23 ديسمبر، 2024 4:24 ص

الفرق بين إهانة الهيئات النظامية وإهانة العاملين فيها

الفرق بين إهانة الهيئات النظامية وإهانة العاملين فيها

(المادة 226 عقوبات انموذجاً)
ان الإهانة فعل جرمه القانون سواء وقع على الشخص الطبيعي أو المعنوي وقانون العقوبات العراقي فصل ذلك في عدة مواد منها المواد (225و 226و 227 و228) عقوبات وجمعها فصل واحد تحت عنوان الجرائم الماسة بالهيئات النظامية ثم افرد فصلاً اخر لجرائم الاعتداء على الموظفين والمكلفين بخدمة عامة وحدد فعل الإهانة على هؤلاء في المادة (229) عقوبات، وجريمة الإهانة كما عرفها الفقه الجنائي بانها الاعتداء على شرف ومكانة المعتدى عليه، وحيث ان القانون يسعى لحماية الأفراد والأشخاص المعنوية من أي اعتداء، ولان فعل الإهانة يعد من الأفعال التي تتضمن شتيمة فيها إذلال واحتقار موجه إلى شخص المهان، فكان على المشرع ان يحمي شرف ومكانة الهيئات النظامية وكذلك العاملين فيها، إلا انه فرق بين إهانة الكيانات التي تمثل الهيئات النظامية وبين إهانة الموظفين العاملين فيها، حيث اعتبر إهانة الكيانات اشد ضرراً من إهانة الموظفين العاملين فيها لأنه جعل عقوبة جريمة إهانة رئيس الجمهورية اقسى من جريمة إهانة الهيئات النظامية كما جعل عقوبة تلك الجريمتين اقسى واشد من عقوبة الاعتداء على العاملين في تلك الهيئات، وعقوبة جريمة إهانة رئيس الجمهورية السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس وعلى وفق ما ورد في المادة (225) عقوبات وعقوبة جريمة إهانة الهيئات النظامية السجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او الحبس او الغرامة وعلى وفق ما ورد في المادة (226) عقوبات، وكذلك عقوبة جريمة إهانة الموظف أو المكلف بخدمة عامة بالحبس مدة لاتزيد على سنتين او بالغرامة وعلى وفق ما ورد في المادة (229) عقوبات، ومن خلال عرض النصوص أعلاه نجد ان المشرع قد تعمد التفريق بين إهانة الهيئات النظامية والعاملين فيها كما انه شدد العقوبة على فعل إهانة بعض العاملين في تلك الوظائف وهذه الفئات على وفق الاتي :
ميز فعل إهانة رئيس الجمهورية عن غيره من رؤساء السلطات الثلاث بعقوبة اشد والسبب في ذلك دور رئيس الجمهورية باعتباره رمز الأمة وحامي الدستور وانه ممثل الدولة التي تعد اسمى شخص معنوي وهو من يمثلها أمام أشخاص القانون الدولي ، بينما جعل عقوبة إهانة جميع العاملين في الدولة العراقية سواء كانوا على رأس احدى السلطات التنفيذية أو التشريعية او القضائية عدا رئيس الجمهورية عقوبة اخف واعتبرها جنحة وليس جناية كما تم عرضه سلفاً، لان هؤلاء الأشخاص يعملون لتقديم الخدمة المباشرة إلى المواطن ولابد من حمايتهم من الإهانة واو الاعتداء باستثناء حالات الإباحة في مجال النقد الموجه إلى أفعالهم أو بسببها وليس إلى أشخاصهم .
كما ميز المشرع العراقي بين إهانة الهيئات النظامية وبين العاملين فيها حيث اعتبر إهانة تلك الهيئات جناية بينما الاعتداء على من يعمل فيها سواء كان رئيسا أو عضواً أو مستخدما جعله جنحة عقوباتها لا تزيد على سنتين وبالإمكان الحكم بالغرامة بدلاً عن ذلك.
