22 نوفمبر، 2024 11:37 م
Search
Close this search box.

الفساد .. غيمة سوداء في سماء العراق

الفساد .. غيمة سوداء في سماء العراق

كتب كثيرون عن الفساد الاداري ، وصدرت مؤلفات عديدة تناولت هذه الآفة ، واستمعنا وشاهدنا آلاف الندوات التي جعلت جرثومة الفساد عنوانا لها ، لكننا لم نر معالجات تسبر غور هذه الظاهرة ذات الخطورة المجتمعية والادارية في حياتنا اليومية ، لاسيما في بلدنا الذي اصبح واحداً من ابرز البلدان التي يعشعش فيه الفساد بمختلف صوره ..

بداية اشير الى دراسة ، اعدها مجلس حقوق الإنسان في الامم المتحدة بدورته الـ 28 الخاصة بتعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان، المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما في ذلك الحق في التنمية المستدامة ، حيث اكدت تلك الدراسة عدم وجود، تعريف واحد للفساد منسجم ومعترف به على المستوى الدولي.. وهذا يدل على عمق وخطورة وعنكبوتية آفة الفساد ..

لكني وجدتُ في كتاب د. إسراء طه جزاع ( منظومة مواجهة الفساد الإداري في العراق ) الذي جاء بأسلوب سلس ، ما يدحض دراسة الامم المتحدة ، حيث وضعت فيه المؤلفة ، تعريفاً مقنعاً ، وعلميا لأنواع الفساد ، يمكن ان يستخلص منه القارئ عنوانا مانعا ، شاملاً لهذه المنظومة المتشابكة .. بدأته في مفهوم الفساد السياسي والفساد الاقتصادي والفساد الاجتماعي والفساد الثقافي والفساد البيئي والفساد المالي والفساد الاداري ، وقد ركز الكتاب الذي صدر مؤخراً ، على الفساد الاداري كونه هو الفساد الذي يصيب المؤسسات والهيئات الادارية لأجهزة الدولة ، حيث يرتبط هذا النوع من الفساد بالوظيفة العامة ، والموظف العام ويقوم على اتباع سلوك مخالف للقوانين من خلال استغلاله لموقعه وصلاحياته عن طريق قيامه بالأفعال المنحرفة .

يسحبنا كتاب د. إسراء بقراءة موضوعية ، ممتعة الى عالم (غابة الفساد) المليء بمعلومات وامثلة ، اعتمدت فيه المؤلفة على مصادر موثقة ، بدأته بالقرآن الكريم ، وكتب الفقه الاسلامي وكتب القانون ورسائل واطاريح جامعية ومواثيق واتفاقات دولية والتشريعات العراقية ..

تقول المؤلفة ( لا يخفى على الكثير ، ولاسيما الباحثين والمتخصصين في مجال ظاهرة الفساد ، بأن العراق من الدول التي شهدت تناميا خطيرا في معدلات الفساد خلال السنوات العشر الاخيرة ، حيث احتل مراتب مُتقدمة بين دول العالم الاكثر فسادا وفقا لتقارير منظمة الشفافية الدولية للسنوات ما بين 2004 ــ 2016 وبعد استعراض تلك التقارير تبين ان العراق جاء بالمراتب الاخيرة بين الدول العربية ، وفي ذيل قائمة الدول الاكثر فساداً في العالم )

ولم تقف د. إسراء عند تلك الحقيقة ، فأعطت امثلة مستندة على معطيات دولية ، فتذكر انه في العام 2004 جاء العراق في المرتبة الـ 116 عالميا من اصل 133 دولة ، وفي العام 2005 احتل العراق المرتبة الـ 130 من اصل 146 وفي العام 2006 جاء العراق في مرتبة متقدمة في تفشي الفساد عالميا حيث جاء بالمرتبة الـ 141 من اصل 159 دولة ويستمر هذا الموقع العراقي المؤلم في خارطة الفساد ، فيسجل العام 2015 ان العراق احتل المركز الرابع عربيا بالفساد ، يليه ليبيا والسودان والصومال !

تأتي اهمية الكتاب ، كما يذكر الناشر من كونه يبحث ربما للمرة الاولى مفهوم الفساد الاداري من خلال منظوره القانوني ، مسلطا الضوء على المنظومة القانونية لمواجهاته متمثلة بالدوائر والهيئات واللجان والمكاتب الرقابية .

وبعيدا عن كتاب د. إسراء ، لكن على مقربة من فكرته ، اقول ان ظاهرة الفساد هي من أقدم الظواهر التي عرفتها البشرية على مر العصور، وكانت سبباً في انهيار الكثير من الحضارات والأنظمة ، وان مكافحة الفساد يحتاج إلى استراتيجيات متكاملة ومدروسة، تأخذ بعين الاعتبار التشخيص العلمي للظاهرة من جميع جوانبها، والآثار المترتبة عليه، وسبل مكافحته ، وما يجري في العراق حاليا هو التطرق باستحياء الى قشور الفساد ، بعيدا عن لبه ، خوفاً من حيتان تربت على الفساد الاداري والسياسي .

ان الفساد كما فسره المختصون من رجال القانون هو استغلال المنصب العام لغرض تحقيق مكاسب شخصية مثل الرشوة والعمولة والابتزاز، وتحقيق ربح مالي يتم الحصول عليه من خلال تقديم خدمة او عرض عقود للمشتريات الحكومية والخدمات الحكومية ، او افشاء معلومات عن تلك العقود ، وايضا نجد الفساد في الإجراءات المعقدة وغموض التشريعات وتعددها أو عدم العمل بها ، في حالة وجود الصحيح منها ، وعدم الاعتماد على الكفاءات المعروفة بقدراتها في معرفة الغاطس من الامور ، وتمتلك رؤية ثاقبة في اختصاصاتها ، والفساد كذلك موجود في كافة القطاعات وفي أي تنظيم يكون فيه للشخص قوة مسيطرة أو قوة احتكار على سلعة أو خدمة أو صاحب قرار ، وتمرير القرار المصلحي لفئة دون اخرى ، فيما يتمثل الفساد الاخلاقي بالانحرافات الأخلاقية وسلوك الفرد وتصرفاته غير المنضبطة بدين وتقاليد وعرف اجتماعي مقبول … وهذه الصورة اصبحت شاخصة الان امام ابصار الجميع دون اتخاذ قرار واضح وملموس في القضاء عليها ، او في الاقل الحد منها .

لقد ساهم الفساد في زعزعة القيم الأخلاقية المعروفة والقائمة على المبادئ الانسانية والصدق والأمانة والمساواة وتكافؤ الفرص وتحولت إلى سلوكيات ادت الى انتشار الجرائم ، في شقيها الجنائي والمجتمعي ، وبات الانسان المخلص لا يجد له مكانا في ظل حالة فساد شامل ..

تحية للدكتورة إسراء ، لتناولها موضوع الفساد .. انه الموضوع الذي نخر اساسيات الدولة ..

أحدث المقالات