22 ديسمبر، 2024 11:49 م

الفقر المعدم في ظل وجود الثروة الهائلة في كوردستان

الفقر المعدم في ظل وجود الثروة الهائلة في كوردستان

لا نتكلم عن النفط و المشاكل من وراءه، و لا عن المعادن النفيسة الاخرى المستخرجة منها او ماهي تحت الارض تنتظر المرحلة التي يمكن ان تذهب وارداتها فسادا ايضا، و عليه يقول الكثيرون انه من الافضل ان تبقى على ما هي فيه افضل لحينه، و لا نريد ان نتكلم عن ما ياتي من بغداد بهذه الطريقة المهينة، و لكننا يجب ان نتكلم عن الموجود و عدم التنظيم و الفوضى الفضيحة و الفساد خارج نطاق السيطرة اكثر من اي بلد في المنطقة و الاخطر انه دون اية محاولة جدية دون صراخ و مزايدات اعلامية مبالغة فيها من قبل كافة الاحزاب من اجل التغطية فقط. فليس بشرط ان تكون واردات النفط هائلة كي يعيش شعبك برغد و راحة، و هناك الكثير من الدول النظامية القانونية لا تملك هذه الثروة و شعوبها تعيش في الترف و الابهة و لا توجد الفقر المعدم كما هو حال اكثر الدول النفطية التي لها الدخل السنوي يفوق هؤلاء بمرات.
اذن السبب في وجود و كينونة النظام الساري و تركيبته و تعامل الشعب مع سلطته و استغلالها لهم دون ان ينبسوا ببنت شفة من جهة، و عدم وجود الوعي المطلوب للوقوف امام اية انحراف تسببه المصالح المتعددة لدى المنتفذين من السلطة الموجودة بشكل خاص و الفساد المستشري بشكل عام من جهة اخرى، اضافة الى عدم تنظيم واردات الضريبة التي تفرض دوران الموارد بين المواطنين و السلطة و يمنع الاستغلال، ماعدا عدم توفر القوانين الخاصة و القاعدة الاساسية لاستغلال الثروات غير النفطية و الواردات التي يمكن ان تتوفر بشكل هائل عن طريق السياحة و الدخل المحلي، بالخصوص ان الوضع السياحي في كوردستان و الطبيعة الجميلة الخلابة لم يُستغل بشكل صحيح بل العملية تسير بشكل عشوائي دون اي تخطيط او استثمار حكومي يمكن ان تزيد من دخلها اكثر من الموجود، بل يدخل الفساد في هذا القطاع اكثر من غيره ايضا، نتيجة استغلال الفوضى القانوني في هذا القطاع من قبل الجشعين المتورطين في الفساد و المتعاونين مع ازلام السلطة، و به يؤدي الامر الى عدم عودة الواردات من هذا الطريق الى خزينة الحكومة، بل حتى وفرت السلطة الكوردية المتمثلة بالمتنفذين الحزبيين مشاريع لهم و للموالين لهم، بل علاوة على ذلك يمكن ان نضيف الي تلك الفوضى ما تُمنح من امكانيات السلطة الحكومية و ما تملكه الدولة لاشخاص و احزاب و خصوصا الدائرة او العائلة المتنفذة في كل حزب لتحصل على مبالغ مالية مهولة في عملية او استثمار لما يجب ان تقوم به السلطة الحكومية و لكنه انطيت للمتنفذين و الموالين و اصبح في حكم السائد الطبيعي و هو امر لم يتكلم عنه احد لحد الساعة. فهل من المعقول عدم فرض الضريبة على ارض توفره لموالي لك لاستثمار سياحي كي تكسب دخل ثابت لشخصك ان نعيد ولو نسبة قليلة الى الحكومة، بل وفوق هذا تمنح حتى الارض لصاحب الاستمثار او اي عمل بعيد عن حتى الاستثمار هدية سواء بمقابل مصلحة شخصية متنفذة او من اجل عودة وارد معين منه الى الحزب الذي ينتمي اليه المسؤول.
بعد مقارنة بعض الدول التي لم تملك حتى ثروة واحدة تكسب بها الدخل الثابت، و عند ملاحظة معيشتهم و التمعن في كيفية توفر الدخل لمواطنيهم، ترى و تتاكد من ان الخلل الكبير في النظام السائد في كوردستان و التعامل مع الواقع بهذه العقليات التي لا تصلح الا لايام الثورة و ليس المدنية، ان الخلل فيهم وليس قلة الدخل العام. لو كانت هناك شفافية ولو ضئيلة جدا لتمكن الواقع الذاتي اي مراقبة الذات و العمل على تصحيح النفس بنفسها جراء ما تفرضه الشفافية و ما تتصف به النفس الانساني من ان تقع على طريق ان تغير هي من الحال نتيجة ما تفرضه الشفافية من جلب ما يمكن ان يُطرح و يسلط الضوء على المراد و بوجود احصائات و تشخيص الخلل، و سيتمكن اي موظف و ان كانت لديه خبرة محدودة ان يجد الحل