وضع قانون التقاعد الموحد الذي أقره مجلس النواب بتاريخ 3 / 2 / 2014 قاعدتين لاحتساب الرواتب التقاعدية ، القاعدة الأولى في المادة ( 21 ) التي تحسب بموجبها الرواتب التقاعدية للرعية من صغار الموظفين ( طبقة الفقراء ) ، والقاعدة الثانية جاءت بها المادة ( 37 ) منه لاحتساب الرواتب التقاعدية لعلية القوم من كبار موظفي الدولة ،من مدير عام صعودا إلى رئيس الجمهورية مرورا بالنواب والوزراء ورئيس مجلس الوزراء وغيرهم من طبقة (الأمراء ) . ويمكن تلمس الفروق التالية بين القاعدتين :- 1- احتساب المخصصات :- يستحق الأمراء رواتبهم التقاعدية عن ( الراتب الإجمالي ) وهو مجموع الراتب الاسمي والمخصصات ، أما الفقراء فيستحقون رواتبهم التقاعدية عن الراتب الاسمي فقط ، وهذا ( أي الراتب الاسمي ) قد يقل عن النصف أو اكثر في أحيان كثيرة عن مقدار الراتب الإجمالي . والغريب ان رواتب الفقراء هي الأقل قياسا إلى رواتب الأمراء ،وكان يتوجب إقرارا بالعدالة ان تكون القاعدة معكوسة بان تحتسب رواتب الفقراء عن الراتب الإجمالي لقلتها ، وان تحسب رواتب الأمراء عن الراتب الاسمي للمبالغة في مقدارها . لكن عدالة الطبقة السياسية رأت ان تزيد من ثراء الأثرياء وتزيد من فقر الفقراء . 2- معدل الراتب :- رواتب الأمراء تحتسب على أساس آخر راتب ومخصصات تقاضاه الأمير ، أما رواتب الفقراء فلا تحتسب على آخر راتب تقاضوه ، بل يكون عن معدل راتبه الاسمي لآخر ( 36 ) شهرا ، أي ان للفقير حسابا شديدا ، وبالفلس ، ويكون عن طريق جمع رواتبه الاسمية للثلاث سنوات الأخيرة وتقسيمها على ( 36 ) ويكون الناتج هو معدل راتبه الذي يحسب على أساسه الراتب التقاعدي ، أما الأمراء فيعفون من ذلك ، فيحتسب لهم الراتب التقاعدي على أساس آخر راتب مع المخصصات ولا حاجة لإزعاجهم باستخراج معدل الراتب مثلما يفعل بالفقراء . 3- ربع الراتب :- رغم المبالغة في مقدار رواتب الأمراء ، فان قانون التقاعد يحتسب لهم بلا مبرر قانوني ربع الراتب الإجمالي كجزء أولي من الراتب التقاعدي ، فمن كان راتبه الإجمالي أربعة ملايين فيكون له استحاق أولي تقاعدي مقداره الربع ومقداره مليون دينار ، ومن ثم يزاد بمقدار ( اثنين ونصف ) من الراتب الإجمالي عن كل سنة ، أما الفقراء فلا يحتسب لهم الربع نهائيا ، فليس لهم إلا حقهم بموجب معادلة عدد السنوات مضروبا في ( 2,5 ) فقط مضروبا في معدل الراتب لـ ( 36 ) شهرا ولا يحتسب لهم ربع الراتب مثلما يفعل مع الأمراء . 4- مدة الخدمة :- لا يستحق الفقراء راتبا تقاعديا إلا اذا كانت لديهم خدمة لا تقل عن ( 15 ) سنة وان لا تقل أعمارهم عن ( 50 ) سنة أو في حالات الوفاة والاستشهاد والأسباب الصحية ، أما الأمراء فمعفوون من ذلك كله ، فلو كان لأحدهم خدمة يوم واحد يستحق راتبا تقاعديا . وهذا يعني إمكانية تعيين احدهم في منصب مدير عام فاعلى ليوم واحد من اجل منحه راتبا تقاعديا . وهذا ما حصل فعلا في حالات معروفة . تلك الفروقات الأربعة يتفاقم أثرها في عدم تحقيق العدالة الاجتماعية وحسن توزيع الثروة حينما ينظر لحجم الفروقات غير المنطقية بين رواتب كبار موظفي الدولة وبين رواتب صغار الموظفين ، التي قد تصل إلى ( 30 ) ضعفا . ومن الخطأ الظن بان المشكلة هي ( فقط ) في القاعدة التي جاء بها القانون الجديد لتحديد الرواتب التقاعدية لكبار الموظفين لان تلك نظرة قاصرة ومجتزأة للموضوع . نعم ، ان تلك القاعدة قاعدة ظالمة ومجحفة ، وتصب في مصلحة كبار الموظفين على حساب صغارهم ، ولابد من إلغائها وإخضاع كبار الموظفين لنفس القواعد الموضوعية التي يخضع لها صغارهم ، لكن المشكلة الأساسية تكمن في عدم اعتماد معايير العدالة في توزيع المداخيل في كل أصنافها بضمنها تحديد رواتب الموظفين في الخدمة وأحكام وقواعد استحقاق الراتب التقاعدي لهم بعد انتهاء خدماتهم . ولنا عودة للحديث عن معايير العدالة في توزيع المداخيل والثروة ، وكيف يتم تطبيقها .