18 ديسمبر، 2024 7:09 م

كان الفقر، ولا يزال، ظاهرة سرمدية، لها وجود في غالبية مجتمعات العالم، ويتباين تأثيرها بين مجتمع وآخر وفقًا للتقاليد الاجتماعية والأعراف الدينية والقوانين الوضعية السائدة. وقد تميزت المجتمعات الإسلامية، ومنها المجتمع العراقي، وفي مختلف العصور التاريخية، بإيلائها اهتمامًا استثنائيًّا لمعالجة التبعات السلبية لهذه الظاهرة، انطلاقًا من منظومة قيم دينية ودنيوية سامية وراسخة، أُرْسِيَ بموجبها العديد من المنطلقات النظرية، والمفاهيم والتطبيقات العملية لمعالجة هذه الظاهرة السلبية.
رغم الثروة النفطية الهائلة في العراق إلا أن شخصا واحدا من بين كل خمسة أشخاص لا يزال يعيش تحت خط الفقر، في بلد يعاني من استشراء الفساد وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، ما دفع المواطين غلى الخروج في تظاهرات شعبية تطالب برحيل الطبقة السياسية ومحاسبة المسؤولين الفاسدين
ورغم أن نسبة الفقر راجعت من 22 في المئة عام 2014، إلا الأرقام تظهر فشل الحكومات العراقية المتعاقبة في الحد من هذه المشكلة التي تقلق العراقيين، حيث لم تنخفض النسبة على مستوى البلاد إلا بشكل طفيف جدا لا يتجاوز 2 في المئة خلال أربع سنوات، فيما لم تكن نسبتها تتجاوز الـ 15 في المئة في 2013.

ووفق بيان وزارة التخطيط فإن قياس مؤشرات الفقر يعتمد على أبعاد متعددة، من بينها: الصحة والسكن والتعليم والدخل والحاجة إلى الغذاء.
وكانت نسبة الفقر الأقل في العاصمة بغداد 10 في المئة، تليها،
ويحتل العراق المرتبة 12 في لائحة البلدان الأكثر فسادا في العالم بحسب منظمة الشفافية الدولية.
ورغم الغليان الشعبي في البلاد الذي أنتج احتجاجات مطلبية مناهضة للفساد أودت بحياة المئات إلا أن الإجراءات الحكومية في البلاد لا ترقى إلى مستوى الأزمة وهي بالكاد تطال صغار الفاسدين ولم تقترب حتى الآن من كبار المسؤولين المتهمين بالفساد، في أحد أكثر البلدان فسادا في العالم، وفق تقرير لفرانس برس
يرى الخبير الاقتصادي العراقي الدكتور عبد الرحمن المشهداني، أن نسبة الفقر في العراق تجاوزت الـ40 في المئة، وأن ما أعلنته وزارة التخطيط العراقية عن ارتفاع النسبة من 24 – 27 في المئة غير دقيق، لأن الوزارة لا تمتلك استبيانات ومعلومات كافية، وفقا لتقارير البنك الدولي فإن جائحة كورونا أضافت ما يقرب من 3 مليون مواطن إلى ما تحت خط الفقر.
ساهم التضخم وارتفاع الأسعار في زيادة أعداد الفقراء والداخلين تحت خط الفقر، ولم أجد إلى الآن أي إجراءات رسمية كفيلة بالحد من تلك النسبة، وأيضا حتى على المستوى الأهلي والاجتماعي، المشكلة تتزايد مع مرور الوقت ولا تتوقف، وهذه الإجراءات الحكومية الأخيرة سوف تؤدي إلى زيادة أعداد الفقراء، خصوصا عمليات الاستقطاعات الضريبية من رواتب الموظفين والتي تصل تقريبا إلى ربع الراتب، هذا بالإضافة إلى الانخفاض الحقيقي في الرواتب نتيجة تغيير سعر الصرف.
وأوضح المشهداني، أن زيادة نسبة الفقر في البلاد سوف تؤثر بشكل كبير على الواقع السياسي، فقد بدأت عمليات التذمر من الوضع الراهن تسود الكثير من المناطق العراقية، وهو أمر تناقلته الكثير من وسائل الإعلام، ولم يعد الأمر قاصرا على فئة بعينها، بل حتى التجار والمستوردين نظموا العديد من التظاهرات أمام البنك المركزي اعتراضا على تخفيض قيمة الدينار العراقي.