لكل صغيرة و كبيرة يمكن ان ينعكس ضررها على السلطة، و هذا ما يحصل في الدول المتقدمة. و لا يمكن في ظل التكتم عن الوضع المالي العام و تغطية الفساد و اخفاء الاحصائات و عدم كشف ما تبلعه الاحزاب و يا يجري بشكل خفي و سري في ظل انعدام الشفافية و عدم فرز المعلومات هو ما جعل الاقليم بمثابة سلطة مخابراتية سرية كجمهورية الخوفو ما ينتشر من الفقر، و ان لم تكن هناك النسبة المخيفة من القتل و الجريمة على يد السلطة التي يمكن تسميتها بجمهورية الخوف الهاديء لحد الساعة، و على الرغم من الحوادث الكثيرة التي قرّبت السلطة من تؤثر على الحياة و توجه الاقليم الى سلطة الخوف و الرعب .
عندما يكون المشهد هكذا، و الفجوة كبيرة بين الغني و الفقير، و انفلاق اثرياء جدد بهذه السرعة بين ليلة وضحاها استنادا على الحكم الحزبي الشخصي و بمزاج الشخصيات و سلطتهم غير المحدودة البعيدة عن القانون و الصلاحيات و دون اي رادع لمن يفسد بشكل لا يمكن ان يتحمله اقليم كوردستان بمساحته و امكانياته المعلومة، و في ظل هذه المنافسة بل الصراع الطويل التي تخلله سكب الدماء البريئة في الحروب الداخلية الماضية التي بقيت اثارها المدمرة لحد الان، و في ظل عدم الانسجام و التوافق الاجتماعي التام، و ما فرضته الظروف من الياس و الملل على المواطن حتى من متابعة الفساد او التكلم عنه و ان شاهده بام عينه، و هذا ما جعل الاكثرية الساحقة لم يصوتوا في الانتخابات الاخيرة. فان الوضع القائم سيكون على حاله او يمكن ان ينحدر الى الاخطر لو سارت الامور على هذا الحال دون حلول جذرية لما هو المسيطر و القائم من السياسة العامة الحزبية المسيطرة على كافة منافذ السلطة و منابرها و مناصبها.
في ظل هذه الظروف التي سبق ذكرها، و في الواقع الذي فرض الملل في كيان و عقلية الفرد الكوردي، لابد ان تكون هناك افرازات سلبية في سلوك الفرد، مما جعل من كوردستان واحة للجرائم الاجتماعية كما هو حال العراق الاكثر نسمة و خطورة. و في ظل هذا الواقع هناك من الفروقات الفردية و العائلية من حيث المعيشة و ادامة الحياة التي ازدادات فيها الفجوات الواسعة و هي في مسار اتساعها اكثر فاكثر يوميا بين الفقير و الغني، فان نسبة الفقر المعدم اصبحت لا تطاق في الاونة الاخيرة و حتى بعد ان اعيدت رواتب الموظفين من بغداد التي تستغل هي من جانبها الوضع و تستغله و تعتبره منة و فضل على هذا الشعب الذي قدم الكثير و له الحق في ان يحصل على نعمة ما يملكه و ارضه وهو يسلب منه منذ مئات السنين منذ ان غزوه و غيروا من كل ما يمت به من اصالته المختلفة عن الغازين والمحتلين لبلاده. فالفقر المعدم مرض خطير على الشعب و الافة التي تاكل كيان السلم الاجتماعي قبل السلطة و يجعلها بنيانا هشا امام يتهاوى امام اية نسمة سياسية او عسكرية التي تريد ان تستغل الوضع الداخلي الكوردستان من اجل تحقيق مرامه و ان كان سيئا او هادما لكل ما حصل او الموجود ولو بنسبة قليلة جدا مقارنة بالتضحيات التي قدمت.
فكم من طفل حُطمت اماله و طالب باس من حياته و شاب و مراهق زهق من روحه من الفقر الذي تسببته هذه السلطة و العقلية التي تدير اقليم كوردستان منذ ثلاث عقود على شكل و لون واحد دون تغيير و دون ان تنتابنا احاسيس حقيقية بان تظهر هناك ولو اضاءة في الافق كي نتامل و نصبر على حالنا، و لم نتوجه الى الطرق غير السليمة في محاولة تغيير الامور او التاثير على الذات، و ما عدد المنتحرين الهائلة التي لم تذكره السلطات و غير المسجلة اكثر من ما يتطلع عليه الاعلام حقا، انه يدمي القلب و سببه الفقر الذي لا يمكن الاقتناع بان سببه غير مقصود او لا يمكن حله، بل الاعتقاد السائد هو فساد السلطة و الاهمال و عدم الالمام بحياة الناس و انشغالهم بالصراعات التي اودت بالثورات التحررية الكوردستانية السابقة، و اشنغالهم بترفهم و معيشتهم الابهة و الترف، فما مصير السلطة مستقبلا في ظل هكذا حال ؟