23 ديسمبر، 2024 4:57 ص

في تسعينات القرن الماضي حيث الحصار الظالم الجائر على الشعب العراقي بسبب حماقة الحكومة في غزو الكويت. كانت المواد الغذائية شحيحة في الأسواق ولا نجد حتى الطحين الذي نخبز منه. بيض المائدة كان شيئاً نادراً لا أثر له، ومن ذا الذي يستطيع أكل البيض حينها إذا لم يكن له حقل دواجن بيتي صغير يربي فيه الدجاج.
كانت الرواتب لا تتجاوز الدولار أو الدولارين في الشهر الواحد وكانت الحالة المعيشية أكثر من صعبة. كان أحد العمال في شركة نفط الشمال يجمع البيض من القرى القريبة من بعض الحقول النفطية ويأتي بها إلى الأسواق، ونحن نشتري منه بعضاً من البيض. كيف لي أن أتأكد من كون البيض طازج أم فاسد؟ بالسؤال أرشدني أحد الأخوة بأن أضع البيض في الماء، حيث سيكون من البيض ما سيطفو على سطح ومنه ما سيغمر في القعر بحسب طزاجة البيض أو فساده.
جئت بسطل ماء ووضعت ما يقارب 10 بيضات فيه. فعلاً كان ذلك، حيث من البيض ما يعوم على السطح ومنه ما قد غمر في قعر السطلة.
بعد هذا الفحص العملي قمت بجمع كل بيض يطفو على وجه الماء، وتركت كل ما كان في القعر.
رجعت إلى البيت فرحاً بشراء 10 بيضات قروية صحيّة. في صبيحة اليوم التالي ونحن نستيقظ مبكرين لنفطر على هذه البيضات وإذا بها تالفة فاسدة جميعاً وليس فيها بيضة فيها خير ويمكن تناولها.
تبين لي بأن تقديري كان خطاءً، فلم أكن أعلم حينها أن الفاسد من البيض يطفو ويكون في الواجهة وفي المقدمة، وأن البيضة الأصيلة والطازجة والتي يمكن الإستفادة منها تكون في القعر دائماً.
خدعت بالمظاهر وتصورت أن الجيد من البيض هو الذي يطفو على السطح. كنت مخطاً في التقدير للغاية بعد أن تبين العكس تماماً.
سبحان الذي خلق الطبيعة والذي جعل القوانين تنطبق على كافة المخلوقات في كل مكان وحين. فالماء الذي يتجمد في صفر درجة مئوية ويتبخر في 100 درجة اليوم، هو كذلك منذ النشأة الأولى للخليقة.
والحبل السري الذي يربط الجنين بالأصل هو موجود في الحيوان والنبات والإنسان. فمهندس الخليقة واحد والعمل واحد.
وعلى هذا الأساس تبين أن في كل شيء فإن الفاسد دائماً ما يكون في المقدمة ويطفو على الجميع، ويكون الطازج الأصيل الذي يمكن الإستفادة منه في القعر لا يفسح له أن يطفو. والأمر ينطبق على كل المخلوقات..
كان درساً لي لأعلم أن كل ما يطفو إلى الواجهة من الأشياء والمخلوقات ويكون ملمعاً للناظرين وظاهراً قبل الجميع فهو فاسد.. واللبيب من نسيم الهواء يفهم.