18 ديسمبر، 2024 8:46 م

الفلوجة …وصراع الارادات

الفلوجة …وصراع الارادات

ليس ثمّة شيء غريب عندما تتصارع عدّة قوى حول هدف مُعيّن، ويكون هو المرتكز، ومع اختلاف هذهِ القوى والأيديولوجيات التي تتصارع، فلا بد من وجود فئة على حق وأخرى على باطل، ولا بدّ للعدالة الآلهية، أن تتحقق وتنتصر قوى الخير على الشر، وهذا وعد من الله ولو بعد حين.لقد أخذت الفلوجة ذات الموقع الجغرافي المتميز، حيّزاً كبيراً، وتصدرت نشرات الأخبار، وباتت الشغل الشاغل لوسائل الإعلام العربية منها والإقليمية، فضلاً عن المحلية، وفي الحقيقة، يمكن وصف ما يحدث بالفلوجة وببساطة، هو صراع بين ثلاث إرادات تتقاتل من أجل غايات، فالأول هو التنظيم الدولي العالمي الإرهابي المتمثل بداعش الذي بات تنظيماً يُهدد كلّ أصقاع المعمورة، نتيجة التطور الكبير الذي حصل علية التنظيم، وأخرى المتمثلة بالقوى الكبيرة بقيادة أمريكا التي تحاول أن تُجيّر التنظيم لصالحها، إذا ما علمنا إن هذا التنظيم، ولِد من داخل واشنطن، والمتتبع يمكن أن يرى ذلك واضحاً من خلال ما تسرب من معلومات ،تكشف الترابط بين التنظيم والبيت الأبيض، وإن بعض القيادات، تمّ تدريبها في معسكرات أمريكية خاصة، وهذا لم يعد سرّاً، ومن جهةٍ أخرى، هنالك إرادة تدعو الى عودة الفلوجة الى أحضان البلد، بعدما أختطفها التنظيم الإرهابي، وبين تلك القوى الثلاث، هنالك آناس أسرى مدنيون منقسمون أيضاً، بين تلك الإرادات الثلاث، وهم الخاسر الأكبر الذي لم يُسلّط عليه الضوء، وإن صراع هذهِ الإرادات، أكسب الفلوجة أهمية قصوى إعلامية وسياسية وأمنية وصلت حد الأزمة في البلد،

ويمكن القول إن القوتين الأمريكية والداعشية، ومالها من أذناب صوّروا معركة الفلوجة، بأنها اجتثاث للسُنّة، فتلك الأصوات النشاز التي تدس السم في العسل ، تحاول جاهدة من أجل أن لا تتحرر المدينة، وتبقى أسيرة بين فكّي كماشة داعش ، وسياسيّ الفلوجة الذين يتسابقون للظهور في وسائل الإعلام من أجل التباكي على محنة الفلوجة، وهم من سرق خيمهم، وتركهم في العراء في موقفٍ لا يحسدون عليه.أمريكا حاولت جهد الإمكان تحويل “ المدافع نحو الموصل دون الفلوجة ربّما لأنها لا تريد الاصطدام مع أهالي الفلوجة اليوم، لأن لها معهم حكاية أو أنها تريد أن تُحافظ على النخبة من قيادات داعش، وتوفّر لهم ممرات أمنية، حتى ينفذوا من خلالها الى سوريا، وطبعاً الذهاب الى الموصل، لا يخلو من غايات، كونها تبحثُ عن نصرٍ معنوي، يعزز قوّتها في الانتخابات، وحتى تقنع الرأي العام الأمريكي، أنها استطاعت أن تحرر مدينة مهمة كالموصل من داعش، وهي بذلك تضرب عصفورين بحجر، إلّا إن الحكومة العراقية، استطاعت هذهِ المرّة أن تمرر قرارها، وأن تحوّل البنادق صوب الفلوجة التي تعتبرُ بالأهمية القصوى لحماية بغداد وأمن العراق ككل، فأن المعلومات الاستخبارية، تؤكد بأن معظم التفجيرات التي ضربت العاصمة مصدرها الفلوجة التي لا تبعد كثيراً عن بغداد، و تشكّل بؤرة الإرهاب والعاصمة الاقتصادية والسياسية والأمنية لداعش، خاصة وأنها سقطت قبل الموصل بفترة، حيث استطاع التنظيم أن يعزز قوّته ويُحشّد الرأي العام (السُنّي- التوظيف السياسي للمذاهب الأربع الإسلامية) لصالحه، مستفيداً من بعض التصريحات المنفلتة التي يُطلقها بعض السياسيين أو من قيادات بعض الفصائل المُسلّحة، لتصب لصالح التنظيم ومن خلاله، استطاع الإعلام الوصول لغاياته، فوسائل الإعلام الصفراء، تحاول جاهدة جعل (السُنّة – التوظيف السياسي للمذهب) وداعش في خندقٍ واحد لمواجهة (الشيعة – التوظيف السياسي للمذهب)

 والغريب إن الأخيرة، تحاولُ إنقاذهم من هذهِ الأوهام، لكن دون جدوى، فعندما يستشهد أبن الجنوب في الفلوجة، فذلك من أجل أن يعود أبن الأنبار لدياره، وتبقى الفلوجة لأهلها، ولن تكون لأهالي الجنوب، وعلى الرغم من التحضيرات الكبيرة وآلة الحرب العسكرية الهائلة على مداخل المدينة، إلّا أنها ما تزال تتحرك ببطء على الأرض، وهذا ما يبدد المخاوف من محاولة اقتحام المدينة، باستخدام وسائل الحرب التقليدية و سياسة الأرض المحروقة، وتدمير المدينة المُفخخ كلّ شيء فيها ، فالمحافظة على أرواح الناس التي يستخدمها التنظيم كدروعٍ بشرية ، والبنى التحتية أحد أهم الأسباب التي تؤخّر عملية التحرير، وهذا ما يدحض نظرية المؤامرة وما يروّج له البعض بتصوير المعركة، بأنها جاءت للقصاص من أهالي المدينة أو إحداث تغيير جغرافي فيها، رغم المواقف السلبية لبعض عشائر المدينة التي كانت سبباً في بقاء المدينة أسيرة بيد التنظيم الإرهابي حتى اليوم.