20 ديسمبر، 2024 1:00 ص

الفساد من اجل السلطة .. والسلطة من اجل الفساد

الفساد من اجل السلطة .. والسلطة من اجل الفساد

واقع الفساد في العراق … والمعالجات الحقيقية
الفساد هو أحد الظواهر المجتمعية التي يمكن رصدها في المجتمعات كافة اياً كان موقعها الجغرافي أو العصر التاريخي الذي تعيشه وكذلك أياً كانت درجة نموها الاجتماعي أو الاقتصادي أو الثقافي، والفساد الإداري مهما كانت درجة انتشاره مرفوض لأنه يمثل في واقع الأمر انتهاكاً صارخاً للقيم الأخلاقية والاجتماعية للفرد والمجتمع، وعندما يشيع في جسم دولة ما ليصل الى شعيراته الدقيقة ومؤسساتها العامة والخاصة وأيضا قطاعاتها القضائية والتعليمية والاقتصادية…الخ بسبب قصور القوانين والتشريعات الرادعة وهشاشتها، فأنه يضعف من استقرارها، ويعمق التمايز الطبقي بين فئات المجتمع وشرائحه ويؤجج الصراع ويفكك النسيج الاجتماعي، ويحد من عملية الحراك السياسي منه، ويحول دون عملية التنمية التي تنشدها الدولة لأنه يعمل على هدر وتبذير الأموال العامة والطاقات البشرية.
ليس بالجديد او المثير للاستغراب ان يصدر تقرير منظمة الشفافية الدولية الجديد ليضع العراق مرة اخرى وعلى التوالي في خانة الدول الأكثر فسادا في العالم وهذه المرة في ذيل قائمة الدول (العشر) الأكثر فسادا فقد احتل العراق ضمن هذا التقرير المرتبة الرابعة بأكثر البلدان العربية فسادا بعد الصومال والسودان وليبيا وجاء العراق في المركز 161 من اصل (168) دولة شملها التقرير الذي لم يثر استغراب الحكومة العراقية بشقيها التشريعي والتنفيذي اللذين اقرا بهذه النتيجة الباعثة على الاسف والاسى واعتبرا ان الفساد المتغلغل في مفاصل الدولة العراقية هو حقيقة ملموسة لايمكن إخفاؤها إن تعذر القضاء عليها او استحال ذلك.
فبسبب الفساد السياسي تم استبعاد الكفاءات العراقية واستبدالها بالجهلة والأميين المنتمين أو الموالين للأحزاب الطائفية الذين لا يناسبون بناء دولة مدنية عصرية تقوم على قاعدة خدمة المواطن. بل إن بريمر نفسه حينما كان يختار من يتولون المسؤوليات الحكومية كان يسأل قبل ذلك وباعترافه “هل هذا بعثي وهل هو سني؟”، ولم يسأل عن كفاءته.
وبعد الاحتلال الامريكي للعراق تسربت باستحياء معلومات عن النهب وهدر المال. فقد أعلن المفتش العام الأميركي ستيوارت بووين عن “اختفاء 6 مليار دولار كانت مخصصة لإعادة إعمار العراق أُنفقت على شركات الأمن الخاصة كحراس لمسؤولين لم يكن هناك ما يقتضي رصد هذه التكاليف”.وعندما تولى المسؤولية الدكتور اياد علاوي كرئيس للوزراء عام 2004 وكان يملك السلطات التشريعية والتنفيذية لم تشهد فترة حكمه هدر للمال العام وضياع للاموال الا بعض الشكوك ةعلى اثرها احال فورا في وقتها وزيرين للتحقيق وسلمت ملفاتهم للقضاء, وتم توزيع الاموال في وقته بصورة عادلة على جميع الوزارات والمحافظات وتم تاسيس وبناء نواة الدولة الحديثة المدنية , ومن عام 2005 الى 2010 بدات السياسات الخاطئة تتراكم في بناء النظام السياسي الجديد، حيث تشكلت البيئة الحاضنة التي رعت الفساد وكونت إمبراطوريته المخيفة التي وظفت السلطة من أجل الفساد، ووظفت الفساد من أجل السلطة.
وبعد ذلك تغلغل الفساد وأخذ أشكالا متعددة في الهرم الحكومي ومن حوله شبكات ضخمة في ترتيب العقود وتوزيع حصصها، إمبراطورية ضخمة لديها أدواتها المرعبة، وتشم رائحة المخاطر من بعيد وتفتك بمن تسول له نفسه وتدفعه قيمه إلى الاقتراب من حدود هذا الحقل المسّور. ولعل ما يجري في المناسبات الانتخابية حيث مزادات بيع المناصب النيابية والوزارية مشهد آخر من المهزلة الكبيرة. وفي الأيام الأخيرة أخذ مسؤولون حكوميون خصوصا من “سنة العملية السياسية” وبسبب اختلاف المصالح فيما بينهم يكشفون عن صفقات الفساد عبر ما يسمى “الإسقاط السياسي” الذي يصبح عقوبة الاختلاف بين أصدقاء الأمس. وإذا ما انبرى صوت بوجه هذا الغول سرعان ما يُقمع، خصوصا بعد تشكيل لجان النزاهة في الحكومة