لم تعُد ضاهرة الفساد تدارُ في الأروقة السرية و من تحتِ المنضدة.. المسألةُ استشرت و اصبح الفساد هو الحالة الطبيعية في ادارة الدولة و الاستقامة هي الشذوذ.
غياب المسائلة و انعدام العقوبة مهدَ الطريق امام الفاسدين ليعيثوا و يفعلوا كل شيءٍ يروقُ لهم من دون خوفِ او رادع. ولستُ بحاجةٍ لذكرِ الأمثلة او البراهين فالقاصي و الداني يعرف ان الرشوة و المحسوبية اصبحن من الاِجراءات الروتينية المتبعة في الدولة العراقية ابتداءً من رئيس الجمهورية و اقاربه مروراً بالوزراء و الكتل و مجلسِ النواب الى اصغرِ دائرة سيادية او خدمية او أمنية و اصبحَ العراق يحتل المراتبِ الأولى في أكثر الدولِ فساداً. و الجميعُ شريكٌ في هذهِ المأساة. فنحنُ لا ننفكُ ننتخِبُ من يمثلُ طائفتنا بغضِ النظر عن المهنية و النزاهة و حتى معَ علمنا بأنه فاسدٌ قاتلٌ عديمُ مباديء مرائي. فلقد سيطرتِ المذهبية بشكلٍ رهيب.
و نحنُ شركاءُ أيظاً في هذا المصير لأننا لا نثورُ على الضلمِ و الفاسدين. و اِن كانت هنالك بعضُ المضاهراتِ البسيطة التي ما تلبثٌ أن تسيسَ فيضيعُ الحق و يزدادُ الطغاةُ شدةً في غيهم و فسادهم.
فقط اُريدُ ان اُخبر عما حدثَ مؤخراً في سلسلةِ قصص الفساد الحكومي ليس من باب ذكر الأمثلة انما من بابِ التنبيه و الاِخبار.
فقد أعلنت وزارة التربية العراقية عن اطلاق درجاتٍ وضيفية في عددِ من مديرياتها. و من بينِ هذهِ المديريات كانت مديرية تربية الكرخ الثالثة. حيثً اعلن عن فتح باب التقديم من تاريخ 27/10/2016 لغاية 26/11/2016. تنفس طلبتنا المساكين ضمن هذهِ المنطقةِ الصعداءِ و بدأوو بالتحضير للتقديم و استحصالِ الوثائقِ المطلوبة من تأييد تخرجِ و تأييد السكنِ و غيرها. وتقدم الكثيرُ و بقي البعضُ في انتظار استحصالِ الوثائقِ المطلوبة ليتسنى لهم التقديم قبل نهاية الموعدِ المقررِ.
و اذا بالمفاجأة, التربية تعلن اسماءَ المقبولين قبل حتى ان تنتهي فترةِ التقديم. الصدمة لم تكُن بسيطة على الجميع. فمن تقدم فعلا لم يجد اسمه من ضمن المقبولين و من لم يتقدم بعد للوضيفة بسببِ التأخير في الحصولِ على تاييد التخرج مثلا وقف حائرا كيفَ أن نتائج التقديم ضهرت قبل ان تنتهي فترة التقديم؟
تقولُ احدى المتقدمات “اني امرأه رح قدمت عله تربية الكرخ الثالثه عسى ولعل اليوم رحنه لكينه خالين قائمه مختاريين كم واحد طبعا الدافعين فلوس شده او اقل ازيد الله اعلم حسب ماسمعنه احنه مدافعين مقابلينه زين ادري الشعب اشلون ميسرق اشلون ميروح يقتل ويسلب يعني الشباب الجانو يقرون بالقائمه او ملكو اسمائهم انهبطت كل معنوياتهم يعني اذا متوفرلهم تعيينات او فرص عمل ليش يتعاقبون اذا سرقو هذه مثل المثل اليكول لا باكه اتحلين او لا كرصه اتثلمين او اكلي لما اتشبعين حشه النعمه شاكل *** قنادر بس فهموني تدفع افلوس تتعين تنطين شرفج تتعيين”
الحالُ عند البقية من الخائبين ليس بأفضلُ من حالِ هذهِ السيدة التي يقطعُ القلب كلامها. فالفساد وصلَ الى هذهِ الدرجة من الصلافة في أن تعلنِ الأسماء قبل انتهاء الفترة و لا تشمل من تقدم فعلا الى هذهِ الوضائف. دليلا دامغاً على ان الأمر محسومٌ اصلا لمن دفعَ ومن استوسط قبل ان يُعلن عن الوضائفِ اصلا. لهُم الخزي و العار.. و للشعبِ المسكينِ لطفَ الالهِ و حسبهُم الله.