23 ديسمبر، 2024 4:53 ص

الفرق الباطنية في التاريخ الاسلامي

الفرق الباطنية في التاريخ الاسلامي

1- الحروفية
فرقة باطنية أنشأها (فضل الله النعيمي الاستربادي) في نهاية القرن الثامن الهجري الموافق لبداية القرن الرابع عشرالميلادي، وأدخلها في الدولة العثمانية (علي الاعلى) أحد تلاميذ فضل الله.
ولد فضلُ الله في مدينة (استراباد) الايرانية سنة741هـ/ 1340م، وقد اخذ من والده تعليمه الصوفي وسافر الى الحج وهو ابن ثمان عشر سنة، وعاد الى خوارزم)=شمال شرق ايران- تركمنستان حالياً)، وصار يعمل في حياكة الثياب وصناعة القلنسوات، وكان يتابع مطالعة كتب القبالة اليهودية (= التصوف اليهودي) وكتب التصوف والرياضة الروحية في الخانقاهات والتكايا. بعدها انتقل الى مدينة اصفهان وأسس فيها مدرسة للتصوف، ولما بلغ الاربعين من عمره – إدعى النبوة – والف بالفارسية كتابا سماه جاويدان نامه كبير ( = رسالة الخالدين الكبيرة) وأشار الى نفسه بالاية الكريمة: [ومن عنده علم من الكتاب…]، على أساس ان هذه الاية تعنيه، وأرسل دعوة لتبليغ الناس وحكام ايران بهذا الخصوص، ولما سمع به حاكم اذربيجان (ميران شاه بن تيمور لنك) نقله الى مدينة شيروان الواقعة في اقليم القوقاز وجمع له علماء المسلمين، وناقشوه وافحموه، فاستفتاهم الحاكم بأمرهم، فأفتوا بقتله، وقتل فعلاً في مدينة تبريز سنة770هـ/ 1401م وسحب جسده في أزقتها، وقبره اليوم في منطقة نخجوان في جنوب بلاد القوقاز (المنطقة المتنازعة حالياً بين أذربيجان وأرمينية(.
وظهر له بعد قتله كتاب(محرم نامه) اي كتاب الاسرار المصنف عام 828هـ/1465م تقوم على فكرة أن الكون فكر وفيه أعتبر العالم أزلي وحركته سرمدية (=على غرار أقوال الفلاسفة)، وما يظهر في العالم من فساد سببه تلك الحركة الدائمة؛ وان الله لا دخل له فيها، وهذا هو علة التغيرات التي نلاحظها عليه، وتنقسم هذه التغييرات الى أدوار يتميز أولها وآخرها بظاهرتين متشابهتين هما: ظهور آدم في الاول، وقيام يوم الحساب في الآخر، وقد تمثل الله في شخص الانسان وخاصة وجهه لأن الله قد برأه(= خلقه) على صورته .
ومن الافكارالخطيرة التي اشار اليها فضل الله النعيمي الحروفي قوله: ” إن الله يمكن أن يتجلى في شخص الانسان”، وأن لله عدة تجليات، منها تجليه في محمد وعلي والائمة من ولده الى الحسن العسكري. وفضلُ الله آخر الاولياء، وهو أيضاً أول الطبقة القدسية، فهو الله (جل جلاله) مجسداً؛ أي أن الله يتجسد ويظهر في شخص فضل الله النعيمي الاستربادي الذي امتاز على جميع المخلوقات بالقوة الناطقة.
وقد مزج فضلُ الله مذهبه بدعاوى رمزية وسفسطات خلابة المظهر، وهي نظريات رمزية عن الحروف وقيمتها العددية، وما أدعاه لها من قيمة في إحداث الآثار الكونية. واعتمد الحروفيون هذه الطريقة السحرية (= القبالية اليهودية) وتمادوا فيها الى حد بعيد، وأوجدوا بذلك تأويلاً للقران قلَ ما أبقى على معانيه الاصلية!.
ويلاحظ ان مذهب الحروفيين في الحلول قوي الشبه بمذاهب التصوف الفلسفي، كما في تعاليم الطريقة البكتاشية التي تدين بالنظريات الحلولية .
كما تكلم فضلُ الله عن أسرار الحروف وفصل فيها اكثر ممن سبقوه، وهو الكلمة الحية التي تظهر بواسطة ال(28 ) حرفاً هجائيا.
وأهم كتب هذه الفرقة:
1- كتاب جاودان الكبير.
2- حقيق نامه.
3- استوا نامه.
4- هدايت نامه.
5- محرم نامه.
وبعض هذه الكتب باللغة الفارسية؛ إلا أنه يشوبها فقرات من اللغة الاسترآباذية (= منطقة تقع على الساحل من الغربي بحر قزوين في ايران)، وأخرى باللغة التركية العثمانية.
