18 ديسمبر، 2024 10:01 م

الفساد المالي والإداري أنتج الفوضى السياسية والتخندق الطائفي لمواجهة المشروع الوطني

الفساد المالي والإداري أنتج الفوضى السياسية والتخندق الطائفي لمواجهة المشروع الوطني

“كم اصبحنا ضعفاء في وطننا . وما أبشعنا. حين نستسلم لمن سرق حقوقنا وجعلنا نعيش على الفتات المترامي”
الكاتب الروسي أنطون شيخوف

ألا يدعو الوضع العراقي المعقد والمليء بالأزمات الخانقة على نحو خمسة عشر عاماً، أن يكون حافزاً وطنياً ملحاً، لعقد لقاء للحوار الوطني تحت شعار “العراق للجميع”، تشارك فيه شخصيات وقوى عراقية من إتجاهات سياسية وفكرية وطنية. هدفه العمل لإيقاف طاحونة الموت ووضع حدٍ للمآسي والخراب، أيضا الخروج بميثاق شرف وطني يعالج أهم القضايا ويلزم الجميع بالعمل لاجل تحقيق ذلك.. فالوضع بمجمله لا زال يراوح في مكانه وسط أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة، لا يجد أصحاب المصالح الخاصة والقائمين على رأس السلطة، منذ إحتلال العراق وسقوط نظام البعث الدكتاتوري عام 2003 ولحد الساعة، أية حلول سوى الوعود الكاذبة والإصرار على البقاء متمسكين بالحكم ونهب خيرات البلد وتعريض مصالح الشعب والوطن للخطر..

وتمر بلادنا، سيما بعد الانتخابات الأخيرة وما آلت اليه على كافة المستويات، بمرحلة يائسة. إذ لاتزال الاحزاب الطائفية والإثنية الذي جاء بها الحاكم بأمره بريمر، حينما أطلق ما يسمى بـ “العملية السياسية” سيئة الصيت التي انبثق عنها “مجلس الحكم” آنذاك، هي ذاتها القوى التي تمسك بيدها شؤون الدولة وإدارة مؤسساتها، بطريقة عشوائية تنسجم مع أهداف المحتل ومأربه في العراق في ظل وجود دستورعقيم مليء بالتناقضات أدى إلى إصطفافات طائفية ـ سياسية جديدة، غريبة على الشعب العراقي وطموحاته. إن المشكلة الرئيسية، التي لا تزال تواجه شعبنا ومجتمعنا، هي الطريقة التي جرى فيها بعد الغزو بناء الدولة العراقية على أسس طائفية قومية مناطقية، كان لها أن تكون وفق مخطط أمريكي إستعماري، ومن ثم التعايش معها تحت طائلة إتفاقيات “ثنائية” تحت غطاء ثقافي، لكنها في واقع الحال مرتبطة بعقود سرية، عسكرية أمنية اقتصادية طويلة الأجل. جعلت موقف الدولة ضعيفاً ومتخاذلا أمام نفوذ المحتل المتعاظم بالسر والعلن. أدت بالنهاية إلى تصدع الوحدة الوطنية وتفاقم الأزمات وأثرها على مستقبل الشعب ومستقبل الأجيال القادمة.. والخطير، أن الأحزاب والشخصيات السياسية المنضوية تحت عباءة السلطة، لاتزال غير ناضجة لتحمل المسؤولية بما يملي عليها مبدأ الشعور بالإنتماء وواجب الإنسان الاخلاقي نحو وطنه وتقديسه مبدأ الإرتباط بأرضه. الدليل: أنظر كيفية تمرير القوانين المتعلقة برواتب ومخصصات أعضاء مجلس النواب ومجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والوكلاء، وتشريع حق نيل المكافآت والإمتيازات وتحديدها بأنفسهم. فيما البلد يغرق بالديون والقروض والفقراء يتسكعون الشوارع دون مآوى وطعام. والمصيبة، لم يعد أحداً يعترض أو يفكر بإلغاء تلك المخصصات وخفض الرواتب بما يتناسب والدخل العام للمجتمع وقدرة المواطن المعاشية. لو حدث ذلك لتم توفير مليارات الدولارات على الدولة شهرياً وإنفاقها على الاعمار والتحديث وتطور المجتمع والبنى التحتية ومحاربة الأوبئة.

ورغم لجوئها إلى أساليب طائفية رخصية لكسب الناس واللعب بمشاعرها الدينية، وإنتهاكها لحقوق الإنسان، أضف إلى ذلك إدعائها المفرط بتأييد المرجعيات الدينية لها، مستغلة مواقفها “أي المرجعيات” غير الثابتة والغامضة أحياناً، كما تبيّن من جديد في الانتخابات الأخيرة التي أثارت الجدل في أوساط الرأي العام العراقي، لاتزال ممارسات احزاب السلطة الطائفية تشكل نموذجاً بدائياً لطريقة إدارة الدولة ومؤسساتها. وكل ما تسوقه وفق مبدأ “التوافقية الحزبية” والمصالح الشخصية الضيقة، مناف للأعراف والتقاليد والقوانين وحتى الدستور التي جاءت به.