وقال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي في تصريح لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن “نسبة الفقر ارتفعت بسبب جائحة كورونا في العراق خلال العام 2020 إلى 31.7%، وشملت قطاعات الصحة والسكن والتعليم وكذلك الدخل وهو ما يعرف بالفقر متعدد الابعاد”.
وأشار إلى أن “المؤشرات الأولية تفيد بانخفاض نسبة الفقر لما دون 30%، وبما معدله 29% تقريباً خلال النصف الأول من العام الجاري 2021، ونتوقع أن تنخفض النسبة لأقل من ذلك مع نهاية العام الجاري”.
وأضاف، أن “سبب هذه التوقعات يعود إلى التحسن الكبير في أسعار النفط وعودة استئناف العمل بكثير من المشاريع وعودة نشاط القطاع الخاص والفعاليات التي توقفت بسبب جائحة كورونا وننتظر نتائج المسح التي تقوم به الوزارة للوقوف على آخر المؤشرات الخاصة بالفقر والبطالة”.
وأشار إلى أن “عامل الفقر الرئيس هو الفقر المالي، المرتبط بالعجز عن توفير مستلزمات المعيشة الأساسية، ويترابط ذلك مع عمل شبكة الحماية الاجتماعية وتمكين الفقراء من خلال إيجاد فرص العمل”.
وتابع أن “الوزارة تعمل على تقديم خدمات اضافية في المناطق الفقيرة عبر ما تسميه بالصندوق الاجتماعي”، مبينا أن “الصندوق يتجول في جميع القرى والمحافظات للوقوف على ابرز احتياجات المواطنين من ماء وكهرباء ومدارس وغيرها”.
ولفت إلى أن “تغيير سعر الصرف وحظر التجوال الصحي ساعدا على زيادة نسبة الفقر”، مشيراً إلى أن “نزول نسبة الفقر في العراق ممكن من خلال اطلاق المشاريع الاستثمارية التي من شأنها خلق فرص عمل للعديد من المواطنين”.
وفيما يتعلق بالأماكن الأكثر فقراً، بين أنها “تتركزُ في مناطق العشوائيات والقرى وهي تحتاج الى حملة كبيرة لتغيير معدل الفقر فيها وانتشالها من واقعها”.

