23 ديسمبر، 2024 5:00 ص

> مهلكة
> بدأ د. حيدر العبادي
> ، رئيس الوزراء ، خطوة مهمة للغاية
> على طريق محاربة الفساد ، ان اعلن
> عن وجوده وانتشاره الواسعين في كل
> مفاصل الدولة. وهذا الإعلان بحد
> ذاته خطوة متقدمة جدا نحو اقامة
> دولة المواطنة. ولكن ورغم كل ذلك ،
> تبقى مبادرته مجرد خطوة أولية
> تحتاج الى خطوات اخرى جريئة
> مساندة لها ، اذ لا يمكن محاربة
> الفساد بمعزل عن محاربة البيئة
> الحاضنة لنشأته وتوسعه ، وما لم
> تؤخذ هذه البيئة المريضة بنظر
> الاعتبار فلا نجاح يرجى من الحملة
> ضده.
>
>
> الفساد أفة اجتماعية
> خطيرة وفتاكة ، فأينما يحل يخلف
> الدمار والهلاك. والفساد لا ينظر
> الى المجتمع او الدولة التي يحل
> فيه او فيها ، وانما ينظر الى
> الادوات التي تتوفر له هناك. فهو
> ينتهز الفرصة المناسبة لينقض على
> فريسته من غير ان يبالي لا
> بالمجتمع الذي يحل فيه ولا
> بالنتائج التي سيخلفها.
>
>
> الاليات التي يعتمد
> عليها الفساد كثيرة ، منها
> الأزمات الاقتصادية التي تؤدي الى
> الركود الاقتصادي والبطالة
> الواسعة الناشئة عَنْه ، وهذا ما
> لاحظناه في الولايات المتحده
> والمانيا في نهاية العشرينيات من
> القرن الماضي ، وما ايضا شاهدناه
> بعد انتهاء الحرب العالمية
> الثانية في بريطانيا ، ومن
> الاليات الاخرى ، الأزمات
> السياسية وهذا ما لاحظناه في
> امريكا اللاتينية في النصف الثاني
> من القرن الماضي ، وكيف تصدر
> الانقلابات العسكرية المشهد
> السياسي فيها ،
> وكَذَلِك من الاليات التي
> يعتمد عليها الفَسَاد تلك التي
> تقوم على عدم مراعاة او توفر
> الشفافية في دول كثيرة مثل الهند
> وباكستان ومصر والمملكة العربية
> السعودية والقائمة تطول . ولكن
> اخطرها الفساد الذي يقوم على
> الازمات الطائفية والعرقية وهذا
> ما نشاهده وبوضوح تام الان في
> العراق. ان معتنقي الطائفية او
> العرقية بتعصب لا يَرَوْن
> ابعد من الخندق الطائفي او
> العرقي الذي يتمترس فيه كل واحد
> منهم وحسب انتماءه ،
> ومن اجل ذلك نجده يتسامح بأية
> خروقات او تصرفات سقيمة يقوم بها
> البعض من ابناء طائفته او عرقه حتى
> وان كانت تضر به ايضا. بل يصدق كل
> الاعذار المسوغة لتلك التصرفات
> والممارسات ويروج هو بنفسه
> لها.
>
>
> اذن يقوم الفساد على
> وفق اليات محددة لا بد ان تتوفر
> حتى تتهيأ البيئة الحاضنة لنموه
> وانتشاره ، وعلى سعة تلك الادوات
> يكون وسع الفساد. وبالمقابل لا
> يمكن تحقيق النجاح في الحملة ضد
> الفساد ما لم يتم تفكيك الاليات
> التي مهدت وساعدت على نشأته
> وانتشاره لاول مرة.
