18 ديسمبر، 2024 6:58 م

الفقيرة ورئيس الوزراء

الفقيرة ورئيس الوزراء

قبل كل شيء – مبارك – لأنكم حصلتم على المركز الأول في سباق الرئاسة وأتمنى من الله القدير أن يسدد خطاكم لخدمة الصالح العام بكل شرائح المجتمع وطوائفة . سمعتُ خطاباتكم الموقرة عدة مرات وشعرت باالفخرمع نفسي لأنكم تعهدتم (حسب كلامكم ) بأتخاذ خطوات رائعة لو تحققت كلها لتحول العراق الى شيء جميل جدا. السبب الذي دفعني لكتابة هذه الرسالة البسيطة ولا أعرف فيما اذا كانت ستصل اليكم أم أنها ستضيع مع جميع احلامي التي ضاعت طيلة تلك السنوات التي عشتها منذ يوم مولدي حتى هذه اللحظة – السبب الحقيقي هو دموع تلك المراة العجوز التي كانت تقف عند نافذة استلام التقاعد من احد مكاتب الصيرفة وكنت بالقرب منها استمع الى شهقاتها واتطلع الى دموعها التي كانت تنساب بحياء مطلق على صفحة وجهها المجعد من عذاب السنين التي عاشتها يوما ما ولا أعرف كيف عاشتها لكنني شعرتُ أنها كانت تتألم طيلة كل السنين العجاف.

كانت تمسك النقود القليلة – راتب زوجها – المراحل ويدها ترتعش بطريقة جعلت قلبي يكاد يقفز من بين ضلوعي ..بكيت معها بصمت وحاولت أن أقدم لها يد المساعدة لكنني عجزت بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى. كانت تردد مع نفسها بصوتٍ مسموع جعل الجميع ينظرون اليها بطريقة تحطم نياط ألأفئدة بصدق ( يا أبا علي…هذا راتبك..قطعوا منه 16 الف لم يكن حتى 300 الف..هذا كل ماتركته لي بعد كل تلك السنين التي خدمت فيها هذا العراق..جلبو اجزاء قليلة من جسدك في تابوت ملفوف بالعلم العراقي..هل أنت شهيد أم مغضوبٌ عليك وعلي..لو لم تكن مطوعا لما كنتَ قد مت في البصرة في الصيف الحار…تركتني وحيدة ..لم أعد أقوى على الحركة ..هل هذا هو العراق أم بلد آخر ..قالوا لي بأننا سنستلم زيادة هذا الشهر لكنهم أخبرونني (انني غير مشمولة بالزيادة لأنني مستفيدة..ماذا تعني هذه الكلمة ..لا أفهمها …حسبي الله ونعم الوكيل) كانت كلماتها وهي تناجي روحها تطرق رأسي كمطارق فولاذية تروم تهشيم جمجمتي ورب الكعبة. حاولت أن أكذب عليها وأطيب خاطرها بكلمات بسيطة ( ستشملكم الزيادة قريبا ويصبح راتبك 500 الف مثل الباقين وسمعت ان الحد الأدنى سيكون 650 الف دينار لاتحزني وتوكلي على الله ) . كنتُ أكذب عليها وأعرف أن هذا الكلام أضغاث أحلام لكنني حاولت أن أرفع معنوياتها . نظرت نحوي وهي تمسح دموعها قائلة (الله يسمع من حلكك ..

ولو أن هؤلاء لايشعرون بألمي ومعاناة الفقراء) راحت تتحرك نحو الشارع وهي تكاد تتعثر في خطواتها . ياسيادة رئيس الوزراء هل تستطيع أن ترفع سقف هذا الأمل الكبير بالنسبة لكل متقاعد ولهذا العجوز؟ أعرف أنك لن تشعر بمعاناة تلك العجوز لأنك لم تعش حالة العوز يوما …ولن تستطيع أن تحقق لها ذلك الطلب لأن الآخرين سيمنعونك من فعل هذا. اذا أنجزت هذا العمل البسيط ستكون في نظر الجميع وخصوصا المتقاعدين شخصاً آخر . كتبتُ لك هذه الكلمات وأنا أردد مع نفسي ( من يدري لعل هذه الرسالة تصل اليك وتدمع عينيك كما دمعت عيناي وتحقق للمسنين شيء بسيط قبل أن يموتوا وعندها لن يحتاجوا الى راتب تقاعدي وسيرقدون الى الأبد بصمت وتنساهم كل دوائر الدولة.