أو البرلمان التي تابعت بعض الملفات، فاضطرت الأصوات الشريفة إلى التخلي عن هذه المسؤولية الخطرة أمثال رئيس لجنة النزاهة في البرلمان الشيخ صباح الساعدي، ورئيس لجنة النزاهة الحكومية موسى فرج. وطوال أحد عشر عاما يسمع الناس الشعارات الرنانة المنددة بالفساد من قبل مسؤولي الحكومة ورأسها، لكنهم لم يسمعوا أو يشاهدوا محاكمة علنية أو سرية أو عقابا رادعا لواحد من كارتل الفساد لكي تهدأ نفوس أبناء الشعب العراقي المنكوب بهذه الكارثة. بل تم تهريب وزراء ومسؤولين كانت فضائحهم كبيرة، فاللعبة بين السياسيين معروفة تقوم على التستر المتبادل، والرابح هو “إمبراطورية الفساد”.
ومن الحقائق المفزعة للفساد نذكر البعض منها , حيث اصدرت هيئة النزاهة تقريرا يشير الى ان خسائر البلاد منذ عام 2003 ولحد عام 2014 بلغ 360 مليار دولار , طبعا المبلغ هو اكثر بكثير من المعلن وهو تجاوز 800 مليار دولار حيث وصفت هذه الارقام بالكارثية بين بلدان العالم يضاف لها نسبة الفساد الشخصي حيث يستهلك 3% من مجموع ارقام الفساد واستنزف فيها 25.5 مليار دولار, وان العراق خسر 45 مليار دولار خلال 5 سنوات الماضية, وتم تبديد 15 مليار على ملف الكهرباء بصفقات مشبوهه, وفي عام 2007 شهدت اكبر عملية فساد من خلال صفقة السلاح الصربية بسرقة 950 مليون دولار كعمولات ورشى, وايضا ما اعلنه رئيس الوزراء العبادي عن وجود 50.000 وظيفة وهمية ,حليث تكلف الدولة 5 مليار دولار سنويا,والحديث عن الارقام والملفات كثير ويطول شرحة لانه يحتاج الى مجلدات لتوثيقه.
ومن هنا فيجب علينا ان نجد الحلول الواقعية لمعالجة هذه الافة والثقافة التي سادت في العراق علما ان الفاسدين وداعش الارهابي وجهان لعملة واحده وان الفساد هو من اوجد داعش وتسبب بضياع ثلث لاراضي العراقية ويجب مكافحتهما سويا, ومن هنا فاننا نرى ان ماطرحة الدكتور اياد علاوي من استقدام شركات مختصة بالتدقيق المالي الجنائي والتي تسمى ((Forensic Audit لكشف مصير الاموال التي هدرت منذ عام 2003 ولغاية يومنا هذا هي الحل الوحيد للقضاء على الفساد واسترجاع الاموال حيث تقدم بكتاب رسمي الى السيد رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية وهيئة النزاهة بذلك , لكن الارادة لم تكن متوفرة لمكافحة هذه الظاهرة.
ان الحكومة العراقية اذا كانت جادة فعلا بكشف الفساد ومتابعة الاموال العراقية في الخارج والداخل وجادة في تقديم كبار المفسدين الى المحاكم ومنصات العدالة والقضاء العراقي فعليها دعوة تلك الشركات لهذه المهمة لكي تباشر عملها وفق صيغة يمكن الاتفاق حولها مع تلك الشركات لقاء اتعابها وجهودها الكبيرة وعندها سيعرف المجتمع العراقي والدولة العراقية اين تذهب الاموال العراقية وكيف تتسرب وما هي الالية التي تتسرب تلك الاموال من خلالها للخارج فيما يعرف بتييض الاموال, اما لماذا نؤكد على ضرورة دعوة تلك الشركات الى العراق وعدم الاستعانة بخبراء الامم المتحدة لان تلك الشركات متخصصة اولا ويمتاز عملها بالشفافية والموضوعية والسرعة وهي غير مسيسة ولاتخضع لاية جهة مالية او سياسية دولية وخالية من اشارات اية مرجعية مالية او سياسية او ضغوطات دولية و وان هذه الشركات يستعان بها من قبل دول كبرى مثل امريكا وموسكو والصين ودول اوربا , ولاننا في العراق لدينا تجربة مرة وسيئة مع خبراء الامم المتحدة خصوصا في
تجربة النفط مقابل الغذاء. وان هذه الشركات لديها القدرة على تدقيق الحسابات في كل المصارف العالمية وكشف الارصدة وكذلك الدخول في جميع هيئات التسجيل العقاري في العالم.
وعليه فان الحكومة مطالبة الان بوقف هدر المال العام وكشف الفاسدين و اذا ارادت ان تقف على تسرب الاموال العراقية الى الخارج وتقف على سوء استخدام هذه الاموال واسترجاع ما يمكن استرجاعه منها عليها الاستعانة بجهود ومهنية هذه الشركات. فانها السبيل الوحيد للخلاص من ضياع الاموال في بطون جاعت ولم تشبع لحد الان.

أحدث المقالات

أحدث المقالات