23 ديسمبر، 2024 4:08 ص

لست متفائلا كثيرا بمردودات الدعوة التي أطلقها دولة رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لمحاربة الفساد والقضاء عليه وإرسال أصحابه خلف القضبان كما قال ، فقد اعتدنا في العراق على سماع مثل هذه الدعوات الرنانة والتصريحات النارية ، ثم تمر الأيام ، وينتهي الأمر إلى لا شيء ، وكأنه ((جعحعة من دون طحين)) كما يقول المثل العربي المعروف .
وليس بعيداً عنا حديث الإصلاحات التي أعلن عنها الدكتور العبادي قبل أكثر من سنتين ، وأطلق (حزماً) متتالية منها ، وانتهت من غير تنفيذ ، وكأنها صرخات دوت ثم ضعفت وضاعت في واد سحيق !! وكان أهمها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية الثلاثة ، وهي مناصب تثقل خزينة الدولة من دون فائدة تذكر لهذا الوطن المتعب وأهله الفقراء ، بل أن هؤلاء النواب هم سبب للكثير من التبذير والمشاكل وإشعال الفتن !!
أقول لست متفائلا بدعوة دولة رئيس الوزراء لمحاربة الفساد لا لعدم ثقتي بشخصيته المتوازنة ، فالرجل أفضل من جميع رؤساء الوزراء الذين سبقوه كافة ، ويكفيه فخرا أنه بفضل صبره وحلمه وحسن تعامله حطم كبرياء الانفصالي مسعود البرزاني وأذله ، ولكن لأن الفساد استشرى اليوم كالسرطان في كل مؤسسات الدولة ومرافقها ، وقل المخلصون ، فأغلب زعماء الكتل السياسية إن لم نقل جميعهم هم من المستفيدين من استشراء هذا الفساد القاتل ، ومثلهم الوزراء ووكلاؤهم والنواب والمدراء العامون وغيرهم ، وكأن الوطن المسكين وقع في غابة مكتظة بالوحوش ، وصار في دوامة (الفرهود) !!
من المؤكد أن الدكتور العبادي سيحاول جهده في محاربة الفساد مع حساب دقيق لبعض التوازنات المهمة ، والوقوف عند الخطوط الحمر التي لن يستطيع تجاوزها سنتمترا واحداً لخطورتها ، والطريف قبل أيام أعلن الدكتور أياد علاوي تأييده لدعوة رئيس الوزراء في محاربة الفساد ودعمه لها ، وسبقه السيد المالكي لذلك ، وهما يتربعان على قمة عرش الفساد في العراق ، ومعهما ثالثهما السيد النجيفي الذي لا تعد ثروته ، ولن نبتعد عن الحقيقة لو أضفنا لهم فخامة رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ، وإلا كيف نفسر وجود بنات فخامة رئيس الجمهورية كمستشارات له ، ويرافقنه في السفارات باهظة الثمن ، ويحرسه فوج رئاسي بكل المصاريف المكلفة ، وكذلك السيد سليم الجبوري الذي رفض خفض مخصصات رواتب موظفي المجلس العالية جدا وهم بالآلاف ، وفوج حراسته ، وما قاله عنه وزير الدفاع السابق عن مقاولة طعام الجنود في جلسة علنية !! ولا ننسى رفضه لإيقاف تقاعد النواب السابقين الذي أرهق ميزانية الدولة !!
ربما سيطاح ببعض رؤوس الفساد في هذه الدعوة أو الحملة ، ولكنها ليست كبيرة ، وليست كثيرة أيضا ، وليست لها فائدة عظمى سوى أنها ستدق ناقوسا لغيرها من الرؤوس ، أما لو بحثنا عن الحل الأمثل فهو يبدأ من تغيير نظام الانتخابات وإلغاء القوائم ، وجعله فرديا ، واستبعاد المحاصصة الطائفية والقومية من جميع مناصب الدولة ، وذلك ليس بالأمر بالهين ، ويحتاج من العمل الكثير في الداخل فضلا عن التوافقات الإقليمية والدولية في الخارج ، وكل القوى المتنفذة لا تريد خروج العراق من هذه المعمعة في الوقت الحاضر ، ولا في المستقبل القريب ، ولكن يبقى الأمل قائما ، وما سيأتي من مفاجآت خارج الحسابات الاعتيادية وإرادة الفاسدين !!