18 ديسمبر، 2024 9:18 م

الفساد الناعم في مكاتب الصرف عيب وحرام وممنوع

الفساد الناعم في مكاتب الصرف عيب وحرام وممنوع

الفساد له أنواع ، وهذه معلومة ليست بخافية على الجميع فقد يكون إداريا او ماليا او اجتماعيا او قانونيا او غيرها من الأشكال ، والفساد الناعم Soft corruption هو احد أنواع الفساد ويعتقد مرتكبيه بأنه لا يشكل مخالفة كبيرة كما يظنون انه لا يحدث ضررا فادحا بالآخرين ، وهناك من يصفه بأنه عمل مشروع ولا يشكل فسادا لأنه قريبا من العادات والتقاليد فيطلقون عليه ( هدية ، إكرامية ، مكافأة ، غيرها ) ، ومن إشكاله المبالغ التي يقبلها موظف الاستعلامات او حارس موقف السيارات او العاملين في زرق الإبر والضماد وسواها التي تعطى طوعا من المستفيد من الخدمة او تطلب قولا او فعلا او تلميحا من مقدمي الخدمات ، والفساد الناعم من أكثر الفساد شيوعا في البلدان ذات الأنظمة التي ينتشر فيها الفساد لأنه امتدادا طبيعيا لأنواع الفساد الأخرى و يندرج ضمن مفاهيم وتعريف الفساد مهما اختلفت بممارسته المسوغات ، ودليلنا على ذلك إن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 يعد أي خروج عن المشروعية فساد بغض النظر عن قيمته المادية لتوفر جميع الأركان فيه لأنه لا يفرق الفساد من حيث حجمه ومرتكبيه سواء من الحيتان او الفئران ، ومن صور الفساد ( الناعم ) هو ما ترتكبه المكاتب المختصة بصرف الرواتب للموظفين او المتقاعدين او غيرهم ، فهذه المكاتب المجازة رسميا ولها أسماء وعناوين وأرقام كل ما يحتاجونه لإنشائها هو مكان محدد حتى وان كان جزءا من دكان او سوق او مول او( ركنية ) تحمل لوحة الدلالة وجهاز صغير بحجم الموبايل تدخل فيه البطاقة الالكترونية للشخص وبصمته فيظهر شريط ورقي يتضمن المبلغ الواجب الدفع ، وتعد البصمة اعترافا باستلام مبلغ الاستحقاق الذي يصرف بفئات حسب رغبة المستلم لان المسلم عليه أن يوفر مختلف الفئات ( كلما آمكن ذلك) ، ومن خلال علاقة المكتب مع المصارف المحددة في العقد فانه يقوم بمراجعة فروع المصرف المعني لتعويض المدفوعات للساحبين حيث تسلم له البالغ نقدا لغرض توفير السيولة التي يحتاجها في استمرار الدفع للمستحقين الذين يراجعونه طوعا لان صاحب الاستحقاق له خيارات متعددة في اختيار مركز الصرف ، وفي مقابل ذلك يتقاضى صاحب المكتب عمولة معروفة للطرفين وتبلغ ( 0,03 % ) أي ثلاثة في الألف بمعنى أذا كان المبلغ المستحق هو مليون دينار فان عمولة المكتب هي 3000 دينار ومثل هذا الرقم مطبوع في شريط السحب النقدي وتحت عنوان ( عمولة التاجر ) ، وهذا النوع من المكاتب لاقى استحسان وقبول الكثير من الجمهور فهي توفر فرص العمل لمن يحصل على إجازة المكتب وستكون من مصلحة المجازين استقطاب الزبائن ( واغلبهم من المتقاعدين ) لزيادة الدخل لان العمولات تزداد بزيادة حالات ومبالغ السحب ، كما إن هذه المكاتب تخفف من الأعباء الازدحامات على فروع المصارف المحلية لأنها غير قادرة على الصرف ل6 ملايين متقاعد شهريا ، ويعد الساحب مستفيدا لأنه يستلم من اقرب مكتب من محل عمله او سكنه دون الحاجة في الخضوع لروتين المصارف وإزعاجاتها وان كانت تلك المصارف لا تتقاضى منه العمولات ، فالمستحق قد ينفق 5000 دينار أجور نقل من والى المصرف ولكنه عوضا من ذلك يستلم من المكتب القريب بدفع 3000 دينار وبذلك ربح 2000 دينار وراحة البدن والبال وسرعة الانجاز .
