الأزمة في قاموس المعاني تعني الضيق والشدة في أمر ما, كما إنها تعني في المجال الطبي نهاية فجائية في مرض حاد, والسؤال اليوم هل العراق اليوم في أزمة تتطلب حلاً عاجلاً لها, أم أنها عبارة عن حياة واقعية لازال يعيشها الفرد العراقي منذ ألاف السنين ولغاية كتابة هذه السطور, وبالطبع فأن الجواب يجب أن يكون محيطاً ومُلّماً بالوضع العراقي من جميع جوانبه.
بداية الأزمة العراقية لم تبدأ في العصيان المسلح في ساحات اعتصام المنطقة الغربية بل الحقيقة إنها بدأت مع الاحتلال العثماني للعراق الذي أذاق جنوب ووسط العراق للويلات بحكم التمييز الطائفي الذي اتبعته الدولة العثمانية,مروراً بثورة العشرين التي قام بها أبناء الوسط والجنوب ضد الاحتلال البريطاني وتشكيل الدولة العراقية بزعامة الملك فيصل ابن الشريف حسين,ليبدأ بعدها سلسلة من التغييرات مثل تحول العراق من الحكم الملكي إلى الحكم الجمهوري,مع بقاء المكون السُني هو أساس الحكم في العراق,ومن الغريب في الأمر إن جميع رؤساء العراق أثناء الحكم الجمهوري هم أتوا من نفس المّكون ومن المنطقة الغربية بالذات وكأن العراق قد اختزل بهذه المنطقة.
والكل يعلم ماعاناه العراق في ظل هذه الحكومات والتي عاثت في الأرض فساداً وخراباً وحكمت العراق بالنار والحديد وبنفس منظار الدولة العثمانية سيئة الصيت.
وليس من قبيل المصادفة ان ينادي أصحاب ساحات الاعتصام مستغيثين بتركيا وريثة الدولة العثمانية كي يتم تحريرهم من الشيعة وينادون بمحمد الفاتح وغيره من محتلي العراق الذين حكموا العراق بطائفية مقيتة, وهذا النداء اكبر دليل على كيفية حكم الدولة العثمانية للعراق, لذا يجب آن يفهم العراقيون وقادتهم إن حقيقة الأزمة هي نفسية واجتماعية اكثر من كونها سياسية,لأن المنطقة الغربية تنظر بعينٍ طائفية تجاه الحكومة الحالية وحتى لو تم تغيير رأس الهرم في السلطة التنفيذية يبقى الحال على ماهو عليه, لأن الغاية هو أن يحكم المكون السني للمكون الشيعي وهذه الصفة متأصلة في جيناتهم الوراثية.
وعلى الرغم من ذلك تأتي دعوة السيد عمار الحكيم لجلوس أطراف الأزمة على مائدة واحدة لحل الخلافات التي تعصف بالعراق وحفاظاً على ارواح العراقيين من حربٍ طائفية لاتبفي ولاتذر خصوصاً لمن يدعوا لها, هذه المبادرة والتي قد يكون مقدراً لها أن تصبح الضوء الذي في نهاية النفق,فأذا استطاعت هذه المبادرة جمع الاطراف المتخاصمة في الساحة السياسية فأنها تكون قد حققت منجزاً لايستهان به للخروج من الأزمة , خصوصاً وان الحكومة العراقية مستعدة للتفاوض مع من ترتضيه المنطقة الغربية ممثلاً لها فلا يبقى الا ان ننتظر رأي معتصمي ساحات التظاهر, الذين لا أرى شخصياً لهم أي حقوق مشروعة في تظاهراتهم, اللهم الا اذا كان هدف إسقاط الحكومة الشيعية يعتبر مشروعاً في نظرهم فذلك بحثاً أخر.
ولكن وللأمانة فأن السيد الحكيم عمل بحكمة مهمة لأبراهام لينكولن (إذا استطعت أن تكسب رجلا إلى قضيتك، أقنعه بداية بأنك صديقه المخلص ),فهو يعتبر طرفاً ثالثاً ليس له أي وزير في الحكومة ويمتلك علاقات متوازنة مع جميع المكونات ,لذلك فعدم الموافقة على مبادرته التي لاتتضمن مصلحة شخصية سوى حفظ الدم العراقي من شأنها أن تسحب الغطاء الشرعي من ساحات التظاهر سياسياً وإعلاميا , ويكون بالإمكان معالجة هذه الساحات امنياً بواسطة القوات المسلحة لاتها ستكون ساحات للفتنة والقتل لاغير كما هو الحال بالفعل,لذا قد تكون هذه المبادرة هي الفرصة الأخيرة للمنطقة الغربية قبل حلول ساعة الحساب وفصل الخطاب ولات حين مناص.