القسم الثاني
إن إختلاف الدول في تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات ، أدى إلى ظهور أنظمة سياسية ثلاث هي : النظام المجلسي والنظام البرلماني والنظام الرئاسي ، فإذا كنا أمام فصل مطلق بين السلطات نكون بصدد النظام الرئاسي ، وإذا كنا أمام فصل مع تعاون وتنسيق نكون أمام النظام البرلماني ، وفي حالة هيمنة السلطة التشريعية مع إنبثاق السلطة التنفيذية عنها ، نكون أمام النظام المجلسي ، ولا ندري في أي حالة من الفصل بين السلطات يقع نظام الحكم في العراق بعد الإحتلال ؟!، بسبب ونتيجة التخبط والفوضى وعدم الإستقرار السياسي ، لأن من متطلبات حسن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات ، أن يتحقق التوازن بين السلطات الثلاث ، كي لا تطغى أي سلطة على الأخرى ، من خلال وضع قيود وحدود ممارسة السلطات القائمة لمهامها وواجباتها دون إختلاط ، ولأن الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات غالبا ما يؤدي إلى ضعف السلطتين التشريعية والقضائية في مواجهة السلطة التنفيذية ، بسبب تنازل السلطة التشريعية في كثير من الأحيان عن حقها التشريعي ، وعن الكثير من الحقوق والإلتزامات التي يجب أن تقوم بها لمصلحة السلطة التنفيذية ، كما حصل بفعل عدم دستورية تشريع مقترح القوانين من قبل مجلس النواب ، لغاية إقرار المحكمة الإتحادية العليا بذلك الحق في 14/4/2015 ، مما ساهم في خلق ظاهرة تدني الأداء البرلماني ، بسبب ضعف وسائل الرقابة وعدم فاعليتها في معظم الأحوال والأوقات ، الأمر الذي أدى إلى أن تتوجه معظم الدول العربية ، على تضمين دساتيرها العمل بمبدأ الفصل بين السلطات وعلى تعاونها وتوازنها ، وعلى وسائل الرقابة المتبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية ، إضافة إلى نص بعضها على منع الجمع بين عضوية الحكومة وعضوية المجلس النيابي ، مقابل من أجاز الجمع بين النيابة والوزارة ، ومنها من أعطى رئيس الدولة سلطة التشريع بقرارات ومراسيم تشريعية آنية في حالات الضرورة القصوى ، أو خارج دورات انعقاد مجلس النواب أو عندما يكون منحلا أو في حالات الطوارئ ومداهمة الخطر غير المتوقع ، وتلك الحالات مما يخلو منها الدستور العراقي على الرغم من الحاجة إليها ، بإستثناء منع الجمع بين عضوية السلطات الثلاث .
إن الفصل بين السلطات لا يعني النزاع والخصومة فيما بينهما ولا مع مكونات بعضهما البعض الآخر ، كما هو شأن سلطات ما بعد الإحتلال ، وليس ما نشأ من تطبيقات مخالفة لنصوص الدستور لسنة 2005 ، كما هو شأن المطالبة بتمديد مدة مجلس النواب حسب إجتهادات أعضائه الخاسرين في الإنتخابات ، الذين لم نشهد من حرصهم على عقد إجتماعات الدورة الإنتخابية خلال فصولها التشريعية الثمانية ، ما نشهده في اليومين الأخيرين من الدورة الإنتخابية ، بدوافع الحرص على ديمومة تحقيق المصالح الشخصية لأطول مدة ممكنة ، مع عسر وعدم إمكانية إكتمال النصاب ، معللين آمالهم على ما تضمنه قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم (99و104و106/اتحادية/اعلام/2018) في21/6/2018 ، القاضي ب ( أما بصدد الطعن الذي يذهب إلى أن القانون لم يرسل إلى رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه وإصداره , وجواب ذلك أن عدم القيام بهذا الإجراء فورا ، لا يمنع من صيرورته قانونا نافذا ، لأن رئاسة الجمهورية لا تملك دستوريا صلاحية نقض القوانين بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ دستور جمهورية العراق لعام 2005 ، إستنادا للمادة (138) من الدستور ) ، ولا أعتقد بأن رأي المحكمة متطابقا مع نص البند (أولا) منها ، حيث ( يحل تعبير ( مجلس الرئاسة ) محل تعبير ( رئيس الجمهورية ) أينما ورد في هذا الدستور، ويعاد العمل بالأحكام الخاصة برئيس الجمهورية بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ هذا الدستور ( ، المؤكد بنص البند (سادسا) منها ، على أن ( يمارس مجلس الرئاسة صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في هذا الدستور( ، وهما من الأحكام الإنتقالية المؤكدة لممارسة كل منهما محل الآخر للمنصوص عليه في بنود المادة (138) ، ومنها على وجه الخصوص البند (خامسا ) الذي يقضي بأن :-
أ- ترسل القوانين والقرارات التي يسنها مجلس النواب إلى مجلس الرئاسة لغرض الموافقة عليها بالإجماع ، وإصدارها خلال عشرة أيام من تأريخ وصولها إليه ، بإستثناء ما ورد في المادتين (118) و(119) من هذا الدستور ، والمتعلقتين بتكوين الأقاليم.
ب- في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة ، تعاد القوانين والقرارات إلى مجلس النواب لإعادة النظر في النواحي المعترض عليها والتصويت عليها بالأغلبية ، وترسل ثانية إلى مجلس الرئاسة للموافقة عليها.
ج. في حالة عدم موافقة مجلس الرئاسة على القوانين والقرارات ثانية خلال عشرة أيام من تأريخ وصولها إليه ، تعاد إلى مجلس النواب الذي له أن يقرها بأغلبية ثلاثة أخماس عدد أعضائه ،غير قابلة للإعتراض ، وتعد مصادقا عليها.
