ما اطرحه هنا هي محاولة للفهم ما تقوم به الفصائل الولائية المحسوبة على الحشد الشعبي من حيث ممارساتها على الأرض فهل هي تخدم مصلحة الدولة العراقية والعراقيين ام هو على العكس يزعزع الاستقرار الهش في المجتمع العراقي ويضعف الامن الذي حصل على بعض القوة في السنتين الأخيرتين وانه يسقط هيبة الدولة في اعين الشعب العراقي وامام الدول المجاورة والمهتمة بالشأن العراقي.
الحشد الشعبي العراقي الذي تأسس كرد فعل على احتلال مدينة الموصل وحوالي ثلث مساحة العراق من قبل ميلشيات الدولة الإسلامية السلفية وحلفائها من العشائر وبقايا حزب البعث العراقي، حيث اقترب مقاتليها من العاصمة بغداد وفشل الجيش العراقي وبقية الأجهزة الأمنية في وقف ذلك التقدم، فلجئ السياسيين الى مرجع المسلمين الأعلى في النجف الاشرف لإصدار فتوى الجهاد ضد الارهاب دعما للأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية. الفتوى التي صدرت في تموز/ يونيو 2014 طلبت ممن يستجيب لها الخضوع الكامل لسلطة الدولة العراقية والعمل كمتطوعين. وفعلا تشكلت في بادئ الامر بشكل غير منظم حيث كان الهدف الاول هو إيقاف زحف مقاتلي الدولة السلفية ومنعهم من احتلال المزيد من الأراضي وهذا ما تم بالفعل. فلولا وجود مقاتلي الحشد الشعبي لكان سقوط بغداد وبقية محافظات الوسط والجنوب امر وارد جدا حسب الحسابات العسكرية. ولهذا فالكثير من العراقيين لا ينسى ذلك الفضل والنجاح للفتوى وللحشد الشعبي بشكل عام.
ان حقيقة الحشد الشعبي هو عبارة عن تكتل او اتحاد يضم مجموعة من الفصائل المختلفة وذو الخلفيات المتنوعة فمنهم الشيعة ومنهم السنه والمسيحيين، ومنهم من هو تنظيم سياسي وعسكري ومنهم من هو فقط عسكري، ومنهم من هو منظم ومن هو عشائري وهكذا. حسب تصريحات إعلامية فان عدد الفصائل المكونة للحشد يصل الى حوالي 63 فصيل منهم حوالي 40 فصيل محسوب على الإسلام الشيعي وحوالي فصيلين مسيحي والباقي فصائل سنية اغلبها عشائرية. العدد الكلي لأفراد الحشد حسب السجلات الحكومية يبلغ حوالي 164 الف بينما الكلام المسرب وحتى من خلال تسجيلات مصورة في قنوات تلفزيوني قالها كبار المسؤولين العراقيين منهم رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بان عددهم لا يزيد عن 60 الف والبعض وحسب مصادر خاصة يقول ان عددهم الحقيقي هو 48 الف تقريبا.
من ناحية الولاء فيمكن تقسيم فصائل الحشد الإسلامية الشيعية الى فصائل تابعة للعتبات المقدسة لشيعية وبعبارة أخرى خاضعة لتوجيها مكتب المرجع الإسلامي الأعلى في النجف، ولكن بشكل غير مباشر وهي تضم ثلاث فصائل وتم تسميتها بحشد العتبات وهي فرقة العباس القتالية، لواء علي الأكبر، لواء أنصار المرجعية. والقسم الثاني والذي يمثل اغلب الفصائل الإسلامية الشيعية وهي ولائها لقيادتها السياسية الحزبية مثل بدر وعصائب اهل الحق وقوات الشهيد الصدر وسرايا عاشور. والقسم الثالث وهو ما يطلق عليه الفصائل الولائية لأنها تعتبر الولي الفقيه للمسلمين الإيرانيين السيد الخامنئي هو ولي امرهم سياسيا وفقهيا، وللحرس الثوري الإيراني تأثير كبير على قراراتهم وهي حوالي 6 فصائل او اكثر واشهرهم كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء وحركة النجباء وكتائب الامام علي وانصار الله الاوفياء.
هذه الفصائل الولائية شكلت مجموعة سمتها المقاومة الإسلامية، المحور الأساسي لهذه المجموعة تدور حول ان المستشارين والقوات الامريكية الموجودة في العراق بانها قوات احتلال ويجب ان تطرد وان السفارة الامريكية هي سفارة دولة الاحتلال ويجب ان تغلق، وتدعو الى انه على الحكومة العراقية قطع كل اشكال الاتصال بأمريكا، ولهذا فهذه المجموعة تقوم وبشكل مستمر بقصف السفارة الامريكية في بغداد وقصف القواعد العسكرية العراقية المتواجد فيها المستشارين العسكريين الامريكان سواءا في قاعدة عين الأسد او في جوار مطار بغداد او الى جوار مطار أربيل حيث ان دخول هذه القوات على الاغلب الاعم يتم عن طريق الجو وليس برا الا في حالات نادرة.