ويتفق الدكتور رحيم الكبيسي الخبير الاقتصادي العراقي مع الرأي السابق في أن النسبة المعلنة للفقر من جانب وزارة التخطيط غير واقعية، و يتجاوزها الواقع على الأرض بكثير، حيث تصل النسبة إلى ما يقارب 50 في المئة من عدد السكان.
وأضاف في حديثه لـ”سبوتنيك”، هل تتصور أن بلد يصدر يوميا ما يقارب 3 مليون برميل من النفط، ويتراوح سعر البرميل بين 60-67 دولار، ورغم ذلك نصف سكانه تحت خط الفقر، الخلل يكمن في الإدارة في المجموعة التي تحكم منذ العام 2003 وحتى الآن.
منوها في الوقت ذاته إلى المرتبات الضخمة التي يتسلمها أعضاء مجلس النواب وتوابعه، أو ما تسمى بالرئاسات الثلاث”الجمهورية والوزراء ومجلس النواب”، في الوقت الذي يفترش مئات الألوف من العراقيين الأرض ويلتحفون السماء ولا يجدون قوت يومهم، تلك هى أماكن الخلل في العراق “الإدارة”، ولو عدنا قليلا، فقد ظل العراقيون تحت الحصار أكثر من عقد من الزمان، لكننا لم نجد من يتضور جوعا، فقد كانت البطاقة التموينية تغطي الأشياء الضرورية لكل عائلة، فلم تكن مسألة الفقر موجودة ولو بنسبة معينة، وما يعيشه الناس اليوم ليس فقرا فقط، بل فقر وجوع، ولا تستطيع أن تتخيل أن العراق به نسبة فقر قد لا تجدها في مجاهل أفريقيا.
وقال الهنداوي: “بعد رفع سعر صرف الدولار فإن مؤشر التضخم ارتفع بنسبة 4.9 الى 5 في المئة، بينما ارتفعت مؤشرات الفقر الأولية بنسبة 26 الى 27 في المئة”.
وأوضح المتحدث أن خطة الإصلاح والتعافي سيكون عمرها سنتين من 2021 إلى عام 2023، وتعمل على 3 مسارات.
وقال إن المسار الأول في هذه الخطة، اقتصادي يتضمن تحسين مستوى الاقتصاد ودعم القطاع الخاص، والثاني اجتماعي يتضمن دعم مستوى الخدمات في مجال الصحة والتعليم وعودة النازحين وتمكين المرأة، أما المسار الثالث فهو المحور المكاني الذي يتضمن معالجة الفجوات التنموية الموجودة في المحافظات، وفق قوله.
ووقتها، قال الهنداوي إن “عدد الفقراء في العراق أقل من 10 ملايين شخص”، وذلك من مجموع تعداد سكان البلاد البالغ 40 مليونا و150 ألف نسمة، وفق آخر إحصاء رسمي.
وقالت الوزارة في بيان، اليوم الخميس (11 تشرين الثاني 2021)، ان ما جرى تداوله من قبل وسائل الاعلام، من مؤشرات، وُصفت بانها تعود لعام 2021، ليست صحيحة، انما هي توقعات وضعت لعام 2020، خلال تعرض العراق والعالم الى الموجات الاولى من جائحة كورونا”.

وأضاف أن المؤشرات التي توصلت اليها الدراسة، والتي اعدتها الوزارة، بالتعاون مع البنك الدولي، كانت وفق سيناريوهات توقعية، ترتبط بإجراءات الحظر والإغلاق وانخفاض الموارد المالية، وارتفاع الاسعار، خلال العام الماضي، والتأثيرات المباشرة للجائحة على قطاعي الصحة والتعليم، والاقتصاد والتنمية بنحو عام واستمرار تلك الاجراءات.

ووفقاً لتلك السيناريوهات، فقد كانت التوقعات تشير الى ارتفاع معدلات الفقر متعدد الابعاد الذي يشمل فقر الخدمات (الصحة، التعليم، السكن، والدخل)، من 20٪؜ عام 2019، الى اكثر من 30٪؜ عام 2020، بحسب البيان.
أشارت الوزارة إلى أن معدل الفقر لم يرتفع الى المستوى الذي توقعته الدراسة، “ولذلك فأن المؤشرات الأولية المتوفرة لدى الوزارة، الان تشير الى ان معدل الفقر في عموم البلاد لا يتجاوز بصورة عامة مؤشر تلك القراءة قبل جائحة كورونا”.

في الوقت نفسه أكدت وزارة التخطيط أنها ماضية في الإعداد لاجراء المسح الاقتصادي والاجتماعي للعوائل بالتعاون مع البنك الدولي والمنظمات الدولية المعنية والذي سيعطي خارطة اكثر دقة لمؤشرات الفقر بانواعه، فضلا الاستعدادات الجارية لتنفيذ التعداد العام للسكان والمساكن في العراق خلال العام المقبل 2022، والذي سيمثل الارقام التفصيلية لجميع المؤشرات، موضحة انها تعوّل على الدعم الحكومي لاجرائه.
وبحسب بيانات وزارة التخطيط فإن بغداد التي يبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة، يجد أربعة ملايين منهم صعوبة في توفير لقمة العيش.