23 ديسمبر، 2024 6:03 ص

الفضائيات هل تبث المعرفة و التنوير

الفضائيات هل تبث المعرفة و التنوير

انعقد مجلس للسمر في مضيف من قصب في قريتي على ضفاف الفرات الاوسط ودار الحديث في البداية بين الحضور – ومعظمهم قرويون – عن موجة الحر الخانقة التي لم تعرف ذاكرتهم مثلها ابدا .. ثم تشعبت الاحاديث في السياسية والاشاعات العامة والخاصة ، وبصفتي اعلامي لم يقصروا في طرح الاسئلة علي فيما يتعلق بالحكومة والحاكمين الذين بدا واضحا ان الحاضرين في الغالب غير راضين عنهم ، ولا يثقون بالاسماء الكبيرة في الدولة ولا يتوقعون منهم خيرا ، ويتمنون تغيرهم جميعا بلا استثناء ، وقد اختلف المتحدثون في كيفية التغيير ومتى يمكن ان يحدث وما هي الضمانات في ان من سيأتي سيكون افضل من الحاليين .

وقد اسعدني خوض المتحدثين – ومعظمهم كما قلت من الفلاحين والقرويين ، واعرف ان الاكثرية منهم اميون – في نقاش مسألة فيما اذا كانت الاوضاع الدولية والاقليمية الحالية تسمح بالتغير الان وفي اي اتجاه ، وجلست انصت باعجاب الى تحليلاتهم وارائهم الحكيمة التي تفوق ما نسمعه من افواه بعض سياسيي الصدفة الذين ركبوا بغلة الحكم طوال درزن السنين الاخيرة !!

ودار بين الحاضرين جدل ونقاش ليس فقط حول القضايا العراقية وانما تعداها الى ارتباط ما يحدث عندنا بمايحدث عند غيرنا ، وانبرى كهل الى الحديث بعد ان كان منشغلا لفترة بلف السيجاير واعطائها لغيره ممن كانوا ينتظرونها ويرحبون بها ، وطرح قضية شغلت الاخرين ، ومفادها ان ما يحدث عندنا ، في المنطقة ، مخطط له ومدروس منذ سنوات ، وينفذ بالتدريج وبحكمة خبيثة ، ومن قبل قوم غير قومنا وان فشل سياسينا وانغماسهم بالفساد هو جزء من تل الخطة ليثبتوا لنا ان لا خير يرجى منكم ، وحتى داعش وامثالها وتماديها في البطش هي جزء من خطة لتركيعنا لما يريدون من باب ” اره الموت كي يرضى بالسخونة ” “

وضحك صاحبنا وهو يعيد الجملة الاخيرة مرتين … مفسرا ضحكته بانها سخرية من حكام المنطقة الذين يتوهمون انهم هم من يقررون مستقبل بلادهم وانهم ممكن ان يقبلوا وان يرفضوا … وانهم ممكن ان يؤثروا على صلب القضايا ..

وخاض الكثير من الحاضرين في تفاصيل هذه القضية مستشهدين بتحاليل وتقارير ووجهات نظر سمعوها من هذه القناة او تلك ’ ومارسوا بوعي الكثير من التقيم او النقد والمفاضلة بين القنوات المتعددة فيما يتعلق بالمصداقية الاعلامية وحسن التغطية والتحليل للاحداث ومواكبة التفاصيل ، ومدى ثقة هذا المتحدث اوذاك بالقناة المفضلة عنده في موضوع الاخبار والحيادية والانحياز والنزاهة !

وتناول تقييمهم حتى اسماء من يظهرون على الشاشات بصورة متكررة تحت عنوان ” محلل سياسي – او خبير سياسي “

وقد تجلت بوضوح ثقافة القنوات الفضائية حتى بين الاميين حيث فتحت امامهم افاق المعرفة والمعلوماتية فقامت بدور تنويري ذي طبيعة تراكمية واخرجت المواطن – وخاصة في الارياف والقرى والمدن الصغيرة – من عزلتهم الثقافية وحتى الحضارية ، وقربتهم مما يجري في العالم دون حصار رقابي او منع قسري ,

الفضائيات – كجزء من العالم الالكتروني الذي نعيش تطوره الخارق المتسارع -فتحت امام المواطن افاقا غير محدودة ” للفرجة ” بعد ان كانت عينه لا ترى غير ما تبثه محطته المحلية ، الحكومية طبعا ،

فسألت الحاضرين عن علاقتهم بالمحطات الفضائية وتعددها والتي تجاوزت الثمنمائة في الفضاء العربي فاشتكوا من عدم قدرتهم على منع صغارهم من مشاهدة ما لا تليق مشاهدته ، وكغيرهم من الناس تذمروا من الخلاف داخل العائلة على مشاهدة هذا او ذاك ، ووجدوا ان تعدد القنوات وكثرة البرامج وتنوعها مربكة

في عملية الاختيار فتولد عند بعضهم عادة الامساك بالرموتكنترول والتجوال بين القنوات دون استقرار مما يثير غضب من يشاركك الجلسة .

ولكن الاراء كلها اتفقت على انهم لا يمكن ان يتصوروا حياتهم الان بدون الهاتف المحمول وبدون جهاز استقبال الفضائيات الذي ملاء حياتهم معرفة واطلاعا وتسلية وبهجة ومكنهم وهم في بيوتهم القروية البسيطة من ان يتابعوا اخبار الدنيا واحداث السياسة وتفاصيل النزاعات وان يحضروا مباريات كرة القدم في العالم ويسمعوا الموسيقى ويحضروا الحفلات ويشاهدوا المسلسلات ..وكانوا في منتهى السعادة عندما تحدثوا عن مشاهدة الافلام عبر التلفزيون ، فمعظمهم لم يدخلوا صالة سينما في حياتهم ولم يشاهدوا فيلما من قبل .. ” الفضائيات تقدم لنا عشرات الافلام يوميا .. الفضائيات جلبت السينما الى بيوتنا “

عندما عدت بسيارتي ليلا كانت شاشات التلفزيونات المتتالية تشع بين اشجار البساتين المحيطة بالبيوت الصغيرة التي خرج اهلها يبحثون عن نسمة هواء تخفف من لافح ليل أب اللهاب .. خرجوا ومعهم التلفزيون بفظائياته التي لا استغناء عنها .