أحبك أخي وصديقي نصر حنون وإني لن أنساك، رحمك الله رحمةٌ واسِعة).
وللتاريخ فان الفنان نصر حنون رشيد العبيدي توفي إثر مضاعفات وباء كورونا يوم 2/8/2021م
رحمه الله فنانا مسرحيا مخلصا، وإعلاميا مجتهدا، وفنيا أدى ما عليه من حق المهنة.