تخرج الشعوب في الدولة المجاورة للعراق احتجاجا على نقص وليس غياب الخدمات كما هو حال العراق، وتنتفض هذه الشعوب بحثا عن أسباب الفساد وليس كحال أهلنا الذين يعرفون الفساد و قنواته و زواحفه المنتشرة أخطبوطيا، لكن الفرق هناك صو ت مسموع و مؤثر بين الشعوب الثائرة والحية، وهناك نكبة عندما يتحول الصمت الى هوية في العراق، مقابل فساد رسمي تجاوز حدود العقلانية، فميزانيات المحافظات مدانة لسنوات لاحقة، بعد تبويب أوجه صرفها بطرق ملتوية و أحتيال غير مسبوق، بحيث تحول مسؤولون فيها الى مساعد سائق كيا” سكن” في المطارات من كثرة السفر لمزيد من الكسب غير المشروع.
لا يوجد ما يبرر سكوت العراقيين على نهب ثروات البلاد بدم بارد و انهيار المنظومة الخدمية
و الأمنية غير التراخي في المسؤولية الوطنية، وكأن النعاس يغشاهم في الليل و النهار، والا كيف يسكتون على كل ما يجري أمام عيونهم من نهب منظم ، و قامات تخرج بالصدفة ثم تتحول الى حيتان لا تشبع فتأكل كل ما حولها و بمباركة رسمية! و الأنكى أنها تدعي زهدا و وطنية يتم تفصيلهما حسب مضمون العقود وقنوات التنفيذ العبثية، واللعب على كل الحبال من أجل اسكات صوت هنا وكس ود أخر هناك و البقية تأتي!
سالني صديق فرنسي قبل أيام اذا كان فعلا شعب العراق هو من أجبر الأنكليز على الرحيل قبل 80 عاما تقريبا، و اذا تعلم الجيل الجديد من دروس الوطنية في عشرينات القرن الماضي، والفرق بين عراقي الأمس واليوم!! نظرت الى وجه صديقي بتعجب فلم أعرفه مهتما بهذه التفاصيل، لكن استغرابي ذهب أدراجه عندما وجدت تحت ناظريه مقالا يوازن بين خيرات العراق بالأمس و مواقف سياسيه من استقرار البلاد والعباد، وبين نهب منظم للثروات اليوم وفشل لا يعرف الحدود في ادارة شؤون البلاد.
لم أصبر طويلا على تحديق صديقي بوجهي وكأنه يبحث عن شيء عزيز قد فقده قبل لحظات، قلت اذا كنت تقصد أن الجيل الحالي من شعب العراق متقاعس عن مسؤوليته الوطنية عكس الأجداد فأنت على حق 100% ، أما أذا تسرب الوهن الى نفسك من خلال غيبيات الظن بنجاح تجربة تهجين شعب العراق، فأنت ياصديقي تجافي المنطق ” و سأزعل عليك”، أما أذا تريد معرفة الأسباب ساقول لك ببساطة ، ان العراق بلا حكومة دستورية منذ عام 1958، وكل ما حدث و يحدث و سيحدث سببه غياب دولة القانون الحقيقية، لذلك يسرق المسؤول ويتسيد التاجر و يلاحق الكفوء بكل الوسائل.
لم يتعب الصديق الفرنسي نفسه في تقليب المواجع، مكتفيا بعبارة ” يا آلهي”، نعم أيها العزيز نحن نعيش خارج زمن المسؤولية من خلال سياسة ” قضم” هيبة الدولة على مراحل، لذلك ينشطر المفسدون بكل التخصصات، و يذبح العراق من الوريد الى الوريد يوميا، و تنهب الثروات بلا رقيب أو معيل، و هو ما تختزله مفردات أغنية تراثية عنوانها “چيمالي والي”، ضحك صديق، وأنا أعرف أنه لم يفهم مخارج حروف الأغنية، لكنه كان متيقنا من الحزن الذي قفز اليه أسم الأغنية، و ما دار من حديث بيننا عن سوداوية المشهد العراقي.
نعم نحن نعيش مرحلة انفصام الشخصية السياسية الحاكمة و تفشي ظاهرة ” الزواحف التي لا تشبع”، وهو ما يكشف عن مخطط لتحويل ثروات العراق الى أملاك شخصية مسجلة بأسم مسؤولين أو تجار ” نص ردن”، فهل من الأنصاف اذلال مشاعر المواطن صباح مساء عبر سلوكيات الثأر من التاريخ الأجتماعي، وهل من المقبول تحويل الشعب الى جياع من أجل سواد عيون لا تقرأ و لا ترى!، مجموعة أشخاص تقرر أوجه صرف الميزانية العامة هنا أو هناك، وعندما تشتد الأمور يحزمون الحقائب ” المتخمة ” الى خارج العراق، حيث تبدا مرحلة تقاسم الغنائم، و الأستهزاء حتى بمفردة الخدمات في العراق، التي يصفها ” أصحاب رأس المال السياسي” ترف في غير محله، و كأنهم ايضا باتوا من بين المختصين في حقوق الأنسان، بينما يذبحون العراقي بصفقات سياسية و مخططات أمنية تقبل كل وسائل التنفيذ بما فيها الدموية.
واذا نواصل مجاملة المسؤول غير الكفوء بالولادة بسبب صلات قربى أو مزاجيات شخصية، فأننا نشارك في الجريمة، واذا كانت عقارات ” الأخوة الأعداء” من بين مستحقات ” الفهلوة” في تجارة السوق السوداء، فاننا و مثلما قلنا سابقا ستكون لنا وقفة أخرى، و الاشارات الواردة في هذا المقال، هي من بين ملفات خاصة ستنشرها جريدة “الفرات اليوم” أعتبارا من السبت المقبل، فقد حان كشف المستور، كي لا تغط عقول بعضهم في نوم عميق!!
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
shaljubori@ yahoo.com