قيل عن الفساد في الدولة العراقية كثير من القصص، ليس أهونها توقف حركة الطائرات عن الإقلاع، لأن ابن المسؤول لم يكن فيها، ولم يكن أفضعها صفقة كاشف المتفجرات، الذي يبلغ سعره في بريطانيا (بلد المنشأ) عشرة دولارات، وتم شراؤه بملايين الدولارات، هذه النماذج من الفساد المستشري في كافة مفاصل الحكومة، هي غيض من فيض الفساد بعد سقوط الصنم، والذي أخذ المواطن يترحم عليه، لأن الحرامي في أيامه كان واحدا؛ أما اليوم فإن الحرامية هم كُثر.
بعد خروج التظاهرات التي عمت محافظات جنوب العراق، لأن محافظات غرب وشمال العراق بيد داعش، بسبب حماقات مختار العصر! والتي كانت تطالب بتوفير الخدمات للمواطن الذي عانى الأمرين، الأول لأنه يرى ثروات الشعب متداولة بأيدي السراق والنفعيين، والثاني لامبالاة الحكومة بالواقع المرير الذي يعيشه المواطن، كذلك وقوف المرجعية الدينية مع المتظاهرين، تلقف رئيس الوزراء المبادرة في محاربة الفساد والمفسدين.
حسنا فعل السيد العبادي عندما بادر بحزمة الإصلاحات الأولى والثانية، لكن ما يؤخذ عليه من قبل شركاؤه في العملية السياسية، عدم تشاوره معهم في إتخاذ القرارات، مع أنهم لا مانع لديهم في محاربة الفساد والمفسدين، بعد الإطلاع على ما يريد القيام به، ومع هذا فإن عجلة الإصلاحات التي تبناها السيد العبادي، ووافق عليها مجلس النواب لم تر النور، بسبب بطء العمليات الإجرائية، التي كان على رئيس الوزراء القيام بها تاليا، من هذه الإجراءات إحالة أعضاء السلطة القضائية على التقاعد لتجاوزهم السن القانوني، هذا عدا عن كون بعضهم عليهم ملفات فساد أو مشمول بالإجتثاث.
إن محاربة الفساد من وجهة نظرنا لم يكن من خلال إحالة مدراء عامين على التقاعد، أو تكييف وضعهم القانوني (كما ينص الأمر الديواني)، ذلك لأن رؤوس الفساد والحيتان الكبيرة ليست في هذه الحلقة الصغيرة، صحيح أنه هناك مدراء عامين تطالهم ملفات الفساد؛ لكن ليس بقدر أولئك الذين إمتلأت كروشهم بثروات العراق، وخير دليل على ذلك صفقة السلاح الروسي التي تزيد على 4 مليار دولار، صفقات الزيوت والرز غير الصالح للإستهلاك البشري في وزارة التجارة، وملفات فساد في دوائر خدمية كثيرة، كان على رئيس الوزراء تقديم هذه الملفات الى القضاء العراقي للتحقيق فيها.
الخطأ الفادح الذي وقع فيه السيد العبادي، كان سُلم الرواتب، مع أنني من أشد المناصرين لتغيير هذا السلم الأعوج! ذلك لأن مطالب المتظاهرين لم تكن على قلة الرواتب، بل لإنعدام الخدمات، وما دام السيد رئيس الوزراء قام بهذه الخطوة، فلابد من التعريج عليها، من خلال القول بوجوب مساواة العاملين في الرئاسات الثلاث مع بقية الموظفين في دوائر الدولة، فليس من المعقول أن تكون مخصصات موظف يعمل في المنطقة الخضراء يتجاوز ملايين الدنانير، في وقت نجد موظف أخر بنفس المؤهلات في دائرة خارج المنطقة الخضراء راتبه لا يتعدى ال500ألف دينار.
على رئيس الوزراء ومن خلال مستشاريه (وهم كُثر) الإلتفات الى هذه المسألة، وإن عدم تنبيه السيد العبادي من قبلهم لهذه المسألة يعتبر خيانة لواجبهم المكلفين به، الأمر الذي يجب أن يتداركه السيد العبادي بصورة عاجلة.