ثم ميز المشرع العراقي بين هؤلاء العاملين في الهيئات النظامية حيث اعتبر إهانة القاضي أثناء تأدية مهامه او بسببها ظرف مشدد حيث جعلها لاتزيد ثلاث سنوات بدلاً من لا تزيد على سنتين وذلك لأهمية الحفاظ على استقلال القضاء وعلى وفق الشق الثاني من المادة (229) عقوبات التي جاء فيها الاتي (وتكون العقوبة الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات وبالغرامة بإحدى هاتين العقوبتين اذا وقعت الإهانة أو التهديد على حاكم محكمة قضائية أو إدارية او مجلس يمارس عملا قضائيا أثناء تأدية واجباتهم او بسبب ذلك)
ومن خلال العرض المقتضب نجد ان أي إهانة لموظف او مكلف بخدمة عامة أثناء تأديته لوظيفته تخضع لأحكام التجريم والإدانة الواردة في المادة (229) عقوبات وهي جنحة لا تتعدى عقوبتها السنتين او بالغرامة باستثناء القضاة والهيئات القضائية فان عقوبتها تشدد إلى ثلاث سنوات او بالغرامة، باستثناء رئيس الجمهورية فان جرمة إهانته تكون جناية، أما الهيئات النظامية فإنها جناية على وفق المادة (226) عقوبات، لكن من خلال مراقبة الحراك السياسي والنشاط الإعلامي لما يحصل في العراق وجدنا ان تفعيل المادة (226) عقوبات قد طغى على المادة (229) عقوبات وجعل أي إهانة لأي موظف في الهيئات النظامية بمثابة إهانة لتلك الهيئات دونما أي تمييز بين الفعلين، لان اكثر التهم الموجهة بموجب المادة (226) عقوبات في حقيقتها تهم عن إهانات موجهة الى شخص العاملين في الهيئات سواء كانوا على رأس تلك الهيئات أو أعضاء فيها أو من العاملين فيها وليس إلى الهيئات لان جميع من اتهم بها كان قد وجه فعله إلى شخص معين وليس إلى التعميم على مجمل الهيئة أو التشكيل النظامي، حيث ان الهيئات النظامية قد وردت في المادة (226) عقوبات القانون على سبيل الحصر (مجلس الأمة ويمثله حاليا مجلس النواب) او الحكومة او المحاكم (ويقصد بها السلطة القضائية) او القوات المسلحة او غير ذلك من الهيئات النظامية او السلطات العامة او المصالح او الدوائر الرسمية او شبه الرسمية) ولم يكن من بينها رئيس تلك الهيئة او السلطة او التشكيل النظامي، بينما نجد المادة (229) عقوبات كانت صريحة في بيان شمول هؤلاء العاملين دون النظر الى مناصبهم في أحكامها باعتبار فعل الإهانة جنحة وليس جناية، ومع ذلك نرى ان وجود تلك المواد في الجسم القانوني العراقي اصبح يتقاطع مع ما اقره الدستور من الحق في حرية التعبير وعلى وفق المادة (38) من الدستور، التي الزمت الدولة بان تكفل للمواطن ممارسة هذا الحق وعلى وفق النص الاتي (تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون) وكفالتها تكون بمنح المواطن فرصة للتعبير عن الرأي عندما لا يجد مخرجاً لنيل حقوقه، فضلاً عن ذلك فان قيام المواطن بالتعبير عن الرأي هو اسلم وسيلة لمنعه من الانجرار إلى اتباع وسائل غير سلمية، أو يتبع أسلوب المواربة والتواري خلف أسماء وهمية تمنع صاحب القرار من التمييز بينها وبين أصحاب الغرض السيء، لذلك لابد من دعم الحملة الشعبية لإلغاء او تعديل المادة (226) من قانون العقوبات حتى لا تصبح وسيلة ديكتاتورية تتعكز عليها بها السلطة القابضة تجاه الأفراد، وما زلنا في انتظار موقف قرار المحكمة الاتحادية العليا الموقر تجاه الطعن المقدم بعدم دستورية تلك المادة ونأمل ان يكون على وفق ما يتمناه الأغلب الأعم من المواطنين لأنها أصبحت قيداً على ممارسته حقه في التعبير عن الرأي، والنتيجة التي يكون عليها قرار المحكمة الاتحادية العليا سيحدد مصير سائر النصوص القانونية التي نرى ويرى الأخرون إنها تشكل قيد لابد من إزالته ورفعه.

قاضٍ متقاعد