“فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير” الحج 28

الفقر في مجتمعاتنا بتنامي والإحصاءات تشير إلى أن ما يقرب من سبعين مليون إنسان بيننا هم تحت خط الفقر.

وتعريف الفقر يختلف ما بين المجتمعات ، فبعضها تحسب الذي دخله عشرة آلاف دولار سنويا فقيرا ، وبعضها ربما يكون الفقير فيها مَن دخله أقل من مائة دولار ، وغير ذلك من الأوصاف . لكن الفقير يمكن تعريفه بأنه الذي لا يمكنه أن يجد سكنا لائقا ولا تعليما مناسبا ولا رعاية إجتماعية كريمة ,  ولا فرصة عمل بواسطتها يحقق حياة كريمة لعائلته ويساهم في بناء مجتمعه وقوة وطنه.

وقد تتباين المعايير بين المجتمعات لكن الهدف الموضوعي لأي نظام سياسي في العالم هو السعي لتحقيق الحياة الحرة الكريمة الآمنة لأبناء وطنه.

ومجتمعات الدنيا بأسرها تساهم بأنظمتها في الرعاية الإجتماعية لمساعدة العائلات الفقيرة في تنشئة الأبناء لأنهم قوة وطنية وذخر مفيد للمستقبل ، فلا نريد أبناء منحرفين أو مظلومين لعدم قدرتهم على التعبير عما فيهم من الطاقات الإيجابية بسبب أسر الفقر والبؤس وقيد الحرمان.

وعندما ندرس واقعنا يتبين لنا أن المشكلة ليست في الموارد أو غيرها من التبريرات المضللة ، وإنما هناك عيب سياسي فاضح ، تسبب في الفقر المشين ، ويبدو أن عدم كفاءة الأنظمة السياسية ربما يتجلى واضحا في تنامي الفقر بيننا.

فلا يمكن لعاقل أن يصدق أن وطنا يمتلك الموارد الهائلة التي تتشوف إليها دول الأرض ، ويعيش فيه فقراء ومساكين إلى حد مخيف.

وبرغم موارد النفط الهائلة فأن الفقراء يكثرون ، وهذا يعنيأن هناك سوء في توزيع الثروات وإحتكارها من قبل فئات قليلة وحرمان الأكثرية منها ، ووجود سياسات فاسدة غايتها تبذير الثروات وتبديدها في الحروب والملذات .

وهناك سرقات وتصدير للمال إلى الخارج وحرمان أبناء الوطن من فرص إستثماره في أوطانهم ، فالنسبة العظمى من المال  مهدورة في إستثمارات خارجية ، فعائدات النفط تسكن في البنوك الأجنبية التي تستثمرها لصالح أبنائها وتدفعنا وتجبرنا على شراء الأسلحة الكاسدة التي يراد التخلص منها , فترمى في أرضنا وكأنها ساحة نفايات للسلاح العالمي الذي فقد صلاحية الخدمة ، فبدلا من إتلافه يتم أخذ أموالنا به.

ولهذا سمعنا بصفقات أسلحة خيالية لدول صغيرة يتساءل أي عاقل ماذا تفعل بالأسلحة التي كلفتها مليارات الدولارات.

أجل ، إن أموالنا مأسورة ولا نملك حرية تقرير مصيرها ، لأنها عبارة عن ودائع في بنوك الآخرين الذين هم وحدهم يتحكمون بمصيرها ويساهمون في حرماننا منها ، بل يحولونها إلى أسلحة يتم استخدامها ضدنا ، فالسلاح الذي نشتريه يتم إستخدامه ضد أبناء جلدتنا وحسب .

وكذب مَن يرى غير ذلك ، وكذب مَن يدعي بأنه يشتري سلاحا حديثا وجديدا ، أو معاصرا  يملكه بائعه ، فتلك أكذوبة لا تنطلي على أحد ، فلا توجد دولة في العالم تبيع سلاحا لغيرها أفضل مما عندها ، وإنما جميع السلاح المباع قد يكون منتهيَ الصلاحية في بلد المنشأ ، إن صح التعبير.

وهكذا فأن دولنا النفطية سيبقى فيها فقراء ومعوزين ، وهي تستورد ما تأكل , وسيستمر الفقر في تزايد ، وأنظمتنا بلا قدرة فكرية وإقتصادية على وضع الحلول لتقليل حالاته ، مثلما تفعل الصين مثلا ، والتي تتباهى بتقليل حالات الفقر بالملايين كل عام ، ونحن نفخر بتنميتها بالملايين كل شهر.

بينما جميع المؤشرات في واقعنا تشير إلى أن هناك خلل في النظام السياسي والإقتصادي ، قد يكون مقصودا ومرسوما، وربما وسيلة للحكم والبقاء في الكراسي ، فالفقر في واقعنا ربما يعد أحد وسائل الحكم ، وذلك بتنمية الفقر وتدمير طاقات الإنسان ، وجعله يعتمد على أصحاب الكراسي ويستجدي منهم العطاءات ، وبهذا يتم أسر المجتمع وحكمه بالقهر وسيف الفاقة والعوز المسلط على رقابه ، وإعتبار ما يحصل عليه هدية ومكرمة من خيرات الكراسي الظالمة.

وهناك فائدة خفية من فقر مجتمعات الدول النفطية وتأخرها، لأنه يساهم في تقليل حاجتها للطاقة ، مما يوفرها بأرخص الأثمان لمجتمعات مرفهة غيرها.

كما أن الفقر يقرن بالجهل وقلة التحصيل العلمي وضعف المهارات وفقدان قيمة العمل والجد والإجتهاد والكسل والحصول على شيء من أجل لا شيء.

وهذا ما تسعى إليه فعليا جميع الأنظمة ، ولو أنها تدعي غير ذلك ، لكن الواقع الأليم يكشف عن تناقض أقوالها مع الأفعال الغائبة للتصدي لحالة الفقر والتردي الإجتماعي المشين.

 

و “إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما متع به غني”

 

وتلك حقيقة نطمسها بالطمع والشره والأنانية ونسيان الله وحقوق عباده من حولنا , فنساهم في صناعة السوء والبغضاء والضغينة والإنحراف.

فهل لدى حكوماتنا برامج لمحاربة الفقر ، ومشاريع لتوفير فرص العمل ، ولماذا لا تفكر بالبناء وتحسين الواقع السكني للناس .

فجارتنا تبني المستوطنات بسرعة فائقة ، وجميع دولنا فيها أزمات سكن خانقة ومربكة ومشينة ، فلماذا لا نتعلم منها مشاريع بناء العمارات لأبناء مجتمعنا المشردين في أوطانهم والحائرين في سكناهم.

 أم أن الفقر عندنا يبقى حالة مفروضة ومطلوبة لا خلاص منها؟!

أحدث المقالات

أحدث المقالات