>
>
> سابقا يدعي دعاة
> الانقلابات العسكرية عند أحداثها
> او القيام بها ، انها لغرض القضاء
> على الفساد ، ومن ذلك يصار الى
> تعطيل كل سند تشريعي او تنفيذي او
> قانوني كانت تستند اليه الحكومة
> المطاح بها او النظام
> ويصار الى اقامة حكومة جديدة
> تتولى عملية الاصلاح المنشودة. اي
> ان الحكومة المقالة او النظام
> المطاح به قد استنفد كل سبل
> الاصلاح ولا بد من القيام بعملية
> الاصلاح من خارجه. هذا ما حصل في
> انقلابي تموز ١٩٥٨ في مصر والعراق
> وفِي الانقلابات العسكرية
> اللاحقة لذلك في تركيا وباكستان
> وغيرها.
>
>
> نفس الحالة نحن فيها
> الان في العراق. استنفد النظام
> القائم او العملية السياسية كل
> الجهود للإصلاح ولا بد من اللجوء
> الى غيرها من خارج اطار العملية
> السياسية الجارية حاليا. فقد اقام
> الاحتلال نظام المحاصصة الذي يقوم
> على اسس طائفية واُخرى عرقية ، ومن
> بعد ذلك نشأ عن هذا النظام تكتلات
> سياسية تعبر عن المحاصصة ونشأ عن
> التكتلات احزاب سياسية وحكومات
> تدير الدولة
> وفق نفس المنهاج (المحاصصة) ،
> وهذه الأحزاب السياسية قد تكون
> وجوهها في تغير مستمر ولكن
> مناهجها ثابتة لا تتغير. من ذلك
> نصح الاستاذ صادق الموسوي (مدير
> معهد الدراسات الستراتيجية – لندن)
> ، د. العبادي ان يستعين بالقوات
> العسكرية التي تحت امرته لتحقيق
> الغاية المنشودة في محاربة
> الفساد. وهذا يعني تعطيل الدستور
> وحل البرلمان وتشكيل حكومة جديدة
> خالية من الوجوه المتداولة
> الناجمة عن المحاصصتين الطائفية
> والعرقية.
>
>
> وقد يبدو من المناسب
> ان نقول انه ليس بالضرورة ان يحقق
> د. العبادي وفِي الحال الامال
> المرجوة كاملة من الحملة التي
> يقودها لمحاربة الفساد. انها رحلة
> طويلة ،
> ولكنه بدأ بالخطوة الاولى في هذه
> الرحلة ، وأقر جهرا بوجود الفساد
> وانتشاره في كل مفاصل الدولة. وما
> بقي على د. العبادي وعلى
> غيره ان يتموا رحلة الألف ميل
> التي انطلقت في محاربة الفساد.
> فعنوان هذه الرحلة الشاقة
> والطويلة هو عرض بيع مناصب
> المحافظات المتداول في أسواق
> البيع والشراء وآخرها محافظتي
> الأنبار والموصل.
>
>
> وغير خاف ايضا ، لا
> على د. العبادي ولا على غيره من
> ابناء الشعب العراقي ، اقتماص
> الفرص من اطراف كثيرة لركوب
> الموجة والتبرىء من الفساد ، ومن
> ذلك الذي عبر عنه د. سليم الجبوري
> رئيس البرلمان في تبنيه لمشروع
> قانون من اين لك هذا؟ القانون الذي
> سيستند على الوثائق التي تقدم
> اليه من دوائر التسجيل العقاري
> والبنوك العراقية ، والتي ستبرأ
> معظم السراق من سرقاتهم ، على ضوء
> خلو السجلات من أسمائهم. فهل
> الأموال التي بحوزة السراق ،
> ماعدا صغار الموظفين ، مازالت في
> العراق ام انها موجودة في
> الخارج؟
> وفِي الخاتمة لا
> نجاح يمكن ان يتحقق في درب محاربة
> الفساد او تحقيق اي إنجاز وطني اخر
> ما لم يتم تفكيك كل الادوات غير
> السليمة التي تعيق اقامة دولة
> المواطنة على اساس المساواة في
> الحقوق والواجبات بين كل
> المواطنين بغض النظر عن تنوعاتهم
> الثقافية والعرقية.