وقد رد العالم العثماني(اسحق أفندي)على الحروفية بكتابِ سماه(كشف الاسرار ودفع الاشرار)، الفه عام1288هـ/1871م باللغة التركية العثمانية، ومع حدة ألفاظه وشدة عباراته؛ إلا أن كلامه مقرون بالصحة ونتيجة تحقيقات دقيقة حسب المستشرق البريطاني(إدوارد براون المتوفى سنة1350هـ/1930م)، الذي حلل كتابه بقوله:” فليكن معلوما أن فرقة البكتاشية هي أكثر جميع هذه الفرق التي أوقفت نفسها على إضلال المسلمين جرماً، ومع أنه لا يتضح أنهم مسلمون صادقون من فعلهم وكلامهم إلا أنهم أثبتوا هذا الامر وحققوه بوجه حاسم في عام 1228 هـ(=1871م)، ذلك أن الكتب التي ألفتها هذه الفرقة باسم ( الجاويدان ) عددها ستة، ألف واحداً منها زعيم هذه الفرقة (= فضل الله الحروفي)، وحرر الخمسة الآخرون خلفاؤه، ومع أن الكفر والزندقة يتضحان من هذه الكتب الخمسة، وان هذه الفرقة تعودت على تعليم هذه الكتب في الخفاء فيما بينهم ودراستها داخل أنفسهم، لكن في ذاك العام تجاسر أتباع (= فرشته زاده) ونشروا كتابه الجاويدان المسمى (عشق نامة)، ومع أنه أماط اللثام فيه عن وجه كفرياته ، فلأجل هذا توجب بدون جدال تأليف رسالة لتحذير المؤمنين وإظهار حقيقة ماهية هذه المعتقدات الباطلة داخل كتبهم، فعقدت الهمة على تحذير هذه الرسألة معتمدا على الله تعالى وصنفتها في ثلاثة فصول…”.
ما يهمنا الفصل الاول الذي تطرق فيه الى بيان أصل فضلُ الله الحروفي وعقيدته، وأصول بعض البكتاشية وقواعدهم.
وبعدها يشرح المؤلف بعد ذكر مختصر للقرامطة (=الشيعة الاسماعيلية الغلاة) وغيرهم من الفرق القديمة، وذكر فضلُ الله الإسترابادى مؤسس الفرقة الحروفية، وكيف أن (ميران شاه بن تيمور لنك) قيده بحبل وجره على رؤوس الاشهاد في أزقة وأسواق مدينة تبريز وأزال من الدنيا وجوده الخبيث. وانتشر من بعد خلفاؤه التسعة في أطراف العالم الإسلامي، وكان الشاعر المشهور نسيمي(= المقتول عام821هـ/ 1418م) وهو خليفته وأكبر شعراء الحروفية من بعده، قد طاف أنحاء الاناضول كثيراً وسعى لنشر الحروفية حتى تم اعدامه في حلب بصورة مخيفة؛ إذ جرى قتله سلخاً، وظل ديوانه المشهور يتنقل بين أيدي أتباع فرقتي القلندرية والبكتاشية، وصار واحداً من أهم مصادر الالهام عندهم.
ومن خلفائه الاخرين من تلقب ب(علي الاعلى) توفى في عام 822 هـ / 1419 م مسؤل تكية حاجى بكتاشي في الاناضول – غرب تركيا الحالية – واستمال إليه قلوب قاطنيها، وبدأ في الخفاء نشر مبادئ الجاويدان وتعاليمه، وزعم أنها أسرارحاجى بكتاش ومكنوناتة الخفية وسماها (الاسرار)، وكان عقاب من يفشيها الموت، ولكي يكشف ويوضح بعض الرموز الغامضة والصفحات المبهمة للجاويدان ألفت الجماعة رسالة اسمها (مفتاح الحياة) لا يفهم معاني كتاب الجاويدان وغوامضه من لا يمتلك هذه الرسالة.
وبعد موت فضلُ الله، تكونت من اتباعه فرقة ( الدراويش) التي صارت تطلق على نفسها(أهل الحق)، وادعوا ان الله قد حل في(قرة العين) ابنة فضل الله المستحقة للقداسة والتي تمثل الجمال الالهي(= وهي غير قرة العين البابية التي قتلت (سنة1270هـ/ 1852م).
وكانت قرة العين رائعة الجمال ذكية تتقن العربية والفارسية وتحفظ أشعار كبار أصحاب التصوف الفلسفي :ابن عربي، وابن الفارض، وعبد الكريم الجيلي، وتعتقد ان ابن عربي قد تنبأ بمجيئها بقوله:
طال شوقي لطفلة ذات نثر ونظام ومنبر وبيان
من بنات الملوك من دار فرس من أجل البلاد من أصبهان
واطلق على قرة العين الكلمة العليا، واستطاعت بمهارتها تنظيم فرقة الدراويش وقويت شوكتهم وكثر أتباعهم في مدينتي استراباد واصفهان، وفي اقليم اذربيجان، وفي الاناضول وبالتحديد مدينة قونية، فأمر (جهان شاه) حاكم القبيلة التركمانية (الخروف الاسود) بقتلها في تبريز (سنة823هـ/ 1420م)، وبنى أتباعها على قبرها قبة يزورونها كل سنة قادمين من المناطق التركية، ومن كرد لورستان الذين يعرفون ب (الكوران) الذين يطلق عليهم حاليا (العلي الهية- يارسان- الشيعة الغلاة) في ايران، والكاكائية (= أهل الحق) في العراق .
وللحروفية تأثير واضح في الصور التي تزين التكايا البكتاشية في تركيا وغيرها من الدول، فهناك توجد رسوم لوجه (علي بن ابي طالب) ونجليه (الحسن والحسين) رضي الله عنهم، أو لشخصيات مهمة مرسومة بتركيبة فنية من حروف أسمائهم .