18 ديسمبر، 2024 7:43 م

الفرق بين التصوف والعرفان

الفرق بين التصوف والعرفان

في البدء، ربما يسئل سائل: ما الفرق بين التصوّف والعرفان؟، وهل هما شيء واحد أم شيآن؟
وقبل الاجابة عن هذا السؤال، نقول: أنه، وكما هو معروف، إن الاسلام بعد وفاة النبي وما جرى للدولة الاسلامية، عبر تاريخها الممتد الى اربعة عشر قرنا، تحول الاسلام الى عشرات الفرق والمذاهب والاهواء والنحل، كما عبر عن ذلك عبد الكريم الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل) وغير واحد من الذين كتبوا في الفرقة الاسلامية، ومنهم كذلك الاشعري في كتابه (مقالات الاسلاميين واختلاف المصلين) وربما قد سبقهم البغدادي في كتابه الذي اطلق عليه (الفرق بين الفرق). والى عصرنا هذا تكونت فرق من الاسلام وأنشأت لها مذهبا خاصا بها، وآخرها داعش، ولعل اعظم واكبر فرقتين في الاسلام هما: والشيعة والسنة، وبينهما اختلافات كثيرة جدا، لا يسعنا في هذا المكان تسليط الضوء على هذه الفروقات وذكرها كاملة أو جزء مهم منها، وندع ذلك لذوي الاختصاص، وحتى لا نرهق القارئ مما نحن بصدده.

فلكي يتميز السنة عن الشيعة، والعكس ايضا صحيح، فسمى الشيعة طريقتهم في عبادة الله او الطريقة في “الوصول الى الله”، كما اطلقوا عليها العرفان، حتى يتميزون على السنة، والا فأن السنة أو بالأحرى الصوفية من السنة، سبقوهم بفترة طويلة جداً، بل الصحيح أن عرفاء الشيعة قد اقتبسوا طريقتهم هذه من السنة، وخصوصاً من الشيخ ابن عربي صاحب (الفتوحات المكية) الذي يعتبر استاذ الكل في هذا المضمار، ويطلقون عليه الشيخ الاكبر، وتأثير الشيعة بأبن عربي واضح جداً، ومن اراد أن يقرأ حياة العارف علي القاضي سيتأكد بنفسه ما ندعيه، بل ليس علي القاضي فحسب، بل جلهم، كما سنوضح في تفاصيل في هذه المقالات.

وإذن، فإن التصوّف والعرفان هما معنيين، أو اسمين لمفهوم واحد، ارادوا به أن يميزوا أنفسهم واحدهم عن الآخر، والا فالطريقة هي ذاتها، فهناك أوراد وصلوات وادعية لكل منهما، لكن قد تختلف تلك الاوراد والصلوات والادعية، من حيث الكلمات، لكن المضمون والنتيجة واحدة.

أولاً: التصوف

ما هو التصوف:

والتصوف طريقة في العبادة والتقرب الى الله(عبادة خاصة)، بطقوس، ربما هي مختلفة جدا عن الطقوس التي يقوم بها معظم المسلمين. وبعض الكتاب اعتبر التصوف حركة دينية، وقال عنها أنها انتشرت في العالم الإسلامي في القرن الثالث الهجري؛ وذلك كنزعات فردية تدعو إلى الزهد وإلى شدة العبادة تعبيرًا عن ردة الفعل المعاكسة للانغماس في الدنيا والترف الحضاري، ثم تطورت تلك النزعات بعد ذلك حتى صارت طرقًا مميزة معروفة بطرق الصوفية.

ويقوم المتصوف بتربية نفسه والسموّ بها وذلك بُغْيةَ الوصول إلى الله –كما يعتقد- عن طريق الكشف والمشاهدة والإلهامات، وليس عن طريق اتباع الوسائل الشرعية التي جاءت من الكتاب والسنة، ولهذا فإن الصوفية أخذوا هذا المنهج المخالف للكتاب والسنة- كما يرى الكاتب- حتى تداخلت طريقتهم مع الفلسفات الوثنية القديمة كالفلسفة الهندية والفلسفة الفارسية واليونانية وغيرها.

ويرى البعض الآخر من الكتاب أن بعض الصوفية مغالون، حيث أن المتصوف يركن الى الغلو في الصالحين وفي مقدمتهم النبي محمد، حيث يعتقد المغالون من الصوفية أن النبي هو قبة الكون، وأن الخلق ما خلق إلا لأجله ومن نوره، ويقل منسوب الغلو عند بعضهم فيرى أن النبي بشراً رسولا، إلا أنهم يستغيثون به طالبين المدد والعون ولا يستغاث إلا بالله كاشف الضر ورافعه.

وبالتالي، إن المتصوفين يعتقدون أنهم قد وصلوا الى هدفهم وغايتهم، اذ انكشفت لهم الحجب وأنهم رأوا حقائق الاشياء، وعلموا ما مكتوب في الغيب، وهو بحد ذاته، مخالف للقرآن اذ تشير كثير من الآيات أن النبي نفسه لا يعلم الغيب {وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ}. فكيف نصدق بما يقولون به المتصوفة، إذن؟.

ثانيا: العرفان

تعريف العرفان

وبعد أن بينا، في المقال السابق، أنه لا توجد فوارق بين التصوف، الذي تسير على نهجه أهل السنة ، من الذين اتخذوا طريقة التصوف. والعرفان الذي خاضت به بعض الشيعة من الذين اختصوا في هذه المجال، وصار يطلق عليهم عرفاء، وسنوضح اكثر في نهاية هذه المقالات.

يتوهم الكثير من أن العرفان جاء من خلال حديث منسوب للإمام علي، وهو “من عرف نفسه عرف ربه”، بل أن اصل العرفان يعود الى اصول يونانية، وأن اول من قال” اعرف نفسك” هو الفيلسوف سقراط (399 – 469 ق، م). وكان من اشهر والمع تلامذته افلاطون الالهي الذي عرف بالتقوى والعبادة والتقرب الى الله بكل صنوف العبادة التي تقربه لربه زلفا.

وتعريف العرفان، كما يشير أحد الكتاب الى “إن العرفان مأخوذ من المعرفة الحاصلة من العلم النفساني الحاصل من النظر في النفس وطرق صلاحها واحوالها واطوارها ودائها ودوائها وسائر خصوصياتها والنظر في الآيات الآفاقية ومعرفة الله سبحانه مما يوجب هداية الانسان الى التمسك بدين الحق والشريعة الالهية التي تمثل المعرفة الكاملة وما لها من تعلق بعلم التوحيد والمعاد والنبوة، فأن هذه الحقة الحقيقة بما لها من المراتب الكثيرة اذ تحققت في فرد وجد نفسه متعلقا بمعدن العظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وسائر خصوصياتها بمن لم يكن متناهيا في الحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال واشرقت عليها من بهائه وسنانه وجماله وجلاله وكماله ما لم يقدر أي لسان أن يكشفه فهو شهودي خاص” (راجع: الشيخ ابراهيم سرور، نفحات عرفانية ص 11- 12). وبالتالي فهم يحصلون على كشوفات، من خلال هذا، الى ما يعبرون عنه بـ كشوفات، وامور غيبية، في حقيقتها تنصدم مع الواقع، ولا تلتقي مع العقل.