إن مشروعاً كهذا، أنتج الفوضى السياسية والتخندق الطائفي لمواجهة المشروع الوطني. وتجذرت في معاقله إرادات وإستعاضات حزبية طائفية ـ سياسية، وانتهاكات قانونية وإدارية لا سابق لها، لضبط إيقاع الفساد المالي والإداري وصفقات العقود وتزوير الوثائق بمختلف الطرق والوسائل. والتمادي في سرقة المال العام وتقاسم الغنائم والاستحواذ على عقارات الدولة والثروة الوطنية وأساليبَ التهديد السياسي والقمع وممارسة الخطف والقتل والابتزاز المُنظَّم. ولا يُسأل الشعب عن رأيه في القضايا المصيرية، أو أن يشعر بذلك ليطمئِن على حياته ومستقبل ابنائه. لا يشكل نهاية المعركة الفاصلة، ولا نهاية العمل الوطني الحقيقي الآخذ تدريجياً في النمو المضطرد على أرض العراق بشكل واضح وسريع. بيد أن ذلك كله أصبح ليس أمراً عجيباً!! إنما العجب أن لا تجد الأطراف القائمة على رأس السلطة ومؤسسات الدولة، من أمرٍ، بعد كل هذه المحن والثراء الفاحش لتتنازل عن الحكم وترك شأن ذلك لاصحاب الخبرة والنزاهة والعلم والمصداقية الوطنية. لقد فشلت الحكومات المتعاقبة فشلاً ذريعاً في ملامسة وتشخيص ومن ثم حل المشاكل الرئيسية الكبيرة التي تواجه المجتمع العراقي، لا بل تركتها تتفاقم بوتائر متسارعة. أدت إلى فشل تام في إعادة بناء مؤسسات الدولة والتغاضي عن حياة الناس البائسة وحل مشاكلهم المعيشية والإجتماعية المتفاقمة، التي يرافقها حملات الاعتقال العشوائي واتساع عمليات الخطف التي تقودها ميليشيات طائفية مرتبطة بمنظمات وأحزاب داخلية أو تابعة لأجهزة مشبوهة خارجية تساهم في شحن الدفع الطائفي الخطير ووضع البلاد على مشارف الحرب الداخلية الأهلية.

نعتقد بأن رصد جميع الظواهر التي طرأت على ارض العراق خلال العقود الملتهة الستة المنصرمة وبشكل خاص تلك الناجمة عن الحروب والحصار والاحتلال، وتأثيرها على الواقع المجتمعي والسياسي العراقي، أمراً هاماً، لقطع الطريق أمام تفاقم الأزمة السياسية التي تحاول تغطيتها تحت ذريعة الممارسة الديمقراطية المزعومة القوى والأحزاب المتورطة في لعبة الإحتلال وتخليد تواجده. ونعتقد بإن ثمة مسؤولية وواجب أخلاقي ووطني يقع على عاتق كل الخيرين من أبناء هذا البلد صاحب أقدم الحضارات في العالم، للانتقال بالعراق وشعبه إلى ارض خصبة، لإجراء إصلاح سياسي شامل وهيكلة منظومة الحكم وتفعيل مؤسسات الدولة، وأهمها، السلطات الثلاث “التشريعية والتنفيذية والقضائية” على أسس وطنية، بما يكفل إستقلال العراق وسيادته ووحدة أراضيه وصيانة مصالح شعبه وبناء دولة المواطنة ومواجهة التدخلات الخارجية وقطع الطريق أمامها من اللعب بأمن البلاد ومقدراتها.. ونعتقد بأن تحقيق ذلك يتطلب جرأة وشجاعة وعدم الخوف من الوقوع بالمحظور الذي لا يتمنى كل من توغل بالظلم والفساد والعبث بالقانون، أفراداً وأحزاب أو إثنيات، حدوثه. عندئذ يتعزز مفهوم القيّم والشعور بالإنتماء للوطن الذي يقود إلى الحقيقة وإخراج البلاد من دائرة الخطر. أيضاً إنقاذ المجتمع من سبيل الإستئثار القائم على “نظام المحاصصة الطائفية ـ الإثنية” وهيمنة الأحزاب والمليشيات ووضع حدٍ لظاهرة الاستقواء بالسلطة على المستضعفين والكشف عن كل ما جرى ويجري تحت أقنعة كاذبة.
العراق بلدنا لا يمكن أن نراه يتدمر ونسكت!!