ولا أدري كيف حملت المحكمة الإتحادية نص البند ( أولا ) ما لا يحمله ، لأن البند (خامسا) هو ما تقرر بموجب الفقرتين ( ب – ج ) منه ، حالة عدم الموافقة دون غيره ، وليس البند (أولا) لتقرر بأن رئاسة الجمهورية لا تملك دستوريا صلاحية عدم الموافقة على القوانين بعد دورة واحدة لاحقة لنفاذ الدستور ، مما يؤكد عدم صحة وسلامة القرار بسلب صلاحية عدم الموافقة من قبل رئيس الجمهورية أو تجريده منها ، إلا إذا كان ذلك القرار ذو جنبة سياسية متعكزة ومستقوية ، بقرارات المحكمة الإتحادية العليا الباتة والملزمة للسلطات كافة ، حسب نص المادة (94) من الدستور ، المانعة من الطعن أو إبداء الرأي أو الملاحظة ، بحكم الحصانة التي تتمتع بها إستثناء من حكم المادة (100) من الدستور ، حيث ( يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل أو قرار إداري من الطعن ) ، والتي نرى أخذها بعين الإعتبار عند تعديل أو تبديل الدستور ، الذي نجد وجوبه خلال الدورة الإنتخابية الجديدة .
كما إن الفصل بين السلطات لا يعني أيضا ممارسة كل سلطة لمهامها وأداء واجباتها بمعزل إحداهما عن الأخرى بشكل مطلق ، وإنما بما يكمل رسم الصورة لمجمل النشاطات والفعاليات الخاصة بتوزيع وظائف الدولة ، بإستبعاد عوامل التنافر والتقاطع المشوه لمخرجات الإنتاج العام في كافة الحالات والمجالات ، من خلال عمليات التنسيق والتعاون المشترك ، التي تتمثل في مسؤولية تأمين الإتصال بين المستويات الوظيفية العليا في الهيكل التنظيمي للسلطات ، بما يساعد على التكامل بين المراكز الوظيفية أفقيا ، وبما يحقق الأهداف المرسومة للنظام الإداري والسياسي المعتمد ، وإن كان هنالك من الإختلاف أو عدم الإتفاق في الرأي ما يمكن تجاوزه بصيغ التوافق المطلوب ، ولعل من أبرز مزايا التنسيق المهني الفعال ، ضمان ولاء الأفراد للنظام العام ولأهداف السلطات ، بما يؤدي إلى الكفاية الإدارية في أداء المهام وإنجاز الواجبات والأعمال بأقل جهد ووقت وكلفة ، لغرض تحقيق التوازن والإنسجام بين مختلف أوجه النشاطات ، بحيث يسود التفاهم والتعاون بمختلف المستويات الإدارية ، لتجنب وتفادي التكرار والإزدواجية والصراعات ، من خلال تكامل إختصاصات الوحدات الإدارية المختلفة داخل كل سلطة ، وربط بعضها ببعض في عملية توافقية تستهدف منع المشكلات التي قد تحدث نتيجة عدم ممارسة التنسيق المطلوب ، لأن مبدأ الإتصال المباشر بين الأفراد أثناء العمل اليومي ، يبدأ منذ المراحل المبكرة لوضع الخطط والسياسات العامة ، للحفاظ على التوازن وتقليل المشكلات اللاحقة ، بإرتباط وتفاعل جميع العوامل في موقف معين متكامل وواضح . وذلك ما لم نجده ثابتا في النظام الجمهوري النيابي العراقي ، كما هو ثابت في دول العالم الأخرى التي تعتمد هذا النظام ، بدليل عدم إستيعاب وفهم معظم أعضاء مجلس النواب ، لمهام إختصاص التشريع والرقابة المتكاملة والمتصلة وغير المنقطعة بين المجلس المنتهية ولايته والمجلس الجديد ، إلا بوسائل الأسباب الموجبة لذلك الفصل المؤقت الذي تستوجبه إجراءات الإنتخابات ، ومن دون القفز عليها لأي سبب كان ، لأنها ليست حكرا على مجلس دون الآخر في عمر الدولة أو الحكومة أو أية سلطة أخرى ، ولأن الدستور حدد إختصاصات مجلس النواب بموجب المادة (6) منه ، الذي نص البند (ثانيا) منها على إختصاص ( الرقابة على أداء السلطة التنفيذية ) ، ومن المعلوم أن المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، ليست من تشكيلات السلطة التنفيذية ، كونها من الهيئات المستقلة التي ورد ذكرها في المادة (102) من الدستور ، حيث ( تعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، والمفوضية العليا المستقلة للإنتخابات ، وهيئة النزاهة ، هيئات مستقلة ، تخضع لرقابة مجلس النواب ، وتنظم أعمالها بقانون ) ، وعلى ذوي السلطة والشأن ، معرفة حدود الرقابة اللازمة ، حسبما أوضحته المحكمة الإتحادية بقرارها التفسيري المرقم (228/ت6/2006) في 9/10/2006 ، بشأن معنى الإستقلال الوارد في المادة (102) آنفة الذكر ، إضافة إلى تفسيرها الوارد بقرارها المرقم (88 / إتحادية /2010) في 18/1/2011 ، الذي تناول مسائل إرتباط بعض الهيئات المستقلة ذات الطبيعة التنفيذية في عملها بمجلس النواب أو بمجلس الوزراء ، وكيفية مراقبة أعمالها ، مما يستوجب تجنب الخوض فيما يستند إلى الرأي الشخصي غير المهني وغير المؤسس على قواعد القانون ، من أجل بناء الدولة وخدمة الشعب .