18 ديسمبر، 2024 9:46 م

الفكر الصدري/ تعديل الخصوصية…

الفكر الصدري/ تعديل الخصوصية…

“البدء ببني إسرائيل، وقد كانوا في ذلك الحين الشعب المضطهد تحت الحكم الفرعوني الغاشم، وقد طالب فرعون بإطلاق سراحهم من نير العبودية”…
هذا ما كتبه الشهيد السيد محمد الصدر، عن خطوات وأسرار التخطيط الإلهي لتربية البشرية. أي قيام سيدنا موسى عليه السلام بإيجاد فريق خاص له، أو بلورة جماعة، لتأسيس تنظيم (النواة) على أساس قبلي من قبل يعقوب أو موسى، عليهما السلام. فقد كان هؤلاء الانبياء والرسل مكلفين بتبليغ اسرة يعقوب، حصرا، في المراحل الأولى.
ويمكن القول: أن المرحلة التمهيدية والتأسيسية تتضمن إعداد تيار أو جماعة تحمل المفاهيم الرسالية، يمكن أن يتعمق فيها الوعي والمسؤولية، لتحمل مشروع الرسول، ثم تتولى توسيع الدائرة الرسالية. وهذه الجماعة (النواة) تتلقى تربية خاصة، لفترة معينة، فتكون أساسا لمرحلة البناء التالية.  أي ترتيب الأرضية النفسية والفكرية، قبل ان تكون أساسا لبناء الطابق التالي، وهكذا.
 وقد توثق ذلك المعنى، أو البيان بالقرآن الكريم، كالتالي:
1️⃣… فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ …. ٤٧/طه.
2️⃣وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِـۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ …. ١٣٢/البقرة
3️⃣ إِذۡ حَضَرَ يَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِيۖ قَالُواْ نَعۡبُدُ إِلَٰهَكَ….133/البقرة
4️⃣يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ قَدۡ أَنجَيۡنَٰكُم مِّنۡ عَدُوِّكُمۡ وَوَٰعَدۡنَٰكُمۡ … ٨٠/طه.
ويمكن القول أن عشرات أو مئات الآيات تتضمن هذا المفهوم. أي أن التبليغ يخص أسرة او قبيلة محددة، وليس تبليغ عام.
أي لم يرسل يعقوب وموسى وعيسى عليهم السلام لتبليغ البشرية، بل كان إختصاصهم بني يعقوب، حصرا. وهكذا كان سيدنا موسى، على الاقل في بداية الدعوة الموسوية. وهكذا كان سيدنا عيسى طيلة حياته، يبلغ بني يعقوب وليس غيرهم.
وهذا ما كتبه الصدر[1] في “اليوم الموعود” وفيه تسليط الضوء على قضية أساس، وخطيرة، لم يلتفت لها غيره، تقريبا.
أي تسليط الضوء على الهدف العام، بعد إنجاز المراحل الاولى، او تحقيق نسبة منها، وضمان رصيد أو نصاب (حد) يؤهل المشروع الى مرحلة متقدمة.
وبلغة حديثة، ان “خصوصية النشر” أو التبليغ، تحتاج الى مراحل، إنتقال، تعتمد زمنيا على نسب الإنجاز في المراحل التمهيدية، تلك النسب التي تضمن قواعد شعبية  بمحتوى عقائدي، يؤهلها التحول من العنوان القبلي، أو مجموعة عقائدية الى مرحلة وطنية أو أممية، وللحديث بقية.
▪️▪️الهوامش▪️▪️
[1] كتب الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر، في ج4 من الموسوعة. فصل عن التخطيط الإلهي لتربية البشرية. وجاء فيه التالي:
على أن إعلان النبي – أي نبي – لفكرة القبلية ، ليس بمعنى جعل القبيلة شعاراً ضد القبائل الأخرى . وإنما بمعنى أنه ليس مكلفاً بغير هداية قبيلته ، ومهمته مقتصرة على ذلك – وأما القبائل الأخرى فقد يوجد فيها أنبياء آخرون ، بدون أن يكون هناك – من ناحية النبوة القبلية – أي داع عاطفي للنزاع بين القبائل … بل هناك داع إيماني للأخوة ولاجتماع القبائل كلها على الايمان والمظنون ان النبوة القبلية ، استمرت بعد عهد ابراهيم عليه السلام إلى بعث النبي موسى عليه السلام ، حيث استطاع التقدم خطوة نحو العالمية . ولعل أهم نبي قائم على الأساس القبلي في ذلك العصر ، هو يعقوب عليه السلام ، حفيد ابراهيم عليه السلام ، وجد بني إسرائيل ، الأسرة التي استطاع يعقوب تربيتها ردحاً من الزمن على روح الايمان ، وقد كان لها في عصورها الأولى مشاركة في النبوات ، كما ان لها في عصورها المتأخرة أكبر اليد في الظلم والطغيان البشري .
المرحلة الرابعة : النبوات العالمية:
تبدأ أول التفاتة عالمية – حسب ما نعرف – بالنبي موسى بن عمران عليه السلام . فانه في واقع قصده ودعوته ، نبي عالمي ، ولكنه لم يشأ إعلان هذا المفهوم كشعار واضح ، وإنما استطاع أن يخرج بنطاق دعوته من قبيلته وبلاده حيث أصبحت الفكرة العالمية ، ولا أقل التوسع عن النطاق القبلي ، أمراً مفهوماً ومشروعاً اجتماعياً فإنه بالرغم من الزخم العاطفي القبلي الذي أكد عليه ( عليه السلام ) . في دعوته عند ابتدائها . وهو البدء ببني إسرائيل ، وقد كانوا في ذلك الحين الشعب المضطهد تحت الحكم الفرعوني الغاشم ، وقد طالب فرعون بإطلاق سراحهم من نير العبودية وجعل بيوتهم قبلة . ولكن بالرغم من كل ذلك فان دعوته كانت أوسع من ذلك . فانه دعى فرعون نفسه وبطانته للايمان ، وهو عدو بني إسرائيل ، ولو كان فرعون قد آمن لتغير تاريخ الدعوة الموسوية ، ولكن أطماعه وسوء سريرته منعته من ذلك. كما ان من أوائل المؤمنين : السحرة الذين كان له معهم صراع سحري عجیب ، خرج موسى عليه السلام بنتيجته فائزاً ، وأصبح السحرة مؤمنين ، بالرغم من السيف الفرعوني القاطع. وهي حادثة تشترك التوراة مع القرآن في نقلها . ولم يكن السحرة من بني إسرائيل . وقد كان موسى عليه السلام ، يقبل – بكل تأكيد – كل مؤمن به من أي قبيلة كانت.