طبعا هكذا ادعاءات لا تصمد لاي نقاش قانوني منطقي على الاطلاق ، فمصطلح مقاومة يطلق على التنظيمات التي تعمل لتحرير الدولة من قوات اجنبية سيطرة عليها بدون موافقة الجهات الرسمية في الدولة، وهذا لا ينطبق على الحالة العراقية فلا احد يقول على ان العراق محتل من أي دولة وباي شكل من الاشكال، فلقد انتهى الاحتلال للعراق من قبل حوالي 30 دولة بقيادة أمريكا منذ عام 2012 وبموافقة البرلمان العراقي وكافة الأحزاب المشاركة فيه وان ما موجود من امريكان هم بصفة مستشارين ومدربين وهناك غرفة عمليات مشتركة مع الجانب العراقي من اجل القوات الجوية والمسيرات والمعلومات الاستخبارية العسكرية فيما يتعلق بتواجد تنظيم الدولة السلفي الإرهابي والذي لا زال فاعلا لحد الان. وكل هذا التواجد تم بطلب من الحكومة العراقية الممثلة لكل التنظيمات السياسية على الساحة العراقية وبشكل مستوفي للشروط والقوانيين العراقية وبالتالي فتواجدهم يعتبر قانوني ورسمي وهذه القوات لا يزيد عددهم عن 2500 فرد وتحركاتها تتم عبر الجو في غالبة الأحيان. ولهذا فتسميتهم بالاحتلال لا مبرر قانوني ولا واقعي له على الاطلاق. اما السفارات فهي بعثة دبلوماسية وهو امر قانوني ورسمي ومتعارف عليه دوليا ولا يمكن تسميتها بسفارة الاحتلال.
وثانيا ان هذه المجموعة التي تطلق على نفسها مقاومة إسلامية لا يجوز ان تتحرك وتضرب وتقتل وتستخدم قوة نارية باستخدام أسلحة ثقيلة كالصواريخ واستخدام طائرات مسيرة بدون موافقات قانونية من الحكومة العراقية ومن القيادة الأمنية التابعة لها وهي قيادة قوات الحشد الشعبي والتي هي جهة رسمية عراقية وخاضعه للقوانين العراقية. بالتالي أي عمل بدون موافقات رسمية صحيحة يعتبر عمل غير قانوني ومخالف للأصول العسكرية وتعتبر التنظيمات التي تقوم بها تنظيمات خارجة على القانون ويجب ان تخضع للمسائلة وللمحاكمة الأمنية او العسكرية، واذا كانت هذه الاعمال تهدد امن العراق وحياة العراقيين فيعتبر عملها عمل إرهابي.
الكثير يحلل الأمور على أساس ان هذه التنظيمات خاضعه لسيطرة الحرس الثوري الإيراني ولا تبالي بالقيادة العسكرية والأمنية العراقية وهي تفضل مصلحة ايران على المصلحة العراقية في حال التعارض والجهة المؤثرة عليهم هي قيادة فيلق القدس الإيراني ، وهذه هو اقرب تحليل ممكن قبوله فمعظم ما تقوم به ما يسمى بالمقاومة الإسلامية هو يتماشى مع المصالح والتوجهات التي يتبناها الحرس الثوري ويضر بشكل واضح بالدولة العراقية من حيث الاستقرار الأمني الهش وبسمعة العراق الدولية في الخارج وتأثير ذلك على الشركات العالمية والسياحة والاقتصاد والوزن الدولي وكذلك يؤثر على هيبة الدولة في الداخل في اعين الجهات السياسية وعصابات الفساد المالي والعصابات الاجرامية المنظمة وغيرها من امور.
في هذه الأيام رجعت ما يسمى بالمقاومة الإسلامية وبعد سكوت لأشهر الى عادتها القديمة باستهداف السفارة الامريكية في بغداد والقواعد الامريكية ليس في العراق فحسب بل حتى القواعد الموجود خارج الحدود في سوريا ، و لا اعرف لماذا تضرب في دولة مجاورة رغم انها تدعي انها عراقية وتريد اخراج الاحتلال من العراق ، فهل يحق لهم ضرب القواعد الامريكية في الكويت والأردن وقطر والسعودية وتركيا مثلا وهي تدعي انها مقاومة للاحتلال في العراق؟
الغريب ان ايران نفسها عملت اتفاقية غير مكتوبة مع الامريكان انفسهم ومنذ الأيام الأولى وتعهدوا بعد التدخل عسكريا في موضوع غزة وذلك مراعات لأوضاع الداخلية التي تمر بها ايران بالخصوص الاقتصادية ولكن هذه المجموعة من التنظيمات العراقية استغلت احداث غزة للرجوع الى عمليات ضرب المصالح الأمريكية في العراق وسوريا بما فيها البعثة الدبلوماسية بحجة نصرة غزة بدون مراعات الضعف الحقيق الذي يمر به المجتمع العراقي من الناحية السياسية والاقتصادية والأمنية، فهل فعلا أعمال ما يسمى بالمقاومة الإسلامية في العراق تراعي في مصالح المسلمين العراقيين ام هي مصالح إيرانية أولا وأخيرا؟