وعلى طريقة المثل المصري ( أولاد الحرام مخلوش لأولاد الحلال حاجة ) ، فقد بدا الفساد يدب في هذه المكاتب حالها حال الفساد الذي ينتشر في بعض مفاصل الحياة ، حيث ولد في هذه المكاتب بطريقة الفساد الناعم عندما يلوحون للمستفيد بدفع الإكرامية او الهدية عندما يحدثونه عن الصعوبات التي يواجهونها عند مراجعة المصارف لتعويض المسحوبات وما يدفعونه من رشاوى او هبات او اضطرارهم للاقتراض من الآخرين لمشية أمور الناس ، فيجد الفرد انه مضطرا للدفع من باب الخجل او العرفان او الاضطرار ، ورغم تكرار الإشارة إلى هذه الحالة في العديد من المرات في وسائل الإعلام او التواصل فقد مرت مرور الكرام ، وراحت الكثير من المكاتب تبتكر العديد من الممارسات التي حولت فسادهم من النوع الناعم إلى ( الخشن ) ، فمرة يرفعون النسبة إلى 5 في الألف ومرة أخرى إلى أكثر من ذلك حتى وصلت في بعض الأماكن والظروف إلى 12 في الألف + العمولة الرسمية المثبتة في الشريط ، كما إن هناك مكاتب راحت تتفنن في أساليبها فتدفع الراتب بالدولار وتحسب الدولار بسعر خيالي يفوق ما هو سائد في التداول ، وحين يعترض الساحب يقولون له انه غير مجبور وان بإمكانه أن يذهب للمصرف او غيرهم للسحب ، ومما يعقد الأمور إن هيئة التقاعد الوطنية غالبا ما تطلق دفع الرواتب ظهرا أي بعد موعد غلق المصارف او يتم الإعلان في أيام تقترب من العطل الأسبوعية او الرسمية الأخرى التي تصادف في بداية الشهر ، ولكثرة الممارسات المخالفة فقد أصبحت المكاتب لا تجذب العديد من الساحبين لما تمارسه من عمليات ابتزاز تناقض العبارة المطبوعة في الشريط والتي محتواها ( ادفع عمولة التاجر فقط ) .
الغريب في الموضوع إن الكثير لم يسمعوا يوما عن غلق تلك المكاتب او إلغائها او إحالتهم إلى المحاكم من قبل الجهات الرقابية المعنية ، مما يفسر أما لأنهم غير خاضعين لرقابة جهة محددة او اعتقادا بان الموضوع لا يستحق طالما إن المستحق له العديد من الخيارات ، ولكن نتائج ذلك ظهرت في الأيام الماضية وبعد فرض حظر التجوال بسبب وباء كورونا اللعين ، حيث باتت الحاجة واضحة للنقد من قبل أصحاب الدخول المحدودة وبعد قيام هيئة التقاعد الوطنية بإطلاق رواتب المتقاعدين لشهر نيسان الحالي ، فالمتقاعدون هم من أكثر الفئات خطورة وتعرضا للإصابة بهذا الفيروس لان اغلبهم في السن الحرجة البالغة 65 سنة فأكثر والاستلام من المصارف قد يكون من ضروب الخيال لصعوبة الوصول إليها في ظل حظر التجوال وقيام بعضها باختيار أيام محددة للدوام خلال الأسبوع وما تشهده من ملامسة وفقر بوسائل التعقيم ، وبذلك يبقى الخيار المطروح هو الاستلام من المكاتب التي تمارس الابتزاز الذي يرقى إلى حالات الفساد الناعم او / والخشن والناس بحاجة إلى السيولة النقدية لان خلية الأزمة ليس لها موعدا محددا لانتهاء الحظر ، وما يثير الحيرة والتساؤل إن الأجهزة الأمنية بأنواعها من الشرطة والجيش والأمن الوطني والاقتصادي والمرور والشرطة المجتمعية تنتشر في كل مكان وتلقي القبض على مخالفي الحظر وتحجز المركبات وتراقب الأسعار في الأسواق ، ولكنها لم تتخذ إجراءات بخصوص المكاتب المخالفة رغم وضوحها للعيان بفرض عمولات مخالفة او التعامل بالدولار بدلا من الدينار إذ بالإمكان مراقبة أدائها بكل يسر ، ولان الموضوع لايزال ساريا ويتطلب التدخل ، فان المتضررين يتوسمون بمن يعنيهم الأمر التدخل في إخضاع تلك المكاتب لرقابة الأجهزة المعنية أثناء الحظر على الأقل ، باعتبار إن تسهيل استلام الرواتب يندرج ضمن الاهتمام الصحي وضمن إجراءات تقليل حالات انتهاك الحظر ، وكنا نتمنى أن يحظى هذا الموضوع بخطط متخذي القرارات بالحظر بإيصال مستحقات الرواتب لكبار السن او بتخصيص وسائط مخولة لنقل الأفراد إلى مراكز الاستلام كالمصارف بما يمنع التجمع والملامسة واختصار الجهد والوقت ، فالفساد ( الناعم ) في تلك المكاتب وغيرها عيب وحرام وممنوع حاله حال أي فساد