لكي تكون الشعوب يجب أن تتكلم بلسان أفعالها.
الأقوال لا تصنع وجودا حضاريا نافعا , ولا تقدم آليات إقتدار وقوة وبقاء في مسيرة الأجيال , ولا يمكنها أن تجيد السباحة في تيار نهر الإنسانية المعاصرة.
ذلك أن الأقوال عندما تكون هي الفعل وحسب , فأنها تشل الطاقات وتحطم القدرات وتسحق الأجيال في بعضها , لأنها ستوفر لها حيثيات التصادم والإرتطام والتصارع والإنتقام.
وعندما نقرا مسيرة المجتمعات المتقدمة , يتضح أن الفعل قولها , والكلام عندها يعلن عن فعل , ولايمكنه أن يُدرك على أنه مجرد كلام , ولهذا فأن للكلمة قيمة ودور في الحياة.
وفي المجتمعات المتأخرة يفقد الكلام دوره لأنه لا يرتبط بفعل , وإنما يمثل سورة إنفعالية وردود أفعال عاطفية آنية التأثير , وإذا وعد بفعل فأنه يكون سلبيا حتما.
وقد تعودت الأحزاب والفئات السياسية في المجتمعات المتأخرة على أن يكون فعلها قولا فقط , ولهذا تحولت نشاطاتها إلى شعارات فارغة وخطب رنانة لا غير.
وعندما تنظر إلى إنجازاتها , لا ترى سوى الخراب والتدحرج السلبي والتداعي في ميادين الضياع , ومعظمها إنتهت إلى إحتراب وإقتتال وأزمات مرعبة أنهكت الشعب وبددت الثروات.
ومن هنا فأن إعادة القيمة للكلمة من ضرورات التحضر والتفاعل الواعي المقدام , ولكي يكون المجتمع ويتقدم الشعب لا بد له من الإتيان بكلام يدل على فعل لا بكلام هو الفعل.
وعندما تعجز المجتمعات عن ربط القول بالعمل , فأنها تدخل في مرحلة من الركود والتفاعلات السلبية الضارة لوجودها والهادرة لطاقاتها.
وقد أمضى المجتمع العربي القرن العشرين في محنة الخصام ما بين القول والفعل , فسادت الأقوال وضاعت الأفعال , وتحولت الأنظمة السياسية إلى موجودات ذات قدرات خطابية هزيلة وشعارات كاذبة , تضلل بها وتأخذ الناس إلى ما ينافي مصالحهم وتطلعاتهم الإنسانية الكريمة.
وبعد رحلة شاقة متعثرة في صحارى الأقوال وأوحال الإدعاءات والشعارات , صار من الواجب الحتمي على العرب , أن يدخلوا ميادين العمل الحضاري والإنطلاق بطاقاتهم إلى حيث يجب أن تكون وتتجسد , لكي تعبّر عن حقيقة وجودهم ودورهم الضروري لحياة إنسانية أفضل.
ويتحمل قيادة الدور الجديد للعرب الشباب الواعي المتنور والمتطلع إلى آفاق مستقبلية مطلقة , والذي قرر التعبير عن إرادة العمل.
وقد إنبثقت إرادته العملية الجادة الصادقة , وتبرعمت إمكانياته المتوقدة , فهيا إلى العمل والجد والإجتهاد والإبداع.
وهيا للكلام بأفعالنا وإمتلاك مهارات تحقيق أفكارنا المنيرة.
ولسوف يكون الغد مشرقا بشباب الأمة الواعد!!